أميركا واستراتيجية دمج الملفات… لبنان ليس أولوية
} خضر رسلان
تختلف المصالح وتعريفها بين القوى والعناصر سواء منها صاحبة النفوذ أو من هم مستفيدون منها، كلّ من حيث الأهداف والمباني التي يبتغي تحقيقها. ومن هذا المنطلق فإنّ المصالح في النهج الأميركي وتعريف المصلحة الخاصة بها، بغضّ النظر عن الجالس الموجود في البيت الأبيض يختلف من منظور الولايات المتحدة الأميركية منه في بقية العالم الملحق بها؛ سواء منها حكومات او أحزاب شخصيات، ففي حين يظهر بوضوح أنّ المصالح الأميركية رسمتها الدولة العميقة فيها وأبرز أجنحتها من رأسماليين وأباطرة السلاح والطاقة، نرى في المقلب الآخر انّ تعريف المصالح مختلف كلياً، وخصوصاً في البلاد العربية ومنها بالطبع لبنان، حيث الطابع الفردي هو الحاكم وضمان الاستمرارية في الحكم والسلطة هي الغاية لدى أغلب المتقلدين لأزمة السلطة.
المصالح التقليدية في الشرق المتوسط المعمول بها منذ أواسط القرن الماضي لدى الولايات المتحدة الأميركية يمكن تلخيصها بعنصرين:
1 ـ الحرص على عدم سيطرة أيّ دولة على النفط، والهيمنة على مصادره، وضمان استمرار تدفقه.
2 ـ حماية «إسرائيل» كحليف استراتيجي وضمان درء أيّ خطر قد يهدّد وجودها.
من هنا فإنّ انتصار الثورة الإسلامية في إيران عام 1979 أعاق تنفيذ الخطط التي اشتغل عليها الأميركيون لإيجاد بيئة آمنة للكيان الإسرائيلي في المنطقة؛ سواء من خلال أنظمة تابعة لها أو بعد توقيع اتفاقية كامب ديفيد التي من أولى أهدافها ترسيخ شرعية الكيان الصهيوني ومن ثم العمل على تطبيع الوجود الإسرائيلي مع محيطه واعتباره نسيجاً طبيعياً ضمن شعوب ودول المنطقة.
الخلل الذي أصاب الاستراتيجية الأميركية في الشرق الأوسط نتيجة لانتصار الثورة الإسلامية والذي تعزز مع انهيار صورة الجيش الإسرائيلي الذي كان يوصف بأنه لا يُقهر، حيث استطاعت المقاومة في لبنان هزيمته ومن ثم بناء قوة ردع حاسمة اتجاهه جعلها تتجه الى صياغة سياسات جديدة أنتجت حروباً ناعمة وعقوبات أحادية أصابت دولاً عديدة ومنها لبنان الى مشاريع دموية بدءاً من غزو أفغانستان ومن ثم العراق الى محاولة إسقاط سورية بعد دعمها وتبنيها للخليط التكفيري الذي كان يُراد منه إلغاء الكيانات ورسم صورة جديدة في المنطقة التي رغم كلّ الإمكانيات الهائلة التي سخرت أتت نتائجها عكسية ولغير مصلحة الولايات المتحدة التي وجدت نفسها أمام محور اشتدّ عوده وقويت شكيمته بدءاً من إيران مروراً بالعراق وسورية ولبنان وفلسطين، مع تطور تراكمي كان في صعود القوة اليمنية المقاومة التي تتمتع في موقع جيوسياسي مميز زاد من هواجس القلق الأميركي لا سيما في الممرات المائية ومنها باب المندب.
لقد كان لانحسار الدور الوظيفي للكيان الصهيوني وتراكم قوة المحور المناوئ له عامل قلق مضاف الى ما تتوجّسه أميركا من تهديد لأحاديتها القطبية وهو المتأتي من قبل الصين وروسيا. وهذا ما حدا بالولايات المتحدة خاصة عقب حرب أوكرانيا الى وضع خطط بديلة تقوم على الإبقاء على الوضع الراهن في المناطق التي تشهد عدم استقرار سياسي، ومنع أيّ تقدم او تسويات سياسية وذلك انتظاراً الى حسم مستقبل الهيمنة الأميركية على العالم على ضوء العلاقة مع روسيا والصين.
بناء عليه وفي ظلّ استمرار الإدارات الأميركية المتعاقبة على أولوية تأمين المصالح الأميركية على ما عداها يتقدّم السؤال التالي وخصوصاً من قبل الشعب اللبناني:
ماذا يمكن أن ننتظر من أميركا؟
بالنظر الى الاستراتيجية الأميركية التي تعمل على إبقاء كلّ الملفات عالقة بانتظار ما ستؤول إليه الأمور في أوكرانيا وبعدما تمّ إنجاز ما تريده من لبنان انْ كان على صعيد ترسيم الحدود البحرية مع فلسطين المحتلة ومع استبعاد وقوع ايّ حرب بين لبنان والكيان الغاصب المردوع، وهذان المطلبان جلّ ما تسعى إليه الإدارة الأميركية في الوقت الحالي مع إبقاء سيف العقوبات والحصار مسلطاً على الشعب اللبناني، وبالتالي فإنه لا أولوية لدى الأميركيين في إنجاز ايّ استحقاق داخلي سواء كان ذلك انتخابات رئاسية او سواها من ملفات رغم ما يشهده لبنان من وفود ولقاءات خماسية ستبقى تدور في حلقات مفرغة لا تسمن ولا تغني لأنها كلها تعمل تحت السقف الأميركي الذي لا يبدو لبنان على سلّم أولوياته واهتماماته في الوقت الحالي.
وبناء على تقدّم وحيث انّ الشعب اللبناني بجميع أطيافه ومكوناته هو الذي يكتوي بالأزمات الاقتصادية والاجتماعية دون ايّ اكتراث من الخارج الذي يدفع بعضه باتجاه زيادة الكوارث الاجتماعية نتيجة لإصراره على دمج النازحين السوريين في المجتمع اللبناني فإنّ ذلك يدعو المسؤولين اللبنانيين إلى الصحوة السريعة من هذا السبات والآمال البعيدة والسراب الذي يمكن ان يأتي من الخارج، والاتجاه الى حوار داخلي يراعي الهواجس التي يتشارك بها معظم اللبنانيين وسيكتشفون انّ قواسمهم المشتركة الكثيرة تجمع أكثر مما تفرق.