لبنان والكيان واستحقاقات آب
– يدخل لبنان مع أول آب أزمة أكبر وأعمق من أزمة الفراغ الرئاسي، هي شغور منصب حاكم مصرف لبنان في ظل حملة منظمة لدفع سوق الصرف نحو الذعر شارك فيها نواب الحاكم وقد يستقيلون ويمنحونها مصداقية أعلى، ويؤدي أداؤهم إلى مزيد من التدهور والانهيار. ويبدو عدم التأقلم مع مصرف مركزي بدون حاكم أعقد من التأقلم مع دولة بدون رئيس، والسبب واضح وهو أن كل المشهد السياسي هامشي بالقياس للمشهد المالي الذي كان ولا يزال مصرف لبنان غرفة العمليات التي تقوم بإدارته، بما يؤكد أن الدولة العميقة هناك، وليس في رئاسة الجمهورية ولا في مجلس النواب ولا في الحكومة ولا في القضاء والأجهزة الأمنية، فكلهم لهم أدوار تكميلية، لكن الدولة العميقة في مصرف لبنان.
– يدخل كيان الاحتلال مع أول آب عطلة الكنيست، ويفترض أن يُنجز التصويت على التغييرات في النظام القضائي قبل بدء العطلة، وكما في لبنان، يبدو الكيان أمام أزمة نظام وأزمة حكم، وأزمة مجتمع؛ والوحدة الداخلية التي كان يتباهى بها الكيان أمام الانقسامات التي طالما كانت سمة لبنان، لم تعد قائمة، بل إن الانقسام في الكيان يبدو أشد خطورة من الانقسام اللبناني، والسبب واضح، وهو أن في لبنان والكيان ارتدادات تغيير موازين القوى بين لبنان والكيان. فلبنان زاد قوة مع نمو وتصاعد مقدرات المقاومة، وهو صعود لم يتسع النظام السياسي اللبناني للتأقلم معه باحترام عناصر اطمئنانها، وإدراك انتهاء زمن الدولة العميقة، والبحث عن كيفية رد الاعتبار للمؤسسات الدستورية لممارسة السلطة، رغم تواضع المقاومة ورفضها لأي تعديل في صيغ التقاسم الطائفي للسلطة، واكتفائها برئيس يطمئنها، بينما في الكيان عجز عن التأقلم مع نتائج تآكل قوة الردع والعجز عن خوض حروب، وليس صعود التيارات العقائدية المتشددة ومحاولة تغيير النظام القضائي لتسهيل سيطرته على المؤسسات إلا تعبيراً عن حال الإنكار التي يعيشها المتطرفون لحال العجز، وترجمة لعدم التأقلم، لكن مأزق الكيان أن التأقلم يفتح باب التسليم بمعادلات التراجع والاعتراف بمأزق الوجود، في ظل العجز عن تحمل أكلاف الاعتراف بالحقائق الفلسطينية والإقليمية الجديدة.
– الذي يجري في لبنان أن الدولة العميقة تحتضر، وأن المقاومة ضمانة عدم التعرّض للحرب الخارجية والداخلية، وربما تكون مع آب على موعد مع إنجازات جديدة على الحدود، بينما يولد في الكيان من مؤسسات وقوى التطرف بين المستوطنين مشروع دولة عميقة قد تورّطه بحروب داخلية وخارجية تسرّع نهايته.
– أول آب سوف يشهد لبنان محطة فاصلة في سياق تراجع الدولة العميقة ولو بصخب وضجيج وافتعال أزمات، بينما سوف نشهد مستقبل السعي لإنتاج دولة عميقة في الكيان سيكون من نتائجها المزيد من الأزمات والمزيد من الانقسامات.
– فرص التسويات في لبنان متاحة وليست معقدة، أما فرص التسويات في الكيان فبداية استحقاقات أشدّ تعقيداً، بحجم إخراج المتشددين من الحكم أو خروجهم منه. والخروج هنا يكون إلى الشارع نذير انفلات وفوضى وتصدّع، أو حرب أهلية، أو حرب خارجية، أو كلتيهما.
التعليق السياسي