قمة الناتو والعنقودية الأميركية وآفاق الأزمة الأوكرانية…
} د. جمال زهران*
بانعقاد مؤتمر قمة دول حلف «الناتو»… في عاصمة ليتوانيا (فيلينيوس) يومي الأربعاء والخميس (12 و 13 يوليو/ تموز الحالي)، وسط تصريحات أميركية مباشرة بدعم أوكرانيا بأسلحة نوعية جديدة بهدف التمويه بنصر أوكرانيا، وإلحاق الهزيمة الساحقة بروسيا العظمى، بما يسهم في تكريس الهيمنة الأميركية على العالم، فإنّ ذلك يحمل من الأوهام أكثر من الحقائق.
فقد انعقد المؤتمر، ليتمخض عن بيان، أقرب إلى إعادة الصياغة عن مؤتمر القمة السابق، وملخصه استمرار الدعم لأوكرانيا، ومنع روسيا من تحقيق نصر حاسم وذلك من خلال إطالة أمد الحرب والصراع، حتى تنهار روسيا، وتطلب الصفح وتقدّم الاعتذار! لذلك فإنّ قمة الناتو، هي إعادة لإنتاج «الوضع المهزوم» لأميركا وأوروبا، في مواجهة روسيا التي تصرّ على عدم التراجع، والتي تمكّنت عبر أجهزة مخابراتها من خديعة المخابرات الأميركية، في واقعة «فاغنر»، التي كشفتُ تفاصيلها في مقال سابق، وكلفتها أموالاً سائلة قيمتها (6,2) مليار دولار! لكن المشكلة أنّ أميركا لا تتراجع رغم هزائمها المستمرة من كوريا إلى فيتنام إلى أفغانستان، إلى العراق، وسورية، والصومال ولبنان، وإذلال «المارينز» في منازلات، دفع الجيش الأميركي ثمناً فادحاً، وسمعة تمّت مرمطتها في الوحل، لتسقط معها أسطورة الجيش الأميركي الذي لا يُقهر! إلا أنه قُهر وذُلّ، بصورة بشعة!
فما هي التصريحات الأميركية التي سبقت انعقاد المؤتمر، وأثناء عقده…؟
1 ـ لعلّ في المقدمة، أن أعلنت أميركا أنها ستزوّد أوكرانيا، بالقنابل العنقودية الحارقة والمدمّرة للعنصر البشري، بهدف حسم المعركة لصالح أوكرانيا. إلا أنّ هذا التصريح، واجهته روسيا بتصريح آخر، وهو أنّ ذلك يقود إلى التصعيد الروسي، وسيقابَل بردّ فعل غير مسبوق، فضلاً عن ذلك وانْ كان يؤدي إلى دمار بشري ومادي في أوكرانيا، إلا أنه عديم الجدوى في مواجهة القدرات العسكرية المتقدمة للغاية. ومما قيل في ذلك من تحليلات، إنّ هذه القنابل هي من مخلفات الحرب العالمية الثانية، ولم يجرِ عليها أيّ تعديل، ولذلك سيتمّ تزويد أوكرانيا بها، للتخلص منها، وإلى جوارها يتمّ تجريب أسلحة من هذا النوع. كما أنّ التقارير العسكرية تشير إلى أنّ ما تمتلكه روسيا من قنابل عنقودية، يفوق هذه القنابل الأميركية، عشرة أضعاف، الأمر الذي يؤكد عدم جدوى هذا التزويد والدعم الأميركي لأوكرانيا، بالقنابل العنقودية، والتي ستردّ فعاليتها إلى صدورهم، وفي النهاية لا تخرج عن التصريحات العنترية، والاستعراض (الشو) الإعلامي!
