جنرال الإعلام المقاوم
} شوقي عواضة
ثلاثة عقود من الزّمن وهو ابن الثّغور التي عايشها مع المقاومين منذ العام 1992 تعرفه حدود لبنان وفلسطين التي تشهد لصولاته وجولاته وصورته لا تغادر ذاكرة جنود العدوّ أينما كانوا وهو المدجّج بسلاحه الإعلامي من كاميرا وقلم… وبعينه التي لم تكن تغفو على خرقٍ للعدوّ هنا واعتداء هناك. في كلّ معركةٍ كان له حضور وبصمةٌ وأثر وهو العابر المتخم بالجراح التي لم تثنِه عن استكمال المسيرة من جنوب لبنان إلى الجرود والسّلسلة الشّرقيّة والقلمون وحلب وحماه وحمص وتدمر والبادية السّورية… إنّه جنرال الإعلام الميدانيّ الإعلاميّ علي شعيب ابن بلدة الشّرقية في جنوب لبنان حاضنة المقاومة منذ انطلاقتها وحصنها في زمن عزّ فيه النّصير.
محطاتٌ كثيرةٌ شكّلت مسيرة الجنرال الإعلامي منذ العام 1992 حيث كان يرصد الاعتداءات اليوميّة على القرى المتاخمة للشّريط الحدوديّ الذي أوجده الاحتلال وجيش العميل لحد، لم ترهب الزّميل علي شعيب تهديدات العدوّ ورسائله التّحذيريّة من الإصرار على المضيّ في كشف همجيّة الاحتلال وعدوانيّته على المدنيين رغم عدم توفّر كلّ الإمكانات والوسائل التي تسهّل عليه المهمّات، ومع ذلك بقي ثابتاً ومقداماً ماضياً في إيصال رسالته الإعلاميّة المقاومة ومشاركاً في هزيمة (الجيش الذي لا يُقهر) بالصّوت والصّورة مواكباً الهزائم المتراكمة للعدوّ ومتقنّاً فنّ شنّ الحرب الإعلاميّة النّفسيّة التي كانت جزءاً أساسيّاً من المواجهة مع العدوّ وعملائه طيلة سنوات المواجهة.
ففي عدوان عام 1993 لم تمنع غزارة النّيران والصّواريخ ولا طائرات «أف 16» جنرال الإعلام الميدانيّ علي شعيب من التّنقّل بين دساكر الجنوب وقراه المستهدفة مؤدّياً مهمّته على أكمل وجه. كان لبنان بأسره ينتظر رسالة علي شعيب خلال العدوان فيطلّ من بين الأنقاض على شاشة «المنار» رافعاً راية العزّة والإباء ناسفاً كلّ ادّعاءات العدوّ وعملائه وكاشفاً أساليب إعلامه في التّضليل والترويج لنصرٍ وهميّ. لم ترهقه سنوات المواجهة مع العدوّ وفي كلّ مواجهةٍ كان يزداد إصراراً وإقداماً على المضيّ في الميادين مع مجاهدي المقاومة نحو هزيمة العدوّ من عناقيد الغضب عام 1996، إلى تغطية عمليّة تحرير الجنوب واندحار جيش العدوّ الاسرائيليّ وعملائه عام 2000 كانت عدسة الجنرال الإعلامي حاضرةً إلى جنب البندقية تمعن في هزيمة الكيان الصّهيوني وبيئته وكشف هشاشته وضعف منظومته الأمنيّة والعسكريّة والاستخباريّة.
كلّ ذلك جسّده الإعلاميّ شعيب بالصّوت والصّورة وواقعة مواجهته للعدوّ في موقع العباد عام 2000 بعد ترسيم «الخطّ الأزرق» شاهدة على ذلك المشهد الذي تكرّر كثيراً في مسيرة الزّميل علي شعيب عزّز من ثقافة مواجهة العدوّ ورسّخها بالصّوت والصّورة إلى مشهدٍ أظهر وهن العدوّ وتراجعه رغم كلّ ما يمتلكه من إمكاناتٍ متطوّرةٍ من أسلحةٍ ووسائل إعلام ألحق بها الهزيمة الجنرال شعيب على مدى امتداد ساحات المواجهة، وما مواجهة العديسة بين الجيش اللّبناني وجيش الاحتلال (2010) التي أصيب بها إصابةً بالغةً في قدمه إلّا واحدة من محطات الجنرال المهنيّة التي شكّلت حكايات بطولة حفرت في ذاكرة الجنوبيّين الذين يتناقلون بعضها.
