استفيقوا أيها المراهنون على الغرب!
} د. عدنان منصور*
لم يكترث الاتحاد الأوروبي بموقف الدولة اللبنانية إزاء النزوح السوري في لبنان، والظروف الاقتصادية، والمعيشية، والخدمية الصعبة التي يتحملها نتيجة هذا النزوح.
الغرب المنافق يريد أن يظهر حرصه وغيرته على النازحين السوريين في لبنان، وهو الذي لم يترك وسيلة إلا واستخدمها ضدّ سورية ونظامها ورئيسها من أجل إسقاطها، منذ اندلاع الأحداث فيها عام 2011، والتي تسبّبت بنزوح ملايين السوريين الى لبنان والأردن وتركيا وغيرها.
دول في الاتحاد الأوروبي قدّمت الدعم المادي والعسكري، والاستخباري، واللوجستي، والإعلامي، والسياسي، والدبلوماسي، من أجل إسقاط النظام، ووقفت وراء الفصائل الإرهابية في سورية تحت ستار الحرية للشعب السوري، التي ارتكبت المجازر، وتدمير مرافق الدولة واقتصادها.
لا يريد الاتحاد الأوروبي عودة النازحين الى ديارهم، لأنه يريد ابتزاز لبنان وسورية لانتزاع مواقف منهما تخدم مصالحه المتوسطة المدى.
يبدي الاتحاد الأوروبي «حرصه» على حياة النازحين، من خلال أكاذيب لم يتردّد عن ترويجها من أنّ النظام السوريّ سيقتصّ من العائدين، ولا ضمان، ولا حياة آمنة لهم.
منذ سنوات طويلة والغرب ومعه الأمم المتحدة، يتطلّعون إلى جعل لبنان مقرّ لجوء، وهذا ما رفضه بالمطلق. واليوم يقوم الاتحاد الأوروبي بفرض الأمر الواقع على الدولة اللبنانية غير مكترث بالقانون الدولي ذي الصلة، ولا بالسيادة اللبنانية، ودستورها وقوانينها، وبموقفها المبدئي، وبالإجماع اللبناني على رفض أيّ شكل من أشكال التوطين، لا سيما توطين الفلسطينيين الذي يعمل عليه باستمرار.
متى يفهم الذين يرتمون في أحضان الغرب في لبنان، ويقفون على أبواب سفاراته، ينتظرون إشاراته، وأوامره وينفذون سياساته، بأنهم ليسوا أصدقاءه، ولا حلفاءه، وإنما أداة، يسخرهم لخدمته وأهدافه الاستراتيجية البعيدة المدى؟!
ألم يحِن الوقت بعد، أن يعلموا أنّ الغرب يعمل لمصلحته ولا يكترث بهم، وهم ليسوا إلا دمية في يديه، وكرة تتقاذفها أقدامه، وكلما تلفت كرة استبدلها بأخرى!
يا أدعياء السيادة! هذا هو الاتحاد الأوروبي بقراره الأخير يتحداكم، ويمرّغ سيادتكم وقراركم، ولا يهمّه رأيكم أو موقفكم. فعند تقاطع المصالح، تصبحون الكبش على مذبحه.
قولوا لنا ما أنتم فاعلون مع هذا القرار المستبدّ، العنصري الوقح؟!
لقد قامت قيامة أوروبا بعدما شهدت نزوحاً بعشرات الآلاف اليها. لم تطق ذلك، ولم تتحمّل رغم مساحتها، وإمكاناتها الكبيرة، مع العلم أنّ النزوح إليها شكل رقماً هزيلاً جداً بالنسبة إلى تعداد سكانها. لكن أمام النازحين من جنسيات مختلڤة في لبنان يشكلون نصف سكانه او أكثر، فهذا لا يضيره، رغم ضعف إمكانات البلد والتداعيات الخطيرة على أمنه، واستقراره السياسي والاجتماعي، والتوازن الديموغرافي.
قرار الاتحاد الأوروبي هو اعتداء سافر على لبنان، وعلى سيادته، وعلى حرية اتخاذ قراره المستقلّ في هذا الشأن. على جميع اللبنانيين مسؤولين وأفراداً، أن يقفوا وقفة واحدة، وبالذات على الذين يراهنون على الغرب، وسياساته، ويعوّلون على نجدته لهم، أن يرفضوا بالمطلق قراره، ويدينوا سياساته حيال النازحين. هل يجرؤون ليقولوا له إنّ زمن الانتداب ولّى، وإن القرار في هذا الشّأن قرار سيادي لبناني، وعلى الاتحاد الأوروبي أن يحترمه، ويحترم إرادة اللبنانيين ودولتهم.
على جميع اللبنانيين، بكلّ طوائفهم، وأحزابهم، وأطيافهم، أن يدركوا، أنّ قرار الاتحاد الأوروبي قرار خطير، يتعدّى إطار النازحين السوريين، و»الغيرة، والحرص» عليهم. إذ ما يُحضّر للبنان وسورية من خلال هذا القرار المشبوه، على الصعيد السياسي والأمني، سيحدث تغييرات جوهرية يريدها الغرب، يكون لها تأثيراتها السلبية المباشرة على وحدة سورية، واستقرارها وأمنها، وسياساتها، وأيضاً على وحدة لبنان، ونسيجه الوطني والاجتماعي.
إنها مسؤولية الجميع لإجهاض القرار الأوروبي، ولا بدّ من تعاون وتنسيق كامل دون تحفظ أو تلكّؤ، أو تردّد، مع الأشفاء السوريين وعلى أعلى المستويات، لمواجهة هذا القرار الذي يهدّد أمن واستقرار البلدين الشقيقين.
يبقى على المرتمين في أحضان الغرب أن يقولوا كلمتهم الحاسمة، ويقفوا وقفتهم التي تشرّف وطنهم، ويتصدّوا بكلّ قوة لقرار الاتحاد الأوروبي، ليكون الموقف اللبناني موقفاً وطنياً موحداً حازماً جامعاً، به يستطيع لبنان حكومة وشعباً أن يقول كلمته، ويتصرف بما تمليه عليه مصالحه الوطنية والأمنية العليا.
*وزير الخارجية والمغتربين الأسبق.