نبوغ المرأة بين شرعية الأديان وجهالة وأد البنات
سارة السهيل
تتمتع المرأة بحظ وافر من الذكاء، خاصة إذا توافرت لها الأجواء المناسبة لتنمية ملكاتها وذكائها، لكن المرأة ووفقاً للطبيعة تولي أسرتها الإهتمام الأكبر بالفطرة والإحساس بالمسؤولية والأمانة، وأيضاً العاطفة التي تجعلها تعطي بلا حدود وبلا مقابل سوى أن تشعر بقدرتها على إسعاد أسرتها وأهلها.
لكن ايضاً الكثير من النساء ممن لم يتجاهلنَ دورهنّ الأسري، كنَّ نابغات في مجالات عديدة كالإدارة وفنون الحكم، كما وجدنا عند الملكة بلقيس ملكة سبأ ولعل حوارها مع وزرائها عندما أرسل اليها نبي الله سليمان برسالة لكي تُسلم، يحمل الكثير من الحنكة او الخبرة السياسية العالية بدءاً من اتّباعها منطق استشارة أعيان مملكتها، كما سجلها لنا القرآن الكريم “قَالَتْ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي فِي أَمْرِي مَا كُنْتُ قَاطِعَةً أَمْرًا حَتَّى تَشْهَدُون”
وكرم الملكات وكرم السيدات ظاهر عليهنَّ، فالمرأة مجبولة على العطاء دوماً، أنا دائماً أقول المرأة الحقيقية لا يمكن أبداً ان تكون بخيلة،
وكانت ملكة سبأ كذلك كريمة كما أوضح القرآن الكريم:
(وَإِنِّي مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِمْ بِهَدِيَّةٍ فَنَاظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ).
الحضور النابغ للنساء لم يغفله التاريخ الإنساني بل حفظه لنا عبر الأجيال لنتعرّف على دور النساء في بناء الحضارات، بل بعض الاختراعات على ايدي النساء لو لم تظهر لحدثت فجوة علمية هائلة في حياتنا المعاصرة.
مخترعة “الأسطرلاب”
مريم الأسطرلابية، وهي عالمة سورية من حلب، كانت في القرن العاشر الميلادي، أول من اخترع “الأسطرلاب” المخصّص لتحديد أماكن الأجرام السماوية ومواعيد الشروق والغروب وبعض الظواهر الكونية.
كانت هناك محاولات بدائية قامت بها عالمة تدعى “حيباتيا “في القرن الرابع الميلادي لصنع “الاسطرلاب” لكن جهودها كانت ضعيفة وبدائية حتى تمكنت مريم السورية من إنتاجه وإفادة البشرية به.
وكان وراء فكرة تأسيس جامعة القرويين كلّ من يد مريم وفاطمة الفهري فخرجت للنور عام 877 ميلادية لتوثيق وتعليم العلوم.
ولنا في التاريخ القديم والحديث والمعاصر نابغات من النساء من مختلف الجنسيات والثقافات، فلدينا عالمة الذرة المصرية سميرة موسى، وهي أول عالمة ذرة مصرية، وأول معيدة فى كلية العلوم بجامعة فؤاد الأول، ونبوية موسى إحدى رائدات العلم في القرن الماضي، وأول صحافية نقابية سعت الى تشجيع الفتيات على الدراسة والعلم وغيرها.
ولكن للأسف فإنّ بعض الموروثات القبلية التي تقيِّد دور المرأة وتحصره في رعاية الأسرة حاضرة بقوة في زمن الألفية الثالثة للميلاد، فكيف القبول بفكرة إهدار النعم التي قد أنعم بها الخالق العظيم على النساء في مجالات الحياة خضوعاً لأفكار وتقاليد بالية، أظنّ ذلك يعادل جريمة وأد البنات في الجاهلية، فوأد العلم والنبوغ العلمي والأدبي والفكري لدى المرأة هو صنوان لوأد المرأة بالجاهلية، وهو الوأد الذي حرمته الشريعة الاسلامية، وكرّست فيه على حرية المرأة في التعلم وممارسة التجارة والصناعة والإبداع الشعري والأدبي.
وكيف لنا القبول بعد (14) أربعة عشر قرناً من الإسلام وتكريسه للمساواة في الحقوق والواجبات بين الرجل والمرأة وفق نصوص الشريعة ان نرجع القهقرى نحو جهالة وأد البنات، وتحطيم أحلامهن وحرمان البشرية من نبوغهن؟
ومواقع “السوشال ميديا” مليئة بالعديد من النماذج التي يهاجم فيها الرجل تفوّق المرأة العربية العلمي او الأدبي، فيدخل على الموقع معلقاً بكلمة واحدة مكانك المطبخ، وبالطبع لست ضدّ دخول المطبخ وإعداد الطعام للأسرة فهذا واجب تؤدّيه المرأة بكلّ حب، ولكن ليس لأجل المطبخ خُلقت المرأة، فقد خُلقت لتنشر الحب والرحمة في القلوب وتربّي أجيال صناديد من الرجال والفرسان، ولن يتحقق لها القيام بهذه الأدوار المهمة دون ان تتسلح بسلاح العلم والثقافة، والتسلّح بالعلم كشف عن نبوغ المرأة والذي قاد أيضا للإختراع وإفادة البشرية…
لنترك لها حرية الاختيار ولا نسلب منها حق العمل والعمل والتفوّق والتحقق وإثبات الذات دون فرض ان تكون جليسة بيتها تنظّف وتطهو… ومن تختار الطهي والتنظيف فهنيئاً لها دون جبر او إجبار، المهم ان يترك لها حرية الاختيار في الأدوار التي تحب ان تقوم بها في رحلة حياتها.