خطوط اختبار وخطوط اشتباك في كلمة السيد؟
ناصر قنديل
– في كلمة الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله في ختام إحياء أيام عاشوراء، حضور واضح لرسائل واضحة في مواجهة تحديات دولية وإقليمية، تتصل بملفات ساخنة قرّر السيد أنها جزء من مسؤوليّته بما هو أبعد من إعلان الموقف كما جرت العادة، بل إعلان القرار بقيادة المعركة، بكل تبعاتها وتداعياتها وما ترتّبه من مسؤوليات. وإذا كان الجزء الخاص بملف الحدود الجنوبية يمثل تعبيراً عن التزام مبدئي ثابت للمقاومة التي يمثل السيد نصرالله رمزها القياديّ الأول في لبنان والمنطقة، ومن الطبيعي والمنطقي أن يرسم بلسان المقاومة معادلات التعامل معها، فإن الجديد هو انتقال السيد نصرالله في قضايا كان يحصر مشاركته في التصدّي لها في ميدان الشرح والتحليل، والاكتفاء بإعلان الموقف باعتبارها قضايا سياسية وليست قضايا ثقافية فقط. والعنوانان الجديدان على هذا الصعيد هما، الحملة التي تستهدف القرآن في دول غربية تحت شعار حرية التعبير، والترويج الآخذ في التوسّع والتعاظم لظاهرة الجندرة وتحت هذا العنوان الترويج للشذوذ الجنسي، كما حرص على تسميته، والذي يسمّيه الغرب بالمثلية، وتشريع ظهور طائفة جديدة في المجتمع تحت هذا العنوان.
– في الشأن الحدوديّ وجّه السيد نصرالله تحذيراً شديد اللهجة لكيان الاحتلال من ارتكاب أي حماقة، أو خطأ في الحساب بالتوهم أن عملاً عسكرياً مهما كان صغيراً أو محدوداً تحت شعار نزع خيمة المقاومة في مزارع شبعا، يمكن أن يمرّ بصيغة محدودة، أو ما يسميه جيش الاحتلال بالأيام القتالية، لأن الأمور لن تكون كذلك وكل مواجهة مفتوحة على كل الاحتمالات. وهذا التحذير تعبير عن مواكبة لدى قيادة المقاومة للنقاشات التي تجري داخل كيان الاحتلال على إيقاع الانقسام وحرب الاستنزاف في الضفة الغربية، والنصائح التي يتلقاها المستوى السياسي والعسكري في الكيان للقيام بعمل عسكري محدود على حدود لبنان، يردّ الاعتبار للحديث عن استعادة قدرة الردع ويعيد ترميم الداخل، ويكون رسالة قوية للضفة الغربية ومقاومتها. والسيد نصرالله يريد من رسالته أن تلعب الدور المعاكس، في إثبات تراجع قدرة الردع لدى الكيان، وتعزيز صمود الضفة الغربية، والاستثمار على تنمية الانقسام والتآكل داخل الكيان.
