«إسرائيل» ومرحلة المعركة الوجودية…
} رنا العفيف
نظراً لهذا العنوان البارز الذي يحمل قراءة تحليليّة عميقة، وبشهادة مُتابع دقيق ليوميات الأزمة الداخلية لـ «إسرائيل»، وتفكّك المؤسّسات الأمنية والعسكرية، حيال صراع سياسي غير مسبوق في الداخل الإسرائيلي وتفتّت يُهدّد المؤسّستين الأمنية والعسكرية، هل فعلاً دخلت «إسرائيل» مرحلة الخطر الوجودي في أعلى تجلّياتها دون الترميم؟ وماذا عن مضمون جاهزية المقاومة للرد ّعلى أيّ اعتداء أو خرق «إسرائيلي» لسيادة لبنان في توقيت منحى الصراع في ظلّ أزمة «إسرائيل»؟
أزمة وجودية تُهدّد «إسرائيل» بتصريحات حادّة من المسؤولين والخبراء، لا سيّما المنابر الإعلامية أيضاً التي تتنبّأ حالة الإسرائيلي السوداوية، إذ رئيس الموساد السابق تامير باردو يتّهم المُصوّتين لمصلحة «قانون تقليص حجّة المعقولية لتمزيق الشعب»، بينما زعيم المعارضة يائير لابيد يصف ما جرى بـ «بداية نهاية الديمقراطية» وبأنه «يوم حزين من التفكّك»، وأيضاً بيني غانتس يعترف بانقسام حادّ يمسّ «إسرائيل» وأمنها وخراب الهيكل الثالث»، ووسائل إعلام إسرائيلية تصف نتنياهو بـ «الكذّاب الذي لا تهمّه حقوق أهلية ولا خطر القضاء على الهيكل الثالث»، بالإضافة إلى ما شهد به المجتمع الإسرائيلي بفقدان الديمقراطية مقابل مرحلة الانهيار بعد تفتّت المجتمع، والأهمّ واللافت في هذه المشهدية، تفتّت المؤسّسة العسكرية وصولاً إلى الحرب الداخلية…
هنا يطيب لنا التذكير بما قاله بالأمس سماحة الأمين العام لحزب الله السيّد حسن نصر الله، إذ قال إنها أصعب لحظة يمرّ بها الكيان كانت يوم أمس، وهذه بشهادة مُتابع دقيق ليوميّات «إسرائيل» مع لفت الانتباه للّحظة التي تعيشها «إسرائيل» مع الترصّد المُدعم بالصّمت، ما يعني أنّ حالة الخطر الوجودي تُتابع بدقّة وترصّد مُرتبط بمصير «إسرائيل» القائم بالعدّ التنازلي، إذ تشي بأنه مرّ بثلاث جولات تحويلية مُتحكّمة بتركيبته من خلال الأحزاب الدينية المُتطرّفة، إذ تفرض على رئيس الوزراء قراره عِلماً أنّ حاييم هرتسوغ كان قد زار الولايات المتحدة والتقى بايدن وطلب منه أن يُبادر للاتّصال بنتنياهو.
وطبعاً هذا الاتصال طال انتظاره بعد تشكيل الحكومة، مقابل وعد نتنياهو لبايدن بعدم تمرير القرار في الكنيست، لكن نتنياهو فعلها وفضّل أدبيات المصلحة الشخصية التي تربطه مع المتطرفين وكلاهما مرتبط بمصيره السياسي، بمعنى سياسي واضح إذا سقطت حكومته سيصبح مُطارداً من العدالة بملفات تتعلّق بالفساد وما يليه من تبعات.
واستناداً لهذا تمّ الأخذ بعين الاعتبار التحوّلات التي دكت إسفين «إسرائيل» بالانقسام ودخولها مرحلة الانهيار، وبحسب وسائل الإعلام الإسرائيلي أنّ نتنياهو لم يأبه لتحذير المؤسّستين الأمنية والعسكرية وأدخل «إسرائيل» بفوضى غير مسبوقة مع ضرر أكبر، ما يعني أنّ «إسرائيل» في مرمى هدف الانهيار، وقد تؤدّي إلى حرب داخلية، وبالتالي فإنّ تفتّت «إسرائيل»، والأهمّ تفتّت المؤسّسة العسكرية وصولاً إلى الحرب الداخلية تكون بأدوات «إسرائيلية»، وكذا في مُستهلّ تنفيذ المئات تهديدهم بعدم الالتحاق بالاحتياط، ورئيس الوزراء السابق إيهود أولمرت الداعي إلى العنف يرى تهديداً جدّياً، مؤكّداً على أنّ «إسرائيل» تتّجه نحو حرب داخلية…
وفي السياق نرى أنّ مشهدية الخطر المُحدق بـ «إسرائيل» بدءاً من التصريحات ومنابر وسائل الإعلام «الإسرائيلية»، نلاحظ بأنّ «إسرائيل» مُحاصرة وتعيش أزمة حقيقية تُبرز حجم الانقسام الذي تعيشه دون المبالغة، وذلك بُني على ما تمّ داخل الكنيست عندما تحدّث معارضون عمّا قدّموه من التحفّظ الذي ضمّ أربعين تحفّظاً على قانون المعقولية، وكذا مؤشّر وزير الأمن وهو يُحدّث وزير العدل ويقول له أعطِهم أي شيء.
