أولى

تعويضات الحرب السورية…

‭}‬ طارق الأحمد
يحار السوريون بعد انقضاء اثني عشر عاماً من الحرب على بلدهم، كيف يقاسُون حرباً جديدة تطالهم في أرزاقهم وتزيدهم شرذمة وعدم استقرار…
الحكومة تدأب على خطاب يعزو ما يحدث إلى آثار الحصار المفروض على البلاد ويشتدّ خنقاً عليها وفي ذلك كثير من الصواب.
أصوات شعبية بدأت تتصاعد وتيرة انتقاداتها حدّة وتلقي اللوم على فشل الحكومة كما الحكومات المتعاقبة في معالجة آثار الأزمة اقتصادياً وفي ذلك أيضاً كثير من الصواب.
أصوات اقتصادية رصينة في الداخل تدعو إلى قيام حوار اقتصاديّ جديّ غير تقليديّ أو شكليّ، لمحاولة استنباط حلول جديدة غير مسبوقة للأزمات، وذلك يحمل أيضاً الكثير من الوجاهة والصواب.
أصوات المعارضة الإعلامية في الخارج تتخذ من الأزمة ذريعة لتبرير موقفها السياسي من الدولة ومحاولة إثبات صحة تنسيقهم مع كلّ الدول التي تعادي الدولة، بل ويذهب البعض الى حدّ الشماتة ليس فقط بآثار الوضع المعاشي على الناس، بل وصلت حتى إلى الشماتة حين تحدث الضربات الإسرائيلية على الوطن، وليس في ذلك بتقديري إلا أوصافاً تنتمي إلى الخِسة وأخواتها…
لكننا في الوقت نفسه لا نجد مخرجاً حقيقياً لا لدى الحلفاء ولا بالنهج الاقتصادي المتبع حكومياً، والواضح أنه بتقديري ناجم عن فلسفة في التعاطي الحكومي، يتعامل مع البلد وكأنه لا يعلم أنّ فيها حرباً بحيث يستخدم التبرير القانوني للتذرّع بالخوف من أيّ إجراءات عميقة وتحتاج قرارات جريئة إذا كانت في الصالح العام، لكن حين يفشل في النتيجة وتكون محصلة عمله صفرية أو سلبية، يتحجّج بالقانون والحرب على سورية. وهنا نستطيع القول إننا نحتاج فعلاً روحاً مختلفة عما يجري…
المواطن دفع الثمن أكيد، ويشعر بالظلم أكيد، لكن الأخطر هو أنه أصبح لا يملك الثقة بالمستقبل القريب ولا البعيد وهو أساساَ لم يثبت ويدافع عن وطنه إلا بمخزونه الحضاري الهائل من الثقة والإيمان؛ وبالتالي فمن لا يستدرك بأنّ الصرف من مخزون الثقة يشكل أخطر مراحل الحرب، يكون بظني مجازفاً باستدراك الخطر الآتي…
التعويضات ضدّ العقوبات:
تعاني سورية من عقوبات غربية يشارك فيها ذوي القربى والأهل وأبناء العمّ قبل الغرباء جميعاً، فمن ينكر هذه الحقيقة؟
لن أفصل كثيراً في الشرح لأنّ الأمر معروف ومدرك، ولكن ثمة مفارقة تكاد تشقّ النفس لكلّ سوري بحجم ظلمها وثقلها، وهي: كيف أننا نتلهّف لإعادة العلاقات واستقبال (المساعدات) من الدول ذوي القربى وتبدأ صحافتنا تروّج لهذا المسار على أنه الحلّ الآتي وإذ باقتصادنا يسارع الخطى باتجاه التدهور، والأنكى من ذلك هو مشاهدة أردوغان يحصل بعد جولة عند ذوي القربى أنفسهم بوعود تبلغ عشرات المليارات إلى حدّ المئات منها؟!
للتذكير فقط فإنني على هواء الفضائية السورية ذكرت عشية اجتماع الجامعة العربية، جواباً على سؤال المذيعة بأنني لا أقرأ إمكانية لنهوض الوضع الاقتصادي كنتيجة للاجتماع وعلينا البحث في مكان آخر، رغم كلّ جو التفاؤل والذي كنتُ أؤيده بالفعل ولكن بقراءة مختلفة، عمادها استخدام جو الجامعة للانفتاح على بغداد وبيروت.
تستطيع محطة عودة سورية لشغل مقعدها الرسمي في الجامعة العربية أن تشكل أكبر ورشة عمل تخصصية للقانونيين السوريين، ليشرعوا في إعداد الدعاوى في مؤسّساتها النظامية على الجهات التي دعمت الإرهاب الذي ضرب سورية، للمطالبة بتعويضات وليس مساعدات بالأخصّ من الدول والكيانات التي تتوفر الأدلة الدامغة على تورّطها في ذلك وأعني دولة قطر بوضوح وذلك بتوفر أهمّ مواد للأدلة تتمثل بالاعترافات الشهيرة لوزير الخارجية القطري السابق حمد بن جاسم، ويمكن طلب مئات مليارات الدولارات عبر مؤسسات الجامعة العربية بشكل رسمي حكومي أو عبر المنظمات التخصصية التابعة للجامعة، حيث لم تعُد تستطيع الأمانة العامة للجامعة أن ترفض الملفات بعد أن عادت سورية لشغل مقاعدها في جميع المنظمات التابعة لها، وللعلم فإنّ الجامعة العربية هي منظمة دولية وتستطيع سورية استخدام الملفات نفسها في أروقة الأمم المتحدة وباقي المنظمات التابعة لها.
إنّ التعويضات التي فرضت على ألمانيا بعد الحرب العالمية الأولى بموجب معاهدة فرساي قد فاقت المئتي مليار مارك ذهبي، وقد فرضت على العراق تعويضات فاقت الخمسين مليار دولار لصالح الكويت بعد الغزو، وصحيح أنّ مثل تلك المقاربات تتعلق بإرادات دول كبرى، لكن ما الذي يمنع السوريين بالشروع في تحضير ملفاتهم في الداخل لطلب التعويضات، التي أجدها من جهتي أكثر كرامة وعزة من طلب المساعدات وهي حقّ لهذا الوطن المكلوم وشعبه الذي أزهق أرواح مئات آلاف الضحايا من أهلنا، جراء هذا العمل الذي أوقن كغيري بسهولة إثبات أنه كان مخططاً ومدبّراً منذ ما قبل الأحداث وتوجد عشرات الإثباتات الدامغة على ذلك، وإن هذا العمل هو من أهمّ أوراقنا من أجل إجبار تركيا على الانسحاب من أرضنا أيضاً، وليس تعهّدات استانة فقط. وللعلم فمن واجب من يعمل في هذا المجال حقوقياً، المطالبة بالتعويض حتى عن أبنائنا السوريين الذين غرّر بهم وحملوا السلاح ضدّ أبناء وطنهم أو مؤسسات الدولة الرسمية وكلّ ذلك كان بنتيجة الضخ الإعلامي والمال المشبوه الذي دخل عبر وسائل معروفة وتوجد أدلة كثيرة على تورّطها.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى