«نشجب ونستنكر»…!
} جمال بن ماجد الكندي
عبارتان نسمعهما دائماً في مقررات الجامعة العربية، عندما كان الاحتلال الإسرائيلي يوغل في عدوانه على الشعب العربي في فلسطين ولبنان وسورية، ويقتل الأطفال والشيوخ ويدمّر كلّ شيء ينبض بالحياة، خاصة في غزة الصامدة، فكنا نحن العرب لا نملك إلا هاتين الكلمتين «نشجب ونستنكر»، لأننا نعلم أنّ وراء هذه الدولة العنصرية كياناً عالمياً يدافع عن هذا المجرم مهما تجاوز في إجرامه، فكان لا بد من استبدالهما بفعل على الأرض يردع هذا الإجرام الصهيوني، فكانت معادلة الردع العسكري في فلسطين ولبنان، حيث أسّستها قوى المقاومة الوطنية ونتائجها ظهرت في ساحات القتال يذكرها العدو الصهيوني ويدركها جيداً قبل غيره.
هذه النظرية العسكرية بُنيت بسواعد رجال المقاومة الفلسطينية واللبنانية ضد غطرسة الكيان الصهيوني، وأصبح للسياسيين أدبياتهم المعروفة ومنها «نشجب ونستنكر»، ولرجال الميدان أفعالهم التي تجبر الإسرائيلي على التفكير ألف مرة قبل الإقدام على أيّ عمل إجرامي ضدّ الشعب الفلسطيني أو اللبناني، وإذا فعل ذلك يقدم الوساطات للتهدئة كما هو حاصل في غزة.
«نشجب ونستنكر» نسمعها اليوم مجتمعة من دول عربية وإسلامية إزاء فعل عنصري إجرامي متطرف من لاجئ عراقي الأصل في السويد قام بتدنيس المصحف الشريف لمرتين، وأهان أقدس المقدسات لأكثر من مليار مسلم في العالم، وعندما تكررت كلمة «نشجب ونستنكر» فقط أقدم متطرف آخر من الدنمارك على القيام بنفس العمل، فكيف لنا أن نستبدل شعارنا «نشجب ونستنكر» كلما دنس دستور المسلمين، كما فعلنا مع الكيان الصهيوني، والذي أسّس لقاعدة في العقل العسكري الإسرائيلي مفادها أنّ الإجرام لا يقابله إلا الردّ، والردّ مهما كان حجمه فهو يؤلم الإسرائيلي.
من هنا نقول بأنّ التحرك في إجرام من يحتضن المتطرفين والعنصريين اتجاه القران الكريم لا بدّ أن يكون ردّه بالأفعال وليس بالكلام فقط، فمثل هذه العبارات تعبت ألسنتنا من التحدث بها، وتعوّد من يفعل هذه الأفعال أن تكون ردودنا «نشجب ونستنكر» كما كان في الماضي مع الكيان الصهيوني، وكلّ ميدان له أدواته، فأدوات عدوان الكيان الصهيوني قوبلت بالقوة ونفعت في تأسيس قاعدة الردع العسكري، وفي قضية تدنيس المصحف الشريف لا بدّ من تأسيس قاعدة يجتمع عليها كلّ المسلمين، كما يفعل الغرب تجاه أيّ شخص يتحدث بسوء إزاء ما حدث لليهود إبان الحرب العالمية الثانية، ويشكك في أعداد من قتلتهم ألمانيا النازية في تلك الحقبة وتتمّ محاكمته ووصفه بأنه معاد للسامية، ولا يقال له أبداً بأنه يمارس حرية كلمة يقدّسها الغرب.
نحن العرب والمسلمين نملك من المقومات التي نتجاوز بها كلمات الإدانة والاستنكار في أيّ فعل ضد قيمنا الدينية وفي مقدّمتها القرآن الكريم ونبينا محمد، فهناك سلاح الاقتصاد والعلاقات السياسية وغيرها، تؤلم من يجرؤ على التعدي على مقدساتنا الإسلامية، وعندنا دول إسلامية ذات ثقل إقليمي وعالمي تستطيع التأثير في حجم الردّ على من يحتضن من يهين القرآن الكريم، وكلما كان العقاب مؤثراً وفعالاً سيفكر ألف مرة من أقدم على حماية من قام بهذا الفعل بتكرار ذلك، والإجراءات الدبلوماسية والاقتصادية والسياسية كثيرة، وهي التي لا بدّ أن نستبدلها بدل كلمتي «نشجب ونستنكر» فقط كما فعل رجال المقاومة مع العدو الصهيوني.
هنالك استبدلت كلمة «نشجب ونستنكر» بالسلاح، وأمام فعل من دنس القرآن الكريم دستور المسلمين نستبدل هذه الكلمة بفعل مؤثر على الأرض ميدانه الاقتصاد والسياسة، ولو كان تأثيره بسيط فهو سيبلور في الفكر الغربي مسألة اتفاق جميع المسلمين على أنّ مقدساتهم خط أحمر، وما نفعله اليوم سيؤثر في المستقبل خاصة عندما تتفق جميع الدول الإسلامية بفعل سياسي اقتصادي واحد يكون مؤثراً، ويبني قاعدة جديدة في التعامل مع الغرب الذي يأوي مثل هؤلاء المتطرفين ويدعمهم تحت دعوى حماية حرية الكلمة، بأن الردّ ليس كلاماً فقط ولكن يتبعه فعل على الأرض.
القرآن الكريم مرجعية للمسلمين على وجه هذه البسيطة بكلّ تنوعاتهم السياسية والطائفية، من هنا لا بدّ أن يأتي الردّ مجتمعاً بقرار واحد عبر المؤتمر الإسلامي بإجماع الدول المنضوية تحت هذا التجمع، يؤسّس لقاعدة عدم المساس بقيمنا الدينية تثبت في العقل الغربي، وتساوي معادلة الردع العسكري عند الكيان الصهيوني، وتبقى كلمة «نشجب ونستنكر» ولكن تغلف بقرارات سياسية واقتصادية يدرك فيها من يسمح لهؤلاء المتطرفين في السويد والدنمارك وغيرها من الدول أنمّ لدستور المسلمين رجالاً يدافعون عنه وهو خط أحمر لا يمكن تجاوزه والعبث به بداعي حرية الكلمة.
بهذا فقط يتمّ احترام مقدستنا بفعل ما نقوم به تجاه كلّ من يستهين بالقرآن الكريم ونبينا الأكرم محمد، وقوتنا في ذلك وحدة قرارنا السياسي والاقتصادي تجاه هذا الفعل المشين.