في الصراع مع «إسرائيل»: مخاطر الذكاء الاصطناعي على أمننا القومي؟
} د. عصام نعمان*
لا جدال في أنّ الذكاء الاصطناعي بات علماً ومعرفةً وممارسةً شائعة، بدرجات متفاوتة من الانتشار، في جميع أنحاء العالم. لعل أوسعها وأعمقها شيوعاً في بلدان أميركا الشمالية وأوروبا الغربية.
ينقسم العلماء والخبراء حول جدوى الذكاء الاصطناعي وخطورته. بعضهم، كمايكل آر سترين، مدير دراسات السياسة الاقتصادية في معهد أميركان انتربرايز ومؤلف كتاب «الحلم الأميركي لم يمُت، لكن الشعبوية يمكن ان تقتله»، يؤكد أنّ التقدّم التكنولوجي في الذكاء الاصطناعي وغيره يحسّن رفاهية الإنسان، وتطوير الأدوية والعلاجات، وزيادة الإنتاجية والأجور، وإنتاج الغذاء والحدّ من الجوع، والحدّ من الفقر، والتقدّم في تكنولوجيا الطاقة. بعضهم الآخر يخشى من مخاطر الذكاء الاصطناعي في أمور عدّة كالتضليل الإعلامي، والصور المزيفة، وبطالة العمال والمستخدمين والمعلمين، حتى أنّ الملياردير ايلون ماسك، مالك شركة تويتر، أبدى خشيته من أن تتفوّق أنظمة الذكاء الاصطناعي على البشر وتتحكم بهم في مقبل الأيام. ولعلّ ما أوصل ماسك الى هذا الاستنتاج الخطير نجاح شركته «نورا لينك» في زرع تقنيات ذكية في الدماغ للتواصل مع أجهزة حواسيب (كومبيوتر) مباشرةً من خلال التفكير وذلك لمساعدة المصابين بشلل أو الذين يعانون أمراضاً عصبية.
لا تمكن الإحاطة في مقالةٍ واحدة بكلّ أبعاد وجوانب ومحاسن ومخاطر الذكاء الاصطناعي في شتى الحقول والعلوم والاستخدامات والمهن والفنون. لذا أخترتُ التركيز في هذه السطور على مخاطر الذكاء الاصطناعي على أمننا القومي في الصراع مع «إسرائيل».
لم أقع شخصياً على مرجع جامع أو نصّ متكامل يرصد ما توصّلت اليه «إسرائيل» من استخدامات ونجاحات في ميدان الذكاء الاصطناعي. لكن ما تيسّر لي الاطلاع عليه من نصوصٍ وتصريحات شتى لمسؤولين إسرائيليين يشير الى انّ الكيان الصهيوني يستخدم تسهيلات الذكاء الاصطناعي في الأمور الآتية:
1 ـ الاستخبارات: نسبت الصحافة الإسرائيلية، صدقاً او كذباً، خلال شهر أيار/ مايو الماضي إلى قيادة الجيش الإسرائيلي أنها «رفعت تقريراً الى رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو حول كيفية العثور على القادة المطلوبين (من حركة الجهاد الإسلامي) واغتيالهم باستخدام أجهزة الاستشعار، ومعالجة المعلومات الاستخبارية المرئيّة والمسموعة، والبصمات الالكترونية، وتطبيقات الذكاء الاصطناعي التي تحلل البيانات»، وأنّ نتنياهو أبدى اغتباطه لأنّ جيشه «حقق فجوة كبيرة بيننا وبين أعدائنا».
2 ـ إتقان استخدام الذكاء الاصطناعي: تنسب وكالة رويترز (2023/6/13) الى العقيد ايلي برنبوم قوله في مقابلةٍ معها إنّ نحو نصف عدد الفنيين العسكريين لدى «إسرائيل» سيُصار الى تركيز تخصصهم بالذكاء الاصطناعي مع حلول العام 2028. ويدّعي برنبوم أنّ عدد الفنيين العاملين حالياً في مشروعات متعلّقة بالذكاء الاصطناعي يربو على 20 في المئة، وأنه خلال خمس سنوات يتوقع أن يصبح عدد هؤلاء آلافاً.
3 ـ الاستشعار العسكريّ: زعم ضباط إسرائيليون كبار للصحافة خلال شهر شباط/ فبراير الماضي انّ «إسرائيل» تقوم بنشر تقنيات ذكاء اصطناعي في عملية اتخاذ القرارات المتعلّقة بالعمليات الهجومية، وذلك لمعرفة طبيعة وهوية الهدف المُراد التصويب عليه. كما انّ تقنيات ذكاء اصطناعي جرى استخدامها في العمليات الدفاعية لإشعار وحدات الجيش بأنها مهدّدة من قِبَل العدو بعناصر تحمل قاذفات صواريخ.
