لا حقّ لأحد إلّا إزاءه واجب…
} حيّان سليم حيدر
“لأن لا ميزان إلّا ميزان العدل، ولا امتياز إلّا امتياز الجدارة، ولا حقّ لأحد إلّا إزاءه واجب، سأكون صريحاً إلى أبعد حدود الصراحة، لأنّ الصراحة إخلاص”.
وتتكسّر المسؤوليات على المسؤوليات…!
مع الانتقال، السلس والمتطور والمتعاظم للبلاد، من حال المُرَوْكِبْ إلى حال المُكَرْبِجْ، تتفاقم المشكلات لتصبح، بسلاسة هي أيضاً، معضلات لتمسي مستحيلات لِـ … فتتحوّل المسؤوليات الوطنية الأساسية التي من شأنها تأمين حسن إدارة مؤسّسات الدولة إلى تعميم نظام الفراغات والاختلالات و… والأمر بات ينسحب على كلّ المواقع التي تصبح، في حدّها الأدنى، في حال تصريف الأعمال، وفي المدى الأقصى، في الفراغ التام أو الشغور أو أيّ من مصطلحات يحلو لخبراء تدوير الزوايا ترويجها.
لا شكّ أنّ الأمر الأول هو رئاسة البلاد، ولكن لا يقلّ أهمية، مع تعاظم الشوائب، في كلّ موقع “مفتاحي” حسّاس، تنفيذي، تشريعي، قضائي، عسكري، أمني، مالي، وغيرها وغيرها كثيراً. وكلّما انتشر الفراغ في جسم الدولة عاموديّاً تفشّى أفقيّاً، وكلّما تفاقم العطل ساد التعطيل.
مع هذا، وبسبب ما قد يترتّب على كلّ شائبة من هذا النوع من مسؤوليات، أصبح هناك مهام يترتّب على المولج تنفيذها، بأيّة صفة كان وكانت، أن يتحمّل مسؤولية حدوثها وتفاقمها وعدم استدراكها والإخلال في معالجتها إلى الوصول بالمطالبة بالتعويض عن الأضرار التي أحدثها وأحدثتها.
هذا إذا ما اعتبرنا أنّ الموضوع محصور برمّته داخل الدولة والبلاد. أمّا إذا أضفنا إلى ذلك ما يمكن أن تلحق بشاغل موقع المسؤولية من عقوبات خارجية وأجنبية، وما أكثرها تلميحاً وتهديداً وتنفيذاً، من مالية وجزائية بوليسية وغيرها، فتتعقّد الأمور إلى أن تصبح “جدّيّة” بالفعل.
وماذا عند هذا الحدّ؟ عند هذا الحدّ يرى صاحب المسؤولية في لبنان سهولة في اللجوء إمّا إلى الاستقالة من منصبه أو إلى الاستعفاء من القيام بمهام معينة وبإهمالها بناءً على منع من الخارج وعقوباته أو مخافة من تحمّل تبعاته وغضب الزعيم أو المتزعّم على الطائفة أو في الحدّ الأدنى الجمهور المتضرِّر المتفرِّج إلخ…
لقد لاحظنا هذا الأمر، مراراً وتكراراً، وهكذا تصرّف بات ينمو في كلّ مجال وظيفي حيوي، دبلوماسي ومالي وإقتصادي وقضائي وعسكري وأمني وغيرها من الميادين.
ولهذا… رأينا أن نذكّر بالحكمة/ القول المأثور المعمول به في عالم المنطق والعدل: Volenti et consentienti non fit injuria
والترجمة الحرفية هي: «لن يلحق الضرر براغبٍ راضٍ مالك إرادته»،
والسبب وراء هذا القول هو أنّ صاحب الأمر قد وافق أنّ يكون للآخر قول في مسار الأمور. هو دفاع مبني على أنّ المُدافع هو موافق مسبقاً على مخاطر الأضرار، ولكي ينجح الدفاع هنا، على المُدافع أن يكون مدركاً بالتمام لكلّ المخاطر التي تحكم هذا العمل بما في ذلك طبيعة هذه المخاطر ومداها. إنّ موافقته هذه يجب أن تكون حرّة وإرادية (أي سيادية، مستقلة).
ولنختصر الطريق إلى المبتغى من هذه الصريحة من طريق وضع القليل من القواعد للتعيين وقبول التعيين في المناصب «المفتاحية» الحسّاسة:
أ ـ لا يجوز الاعتذار أو عدم تنفيذ أيّ مهمّة ترتبط بالأمن الوطني أو بالمصلحة الوطنية من دون سبب وطني سيادي، والحلّ متاح هنا وهو بكلّ بساطة أن يعُتبر المسؤول مستقيلاً حكماً وفوراً من مهامه ومن منصبه وقد يترتّب على ذلك المساءلة والتعويض عن الضرر الحاصل على المصلحة العامة.
ب ـ لا يجوز الاستقالة من مناصب واضحة المكاسب والمسؤوليات تهرّباً من تبعاتها من دون إعادة كامل المنافع المادية التي ترتّبت على الدولة وقد يضاف إليها في حالات معينة التعويض على المتضرّرين، دولة ومواطنين جرّاء ممارسة الوظيفة أو عدمها، على أن يترك للمراجع الصالحة البتّ بهذا الأمر.
Volenti et consentienti بالتكافل والتضامن…
«لأنّ لا ميزان إلّا ميزان العدل، ولا امتياز إلّا امتياز الجدارة، ولا حقّ لأحد إلّا إزاءه واجب»(*)
وأسأل: هل فهمتم عواقب هذا المفهوم؟ وأضيف: أيّ جزء من هذا الكلام لم تفهموه كي أعيد شرحه لكم؟
وهل صدف أن سمعتم عن دولة العدل التي تطبّق مبدأ الثواب والعقاب؟
*من خطاب «الأسئلة الأربعة» لسليم حيدر، 1975