كلام باسيل والسيناريو الوطني
ناصر قنديل
– فيما يتداول كيان الاحتلال بذعر ما نشر في وسائل إعلامه حول ما سُمّي بـ «السيناريو الوطني» وفيه وقائع مرعبة حول فرضية مواجهة مع لبنان ومقاومته، تضمن الحديث عن مقتل خمسمئة من المستوطنين وإصابة ألف وخمسمئة منهم في الأيام الأولى للمواجهة، وعن سقوط ستة آلاف صاروخ فوق رؤوس المستوطنين يومياً في هذه الأيام الأولى، والتبشير بأن الكيان سوف يكون بلا مطارات أو موانئ ولا طرقات ولا محطات قطار ولا ماء ولا كهرباء، يقارب اللبنانيون فرضيات سيناريو وطني تتقدّم ملامحه ولو أنه يحتاج الى المزيد من الوقت والجهود حتى تتبلور نتائجه.
– نقطة البداية في هذا السيناريو الوطني اللبناني هي بدء تحقيق فائض في ميزان المدفوعات قابل للتزايد مع رحيل حاكم مصرف لبنان السابق رياض سلامة، ووقف لعبة التصرف بهذا الفائض عبر محسوبيات منصة صيرفة، ما أنتج هذا الاستقرار النقدي المستمرّ منذ ما قبل رحيل سلامة والباقي بعد رحيله، رغم الشائعات التي تمّ الترويج لها عن انهيار في سعر الصرف في اليوم الذي يلي رحيل سلامة. وهذا الاستقرار لم يتعرّض للاهتزاز بصورة لافتة للنظر رغم اشتباكات مخيم عين الحلوة وما تمّ ترويجه عن فرضيات تكرارها سيناريو كارثي يشبه ما جرى في مخيم نهر البارد، ورغم البيانات التي صدرت عن سفارات الدول الخليجية التي توزّعت دعوتها رعاياها بين المغادرة والحذر، وهذا العامل الهام الذي أسماه صندوق النقد الدولي والبنك الدولي في تقاريرهما عن لبنان بالتأقلم، هو ركيزة نوعية للسيناريو الوطني المفترض.
– الركيزة الثانية التي يستند إليها السيناريو الوطني اللبناني، هي أن الأمن والاستقرار غير قابلين للعبث والاهتزاز، وقد شكلت تجربة عين الحلوة على مرارتها وآلامها، مؤشراً على درجة قدرة لبنان على التعامل مع العواصف الأمنية، سواء لجهة فعالية إجراءات الجيش اللبناني في حصر أي حدث أمني ضمن ضوابط تحول دون تفاقمه وتمدّده، أو لجهة منهجية قيادة الجيش في منع استثمار الأحداث الأمنية في السياسة، ورفض قيادته توظيف الأمن في أي سيناريوهات افتراضية بما فيها محاولات الإغراء الرئاسي؛ وبالتوازي ظهور حجم قدرة القيادات الوطنية الفلسطينية واللبنانية على حصر النيران ومنع انتشارها وصولاً الى السيطرة على الحريق، بالرغم من وجود أياد عابثة نجحت بالتموضع على طرفي الاشتباكات وأرادت أخذها وأخذ المخيم وربما لبنان الى مكان مفتوح على إمكانية توظيف الفوضى في الضغط والتفاوض على الخيارات الكبرى والاستحقاقات الهامة.
– تبقى الركيزة الأهم في ظل التوترات الناتجة جنوباً عن تمادي جيش الاحتلال في انتهاك السيادة اللبنانية، وتجاوز القرار 1701، عبر محاولات بناء جداره العازل في مناطق لبنانية لا نقاش حول لبنانيتها كحال خراج بلدة الماري الملاصق لبلدة الغجر والذي تمددت فيه البلدة، وسواها من المناطق المتنازع عليها، وهذه الركيزة هي قوة المقاومة واقتدارها، وحجم الرعب الذي تقول سيناريوهات جيش الاحتلال إنه سوف يرافق أي مواجهة مع المقاومة، ولا يغيّر من هذه الحقيقة كل الغبار الذي ينثره بعض المسؤولين في كيان الاحتلال تحت عنوان إظهار القوة، لمخاطبة مستوطنين قالوا مراراً إنهم يصدقون قائد المقاومة السيد حسن نصرالله أكثر مما يصدّقون قادتهم.
– بالاستناد إلى هذه الثلاثيّة يمكن للسيناريو الوطني اللبناني أن يكتمل إذا تبلورت صورة فرصة لإنجاز الاستحقاق الرئاسي، دون العبور في دفاتر الشروط الأميركية التي تريد رهنه بتوفير ضمانات لأمن الكيان، ولهذا السيناريو فرصة واحدة، وهي بلوغ الحوار بين حزب الله والتيار الوطني الحر نهايته المرجوّة، بحيث تتبلور أكثرية كافية لانتخاب المرشح سليمان فرنجية بانضمام نواب التيار الـ 17 الى الـ 51 نائباً الذين يشكلون نواة صلبة مؤيدة لانتخاب فرنجية، ويقدم وجود التيار التغطية المسيحية لانتخاب فرنجية التي كانت تطالب بها كتل نيابية للانتقال الى تأييد فرنجية، وفي ظل مناخ يوحي بصعوبة تعطيل النصاب من قبل المعترضين.
– كلام رئيس التيار الوطني الحر النائب جبران باسيل أمس عن «اتفاق أولي مع حزب الله على مسار اسم توافقي وتسهيل الاسم مقابل مطالب وطنية، وما زلنا في بداية الحوار مع الحزب وتقدّمنا بأفكار ننتظر ردّه عليها»، يدعو للتفاؤل بفرص جدية لظهور السيناريو الوطني اللبناني الذي يتضمن خريطة طريق للنهوض السياسي والاقتصادي، وإذا كان مفهوماً ألا يقول باسيل إن الاتفاق المقصود هو حول اسم فرنجية لربط ذلك بإنجاز التفاهمات الأخرى، لكن كلامه السابق عن الاستعداد لتقديم تضحية كبرى لست سنوات مقابل المطالب الوطنية التي يتبناها التيار، واضح في الإشارة الى مَن هو المرشح الرئاسي المعني.