4 ـ البنادق المزوّدة بتقنيات ذكاء اصطناعي: كانت روزالين مِنْ، الملحقة بوكالة أسوشيتد برس، قد كشفت في 2022/10/17 أنه بعد تزايد الاشتباكات بين الجيش الإسرائيلي والمقاومة الفلسطينية في الضفة الغربية قامت «إسرائيل» بتزويد جنودها ببنادق بتقنيات ذكاء اصطناعي. وجاء في الخبر الذي أوردته الوكالة المذكورة أنّ الجندي كان يكتفي، عند مشاهدته الهدف، بأن يكبس على زر فتنطلق رصاصات البندقية من تلقاء نفسها.
المهمّ في هذه الإحاطة المختصرة أنّ «إسرائيل» قطعت شوطاً كبيراً في إتقان التزوّد بالذكاء الاصطناعي وإدخاله الى مختلف أنواع أسلحتها التي تستخدمها بلا رحمة ضدّ المدنيين كما المجاهدين الفلسطينيين.
السؤال: كيف حال العرب عموماً والفلسطينيين خصوصاً مع الذكاء الاصطناعي؟
ليس لديّ معلومات موثوقة من مراجع مسؤولة، عربية او أجنبية، في هذا المجال، الأمر الذي يستوجب الإسراع في عملية توعية العرب، مسؤولين ومواطنين، على مخاطر استخدام «إسرائيل» لتقنيات الذكاء الاصطناعي في الصراع وانعكاساته السلبية على العرب عموماً في شتى المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، ولا سيما في الإعلام المضلّل، والصور المزيّفة، وتعطيل المرافق الاقتصادية، وإفساد عقول القادة وأهل الرأي باستخدام تقنيات للذكاء الاصطناعي تؤثر في تفكيرهم وتُحرفهم عن بعض القيم العليا والتوجهات السياسية والايديولوجية.
إزاء هذه التحديات والمخاطر، ما العمل؟
يجب ألّا يغيب عن أذهاننا أنّ «إسرائيل» دولة نووية تمتلك مئات الرؤوس القادرة على تدمير المنشآت والمرافق الاقتصادية والاجتماعية والقواعد العسكرية في كلّ أنحاء الوطن العربي، وأنها ترفض الانضمام الى معاهدة منع انتشار الأسلحة النووية، وأنها تالياً خارج رقابة أيّ هيئة أممية، ولن تتردّد في استعمال أنواعٍ من السلاح النووي اذا شعرت أنّ أمنها القومي في خطر.
في ضوء هذه الواقعات والاحتمالات الخطيرة، أرى أنه يتوجب علينا القيام بالتدابير الآتية:
أولاً، المبادرة بلا إبطاء على الصعيدين القطري والقومي الى اكتناه واعتماد تقنيات الذكاء الاصطناعي في مختلف المجالات الاقتصادية والاجتماعية والعسكرية والفنية وفق جدول للحاجات والضروريات الأكثر أهمية وخطورة وجدوى.
ثانياً، وجوب قيام الدول العربية والإسلامية المؤيدة للمقاومة الفلسطينية، في حال توصلها الى إدخال تقنيات الذكاء الاصطناعي على الأسلحة المصنّعة او المطوّرة لديها، بتزويد المقاومة الفلسطينية بهذه الأسلحة بغية تحقيق قواعد جديدة للاشتباك بينها وبين القوات الإسرائيلية وصولاً الى تحقيق توازن في الردع معها.
ثالثاً، عقد اتفاقات تعاون مشترك في ميادين الذكاء الاصطناعي بين الدول العربية والإسلامية المؤيدة للمقاومة الفلسطينية، ثنائياً في ما بينها، او جماعياً في إطار جامعة الدول العربية او مؤتمر التعاون الإسلامي، او في إطار أيّ صيغة إقليمية او دولية مناسبة.
رابعاً، الدعوة داخل الأمم المتحدة وخارجها الى إنشاء وكالة أممية للذكاء الاصطناعي مهمتها مراقبة وبالتالي الحدّ من استخدام تقنيات هذا العلم والفن في الأسلحة الثقيلة المؤذية أو تلك المتداخلة مع الأسلحة النووية.
خامساً، السعي لإقامة وكالة أممية تابعة للأمم المتحدة مهمتها مراقبة كلّ وجوه استخدام الذكاء الاصطناعي في مختلف أنشطة الحياة العامة، خصوصاً ما يتعلق منها بإدخال تقنيات وشرائح من الذكاء الاصطناعي الى الأدمغة البشرية بغية التأثير في تفكير البشر او السيطرة والتحكم بالجنس البشري أفراداً وجماعات، ومعاقبة المخالفين.
أجل، لعلّ أخطر تحدٍّ يواجه الجنس البشري، حاضراً ومستقبلاً، هو احتمال أن يتفوّق الذكاء الاصطناعي على الذكاء البشري، فيصبح مصير البشرية برمّتها أسير الصراع بين أجهزة وآليات الذكاء الاصطناعي نفسها، المتفلتة من رقابة قيادات الجنس البشري وسيطرتها.
*نائب ووزير سابق.
[email protected]