مصداقية شعار الأولوية لانتخاب رئيس
ناصر قنديل
منذ حلول الفراغ الرئاسي تتداول كتل نيابية وأحزاب سياسية شعار “الأولوية لانتخاب رئيس جديد للجمهورية”، ويتخذه البعض مبرراً لرفض كل تشريع مهما بدا ملحاً، ويقاطع كل نشاط للمجلس النيابي بداعي هذه الأولوية. وإذا نظرنا بعين فاحصة لعمل الدولة، سنعرف صحة هذا الشعار، انطلاقاً من الماكينة المؤسسية التي تبدأ بالتحرك وتنطلق من انتخاب رئيس للجمهورية، فتسمية رئيس للحكومة، فتشكيل حكومة، لينتظم العمل الدستوري والمؤسسي. فهل هذا يعني أن أصحاب هذا الشعار على حق؟
الترجمة السياسية الصحيحة لهذا الشعار هي أن مبدأ الانتخاب يتقدم بالنسبة لأصحاب هذا الشعار على مواصفات الرئيس، بخلاف الذين يتمسكون بمواصفاتهم للرئيس ويتقبلون الفراغ حتى تمكنهم من ضمان إيصال مرشح رئاسي يطابق هذه المواصفات، ولا يمانعون من تعطيل النصاب إذا بدا أن هناك فرصة لوصول مرشح رئاسي لا يشبه مواصفاتهم للرئيس العتيد، ويترجمون تقبلهم للفراغ بانخراطهم في العمل التشريعي لمجلس النواب تحت شعار تشريع الضرورة، وفي المشاركة في قيام الحكومة بما هو ضروري لتحريك مؤسسات الدولة في تلبية الحاجات الأساسية للبنانيين، الى حين انتخاب رئيس جديد، فهل يمكن الجمع بين التمسك بمواصفات رئاسية وصولاً لتعطيل النصاب لفرضها ومنع وصول من يخالفها، مع شعار أولوية انتخاب الرئيس؟
يجيب أصحاب هذه الفرضية بالجمع بين الشعارين، مواصفاتهم للرئيس وأولوية انتخاب رئيس، أن الطريق لذلك هو عقد جلسات انتخاب متتالية حتى ينتخب رئيس، لكن المشكلة أن هذا الحل مشروط بقبول خصومهم السياسيين ومنافسيهم الرئاسيين أولاً، ولا يعني بالضرورة انتخاب رئيس ثانياً، فهو من جهة يرتبط بمفهوم وضع شروط للانتخاب والدعوة لأولوية الانتخاب، هي طلب الشيء وعكسه، ومن جهة ثانية هو مجرد دعوة لا تتحول إلى حقيقة إلا بقبولها من الغير الذي يمارس ما يعتبره حقه بتعطيل النصاب، بالضغط عليه بداعي أولوية انتخاب رئيس لفرض مواصفات رئيس معين يعتقد مؤيدوه أن عقد جلسات متتالية قد يمنحه حظوظ الفوز، ما يعني أنه وصفة للمجيء بمرشح بمواصفات ترضي أصحاب الطرح وليس وصفة تترجم أولوية انتخاب الرئيس، ومن جهة ثالثة لا يضمن قبولها انتخاب رئيس حكماً، لأن المجلس قد يبقى شهوراً يعقد جلسات ولا يتمكن مرشح من إنتاج غالبية 65 صوتاً لصالح مرشح فيصبح رئيساً في دورة ثانية يتحقق لها نصاب الـ 86 صوتاً.
الذين يقولون بأولوية مواصفاتهم الرئاسية على ملء الفراغ الرئاسي، ولا يخفون استعدادهم لتعطيل النصاب في خدمة تصوّرهم الرئاسي، ويشاركون بالعمل النيابي والحكومي حتى ينتخب رئيس جديد، منسجمون مع أنفسهم، فهل هذا هو حال الذين يقولون بأولوية انتخاب رئيس ويرفضون المشاركة بالعمل التشريعي والحكومي؟
إن شرط مصداقية الذين يقولون بأولوية انتخاب رئيس، ويرفضون المشاركة بالعمل النيابي والحكومي، يرتبط بإعلانهم أمرين معاً، الأول أنهم لن يشاركوا بأي عملية تعطيل للنصاب مهما كانت فرص الفوز لأي مرشح رئاسي، والثاني أن يعلنوا أنهم سيمنحون تصويتهم للمرشح الذي يرون كل مرة أن فرصه في الفوز تتعزز بمنحه أصواتهم، بمعزل عن قربه أو بعده عنهم وعن مواصفاتهم الرئاسية، لأن أولوية وجود رئيس للجمهورية تتقدم عندهم على كل شيء آخر.
أكبر النفاق هو محاولة الجمع بين شعار أولوية انتخاب رئيس، واتخاذه ذريعة لمقاطعة العمل النيابي والحكومي مهما كانت الضرورة، من جهة، والتمسك بمواصفات رئاسيّة، وصولاً لتعطيل النصاب لفرضها، من جهة مقابلة.