– في قضية الدفاع عن القرآن، يحسم السيد نصرالله الطابع السياسي للمعركة مع الغرب تحت هذا العنوان، بالرغم من تمسّكه بالبعد الثقافي والعقائدي لهذه المعركة، والتأكيد على أن الجانب السياسي آت من تلاعب الغرب بعنوان حرية التعبير الذي يتخذه ستاراً لمواصلة رعاية عمليات الاعتداء على القرآن، وبالتوازي اعتبار كل نقاش، ولو من باب البحث العلمي، لنظرية المحرقة اليهودية، موضوع ملاحقة باعتبارها انخراطاً في العداء للسامية، التي لا تشملها مظلة حرية التعبير. ويتأكد الجانب السياسي من الإصرار على مواصلة تقديم الرعاية الحكومية لهذا الاعتداء رغم التحقق من حجم الأزمات والتوترات التي يثيرها، ما يعني وجود استراتيجية سياسية وراء هذه الاعتداءات، وهي استراتيجية تستهدف أحد أمرين، حدها الأدنى اختبار قدرة المقاومة والممانعة لدى العالم الإسلامي من أعلى مراتب التحدي التي يمثلها الاعتداء على القرآن بما يمثل من قدسية، وما يعنيه الخمول والتكاسل في الدفاع عنه إعلان التساهل في قضايا شديدة الخطورة تندرج تحت عنوان القدسية، وتتصل بالسياسة والأمن، مثل الاعتداء على المسجد الأقصى، وهذه الاستراتيجية في نهاية المطاف تخدم الحد الأعلى الذي يلتقي عليه الغرب كمشروع جديد لإعادة تشكيل العالم، انطلاقاً من منظومة قيم يشكل تحطيم خطوط الدفاع الثقافية التي تمثلها القيم الدينية شرطاً لتعميمها، والأصل فيها الفرد الاستهلاكي الفاقد للهوية والمتحلل من الايمان بالقضايا، وهو النموذج الذي تمّ اختباره في الدول الاسكندينافية، السويد والدانمارك وفنلندا، وحوّله الأميركيون الى نموذجهم العالمي الجديد، وتخاض معركة إخضاع أوروبا الكاثوليكية للاندماج معه تحت شعار الحرية، والمزيد من الحرية، وتشكل المعركة مع روسيا والكنيسة الأرثوذكسية أحد محاور الدفع به الى الأمام.
– من هذه الزاوية نفسها تناول السيد نصرالله قضية الجندرة، فالقضية ليست وجود مثليين أو شاذين في المجتمع، وهو أمر عمره من عمر البشرية، بل قضية وجود مشروع يريد تحويل الشذوذ إلى نموذج للمجتمع الجديد، وعلامة للرقي والتقدم، والهدف مزدوج، من جهة المضي قدماً بمشروع قائم على تدمير الأسرة كركيزة للحياة الاجتماعية، وفي قلبها الزواج، واعتبار ذلك المدخل الأفضل لتخفيض عدد السكان، والزواج المثلي هنا حلقة محورية في المشروع باعتباره زواجاً دون إنجاب، ومن جهة ثانية تصنيع طائفة جديدة في كل المجتمعات تناصب العداء لمجتمعها، بداعي الدفاع عن وجودها، وتوفير الحماية والرعاية لهذه الطائفة الجديدة التي يتمّ تصنيعها في الحضانات والمدارس عبر المناهج التربوية، واشتراط القروض والهبات والرعاية الأممية بالتزام شروط تعميمها، وهذه الطائفة الجديدة المشبعة بالروح العدوانية لا تحمل هوية أخرى غير هويتها الجندرية، العابرة للانتماءات الوطنية والقومية والدينية والمعادية لها في آن، هي مشروع حزب جديد أممي، وميليشيا أممية، لن يقدم الرعاية والحماية لها إلا الغرب الهجين المعاد تشكيله وفق هذه الرؤية.
– معادلة السيد نصرالله في الدفاع عن القرآن بدعوة الشباب المسلم في العالم لأخذ الأمر بين يديه إذا لم تفعل الحكومات شيئاً، في مهلة زمنية هي انعقاد اجتماع وزراء الخارجية في منظمة المؤتمر الإسلامي، يعني السعي لإقامة معادلة ردع في وجه حملة الاستهداف، لكنه تعبير عن قرار أبعد مدى بتحويل القضية إلى بند دائم على جدول الأعمال، ورسالة مفتوحة تقول ما سيكون عليه الحال إذا تعرّض المسجد الأقصى للاعتداء، وبالتوازي إعلان مواكبة ملف الترويج والترغيب وصولاً للإكراه على الانخراط في نماذج الشذوذ، من موقع اعتبار هذا العنوان موضوع مواجهة لا تهاون فيها، لأن مَن يسعى لتغيير القواعد السابقة في إدارة هذا الملف هو الغرب الذي يريده مدخلاً لاجتياح ثقافي قيمي لإعادة تشكيل العالم ومنه منطقتنا وبلادنا، وفق معايير إسقاط الهويات والقضايا وتدمير الفطرة الإنسانية.