أمّا ما خفيَ فهناك الكثير الكثير. فالجنوبيّون لم ينسوا وقفة الزّميل شعيب مواجهاً بعدسته العدوّ على بعد مترين من جنود العدوّ الاسرائيليّ في بلدة رميش الحدوديّة وغيرها من المواقف البطوليّة التي لم يكن يسعى من خلالها لإنجاز سبقٍ صحافيٍّ أو تحقيق شهرةٍ بل كان همّه الأساسيّ إظهار حقيقة واحدة تقول بأنّ الجيش الذي لا يُهزم قد هُزم ليحوّل تلك المشاهد إلى أدوات حربٍ نفسيّةٍ أثّرت في صنع الهزيمة النّفسيّة للعدوّ الإسرائيليّ حتى في حرب تموز 2006 حيث لم يغب شعيب ورفاقه من المراسلين عن أيّ حدثٍ ضمن إطار تغطيته في «القطاع الشرقي» حيث المواجهات الأشدّ والأصعب كان يجسد صور الحياة المتعدّدة مبشّراً بالنّصر الآتي ومواكباً إعلام العدوّ وعاملاً على دحضه بالحقائق الميدانيّة.
في تلك الحرب وتحديداً فجر إعلان وقف إطلاق النّار انطلقت مع الزميل محمد بلوط نحو مارون الراس التي شهدت مواجهاتٍ عنيفةً بين المقاومة وجيش العدوّ الاسرائيليّ الذين تحصّنوا ببعض المنازل ولم يتجرّأوا على الخروج منها وكنت أظنّ أنّنا سنكون أوّل الواصلين إلى مارون الراس لكن الزّميل شعيب كان قد سبق الجميع إلى الحدث متقدّماً كعادته مسابقاً الحدث كان يقف وبيده كاميرته على مدخل مارون الراس الذي أقفله العدو بساترٍ كبيرٍ من التراب الذي لم يمنع شعيب الذي سبقنا في الدخول إليها رغم وجود جنود الاحتلال داخلها متحصّنين ببعض المنازل التي اخترقتها عدسة الجنرال علي شعيب وأظهرت مدى الرّعب الذي يعيشه جنود الاحتلال الذين لم يجرؤوا على الخروج من جحورهم.
أنجز مهمّته بكلّ نجاح سلّم علينا ومضى باحثاً عن هدفٍ آخر للعدوّ الذي أصبح يشكّل له حضور شعيب قلقاً ورعباً لا سيّما في الفترة الأخيرة في تلال كفر شوبا حيث أصيب الزّميل شعيب بيده إصابة لم تمنعه من توجيه عدسته لتصوير مقطع فيديو مدّة 27 ثانية شغلت القيادات السّياسيّة والعسكريّة ووسائل إعلام العدوّ حيث ظهر فيه رئيس أركان الجيش الاسرائيليّ هرتسي هاليفي وقائد المنطقة الشّماليّة أوري غوردين وقائد فرقة الجليل وقائد اللواء الشّرقي، خلال جولةٍ حدوديّةٍ على موقع العباد على الحدود بين لبنان وفلسطين، مشهد قصير علّق عليه مراسل القناة 12 شاي ليفي، على تويتر قائلاً: «معظم مشاكل الجيش الاسرائيلي تظهر في فيديو واحد». أمّا مراسل القناة 14 نوعم أمير فقد كتب: «كان من الممكن أن تكون هذه ضربة افتتاحيّة قاتلة للغاية ليعبّر آخر عن مدى الهزيمة النّفسيّة التي تركها الفيديو قائلاً: «لو كان يقابلهم قنّاص من حزب الله، لكان من الممكن أن ينتهي الأمر بكارثة» هكذا اعترف الصّهاينة بأنّ عدسة علي شعيب لا تقلّ خطورةً عن القناصة والبندقية وإنّ مراسل قناة «المنار» وإذاعة «النّور» ليس إعلاميّاً عاديّاً بل هو إعلاميّ مقاتل نجح في كشف وهن العدوّ وضعفه وترك في عالم الإعلام الميدانيّ والحربيّ بصمات وإنجازاتٍ كبيرةً في الحرب الإعلاميّة والنّفسيّة فاستحقّ علي شعيب بامتياز أن يكون جنرال الإعلام المقاوم.