هذا يدلّ على حقيقة الأزمة الداخلية «الإسرائيلية» وما هنالك من تصريحات لاذعة من لابيد وغانتس وكثير من النخبة الإسرائيلية، لذلك نرى أنّ هناك أزمة حقيقية واقعية تشي بخطر وجودي مُزدوج أيّ السقوط والانهيار، نتيجة التركيبة الجديدة التي أدّت إلى شرخ بأعلى تجلّياته في حالة الانقسام والتفتيت بكلّ مكوناتها المختلفة إن صحّ التعبير.
وإذا أردنا التدقيق أكثر في التحليل نجد أنّ حالة الثبات الداخلي نُسفت من خلال العنصر الأساسي التي تنظر إليه «إسرائيل» بعين الأمان ألا وهو المؤسّسة العسكرية التي تُعتبر مؤسّسة قويّة بنظر البعض، عمليّاً كلّ يوم تتسارع وتيرة السقوط من خلال طرح أولمرت بما يُمثّله عن قناعة أميركية ومع إمكانية العودة إلى الوراء، ما يشي بأنّ كلّ العوامل بمكوّناتها تدفع إلى المواجهة على الأرض، وهنا الحديث والتركيز على خلل أصاب أُسُس الأمن القومي، ما يُترجم إلى أنّ «إسرائيل» أمام شرخ عميق غير قابل للترميم وهو في طريقه إلى حافة الهاوية…
أيضاً في خضمّ هذه الأزمة نشرت وسائل إعلام «إسرائيلية» فيديو لعناصر حزب الله في لبنان يتنقّلون في وحدات الشريط على الخط الأزرق الفاصل بين لبنان وفلسطين المحتلة، يفضي تحرّكاً لعناصر من حزب الرب تجري بثقة، إذا أردنا وباختصار أن نحاكي تصوّر هذا الشريط وما يحمله من مضمون على وقع مشهد الصراع والاحتكاك على الحدود الشمالية لفلسطين المحتلة أو جنوب لبنان، دون أن نرى أيّ رتل عسكري لـ «إسرائيل» موجود خلف الشريط، يدُلّ على تثبيت معادلة الردع الجديدة، ربّما على اعتبار أنّ حزب الله لم يُصدر أيّ تعليق أو بيان عمّا ورد في الشريط، وبالتالي تكون الرسالة ذات بُعد عسكري تتجلّى وتتجسّد بقدرة الجاهزية للمقاومة بكامل قوّتها، لا سيّما أنّ معهم كامل الصلاحية بالتصرّف للردّ على أيّ اعتداء أو خرق لنقُل «إسرائيلي» يمسّ سيادة لبنان، وتحديداً في ظلّ توقيت منحى الصراع في ظل أزمة «إسرائيل».
وبالتالي يكون محتوى الشريط واضح المعالم ربّما مفاده أنّ هناك عنصراً جديداً دخل قواعد الاشتباك، كما لعنصر آخر يحمل مفاجآت من خلال الصّمت الذي يحكم مشهد الميدان في الجنوب، لتبقى الرسائل ذات الطابع العسكري مختلفة تماماً في تصويب الدقّة التحليلية ضمن أطر حجم التحدّي الذي ينطلق من لبنان، مُبيّناً حالة الترقّب المتواصلة لأزمة «إسرائيل» الداخلية المُلتهبة، وربّما لها صلة بواقع فلسطين وبديهيات عسكرية أخرى تُحاكي الواقع المُلتهب على جبهات عدّة، خاصة إذا كان حزب الله يتقصد أن يرى ردّ الفعل الإسرائيلي وهو في ذروة أزمته الداخلية التي ضربت عُمق المؤسّسات الأمنية والعسكرية وما تُعانيه من منظور عينة في القرار الأمني أو العسكري، بعيداً عن الاستفزاز طبعاً حزب الله لديه الكثير من الأدوات أو الأساليب لاستفزاز «إسرائيل»، ورأينا الخِيم وإطلاق الصواريخ باتّجاه فلسطين المحتلة، والمناورة الأخيرة ماذا فعلت بالإسرائيلي، ولكن في العموم ربما أراد حزب الله قراءة ردّ الفعل الإسرائيلي تزامناً مع ارتفاع منسوب معادلة الردع في لحظة نبذ القرار العسكري لـ «إسرائيل» الذي يُعاني من حدّة في الصراع القابل للانفجار في أيّ لحظة…