لكن مثل هذا التصريحات عن الرئيس الأميركي ومساعديه، يكشف عن الفشل الأميركي في أوكرانيا حتى الآن، ومعه قادة أوروبا، الذين سيدفعون ثمن هذا التصعيد الذي قد يصل إلى الحرب النووية، وتصبح أوروبا ضحية السياسات الأميركية الفاشلة، وتظلّ أميركا تشعل الحروب وهي بعيدة عن ساحة المعركة، التي ستكتوي بها أوروبا بلا شك! ولا ننسى أنّ وحدة أوروبا مع أميركا في مواجهة روسيا قد تفككت وفشلت، وهناك علاقات خلفية (من وراء الظهر والإعلام) مع روسيا!
2 ـ التصريح الثاني لأميركا، هو تزويد أوكرانيا بطائرات عسكرية من طراز (أف 16) الكاسحة، والقادرة على حمل صواريخ نووية، كما تتمّ الدعاية لها، بل والمدمّرة دماراً واسعاً وشاملاً! وكان التصريح المضاد من روسيا، هو التحذير من هذه الخطوة، التي تحمل تصعيداً، وتدخلاً أميركياً مباشراً، يجعل من الأميركيين أنفسهم هدفاً، لأنهم أصبحوا شركاء في هذه الحرب التي قد تتوسّع لتصبح الحرب العالمية الأولى في القرن الحادي والعشرين، بعد أكثر من مئة عام من الحرب العالمية الأولى في القرن العشرين (1914 – 1919م). كما أنّ التصريح الروسي، نبّه أميركا، أنّ مثل هذه الخطوات العدائية من جانبها، تأكيد للفشل الأميركي الأوروبي في أوكرانيا حتى الآن، ولن يجعل روسيا تتراجع عن استمرار الحرب حتى تحقيق أهداف روسيا بضمّ أوكرانيا، والحيلولة دون ضمّها إلى حلف الناتو نهائياً، لأنّ ذلك من شأنه إلحاق الضرر بالأمن القومي الروسي.
وتأتي هذه التصريحات الأميركية التي لم تترجم إلى واقع تنفيذي على الأرض، لتؤكد الفشل الأميركي الأوروبي، وفي المقابل انتصار روسي حتى الآن، وأن التصريحات هي بمثابة إعلان حرب من جانب الولايات المتحدة وأوروبا، ضدّ روسيا، التي أعلنت على لسان رئيسها (بوتين)، أنه في حالة شعورها بالفشل، فإنّ السلاح النووي سيكون هو الخيار النهائي لتدمير أوروبا وأميركا بالكامل.
إذن نحن في إطار التصريحات والتصريحات المضادة، على أعتـاب الحرب العالمية الأولى في القرن الحـادي والعشرين، إن لم يكن قـد نعيشهـا منذ بداية الحرب في أوكرانيـا في 24 فبراير/ شباط 2022. وتشمل هذه الحرب الأدوات الاقتصادية والسياسية والعسكرية والإعلامية، والحرب النفسية بين الأطراف المتصارعة (الشرق والغرب)، والعالم في مرحلة مخاض وتحوّلات كبرى بلا شك.
وختاماً:، فإنّ روسيا تخوض حرباً شاملة، بالأصالة عن نفسها، وبالوكالة عن الشعوب الحرة التي تتطلع إلى الحرية والاستقلال وإسقاط التبعية للاستعمار الغربي الذي نهبها عبر مئات السنين، وأذلّ شعوبها، وذلك فإنّ غالبية هذه الشعوب، تؤيد وتدعم روسيا في حربها الشرعية ضد الغرب الاستعماري عبر البوابة الأوكرانية، ورئيسها زيلنسكي (الممثل الألعوبة) في يد أميركا وأوروبا، يلعبون به، ويدمّرون الشعب الأوكراني، وعلى حساب حياته ومستقبله. والمؤكد أنّ رئيس أوكرانيا المغيّب والمخدّر، يقوم بدوره في خدمة الاستعمار الغربي، بتمثيل الدور، ومُني بالفشل الذريع، ولن يفيق من غفوته إلا عند دمار شعبه ودولته نهائياً…!
*أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية، جامعة قناة السويس ـ مصر