ميادة الحناوي.. أول مطربة عربية تطلق أغانيها على إسطوانات ليزر
دمشق – سانا
صنفها النقاد ضمن مطربات الطبقة الأولى على المستوى العربي، وفاقت الكثيرات بروعة الإحساس ودقة التعبير، حتى جعلت كبار الملحنين العرب يسارعون للتعاون معها، مطربة سورية الأولى كما يسمّيها كثيرون وأيقونة الطرب العربي الفنانة ميادة الحناوي وتفاصيل مسيرتها الفنية في المقال الآتي.
شكلت مسيرة ميادة الفنية ذاكرة لجيل كامل، وما زالت حتى الآن سيرة مرتبطة بالفن والجمال عصية على النسيان، حيث أصبحت المطربة العربية الأولى التي توظف الحداثة في توزيع الأغاني، فاستحقت أن تكون ضمن قائمة أكثر 50 امرأة عربية مؤثرة جماهيرياً عن جدارة، حسب تصنيف مجلة «في» العربية.
ابنة حلب وسليلة الطرب العريق…
ولدت الفنانة ميادة الحناوي في حي الجلوم الصغرى في مدينة حلب بين أحضان أسرة سورية عمادها أب مزارع وأم ربت ثلاثة أخوة، وفي طفولتها تمتعت ميادة بصوت جميل آخاذ كأختها فاتن التي أحبت الفن، ولاحظ الأهل شغف ميادة بالغناء منذ كانت في السادسة من العمر، حيث تربت على صوت سيدة الغناء العربي أم كلثوم التي عشقت صوتها عن طريق المذياع، ومع مرور الوقت بدأت تشارك بالسهرات الحلبية الشعبية التي تقيمها نسوة يجدن العزف على معظم الآلات الموسيقية الإيقاعية.
نما حب الغناء لدى الحناوي ما دفعها للخروج من مدينتها قاصدة العاصمة دمشق بعمر 14 عاماً ليكتشفها الموسيقار محمد عبد الوهاب عندما استمع إلى صوتها في إحدى سهراته بمصيف بلودان عام 1977، فأبدى إعجابه الشديد بصوتها الجميل واتفقا على أن تزور مصر لتنطلق منها فنياً وينجز لها ألحاناً خاصة وبقيت ميادة على مدى حوالي عامين تتجهز للانطلاق نحو عالم الشهرة.
سافرت برفقة شقيقها الفنان والباحث الموسيقي عثمان الحناوي إلى القاهرة سنة 1979، ومكثت حوالي الستة أشهر تتلقى التدريب على يد الموسيقار عبد الوهاب الذي كان أستاذاً كبيراً في فنون الأداء والصوت، وشاركت في البروفات المكثفة لتغني لحنه في يوم وليلة، ولكن حدث ما لم يكن متوقعاً، إذ دبت الغيرة في نفوس بعض الفنانات وأوجسن خيفة من هذه الوافدة الجديدة وسعين إلى إخراجها من مصر قبل أن تغني عملها الأول.
الشام والصعود إلى القمة…
ما حصل معها في مصر لم يحبطها بل عادت إلى بلدها لتخط بداية جديدة بعد أن اكتسبت المزيد من الخبرات، ولحق بها كبار الملحنين ليتعاملوا معها وكان أول الواصلين الموسيقار الراحل محمد الموجي الذي لحن لها عملين كانا علامة الانطلاق في رحلتها الفنية هما موشح «يا غائباً لا يغيب» و»جبت قلب منين».
رحلتها مع بليغ حمدي…
حين سمع الموسيقار الراحل بليغ حمدي ما تعرّضت له في مصر حضر من تلقاء نفسه الى سورية لكونه أعجب بصوتها، حيث أقام فيها أربع سنوات، وهو يلحن ويكتب أيضاً لمطربة الجيل، كما لقبها بذلك وقتها الصحافي اللبناني بديع سربيه رئيس تحرير مجلة الموعد.
أول أعمال بليغ لميادة «الحب اللي كان» وهو أول عمل كامل يكتبه باسمه الصريح بعد أن كان يوقع نصوصه التي يؤلفها تحت اسم ابن النيل، حيث بذل بليغ جهوداً مضاعفة مع الموسيقار أمين الخياط ليرتقيا بأداء العازفين السوريين ليكونوا بحق نداً للفرق المصرية العريقة.
بعدها تتالت ألحان بليغ للصوت الذهبي الذي حفر في الأغنية العربية أغاني لا تنسى مثل «أنا بعشقك» التي كتبها ولحنها أيضاً و»فاتت سنة»، «حبينا»، «أنا اعمل إيه»، «سيدي أنا» و»مش عوايدك» التي حققت لها المزيد من الشهرة في العالم العربي وأيضاً بين الجاليات العربية بأميركا وأوروبا عبر حفلاتها التي تغني بها بصحبة فرقة الفجر الموسيقية.
أما التحفة الفنية التي غنتها ميادة الحناوي فكانت أغنية «نعمة النسيان» من ألحان الفنان المصري وعازف الأكورديون فاروق سلامة الذي كان يعزف في فرقة أم كلثوم وعبد الحليم حافظ وهو شقيق الملحن جمال سلامة، وشغلت الأغنية التي كتبها الشاعر عمر بطيشة مكانة كبيرة في قلوب الجمهور العربي الذي ما زال يرددها حتى يومنا هذا.
غنت جبهة المجد…
في مطلع الثمانينيات فكر القائمون على الثقافة والفن في سورية بأن يقدموا قصيدة «جبهة المجد» للشاعر العراقي محمد مهدي الجواهري الذي اتخذ من دمشق موطناً له بصورة عمل غنائي كبير، واختاروا أن تقدمها ميادة بصوتها في الوقت الذي كانت تشق فيه طريقها نحو صدارة الغناء العربي، وبعد دراسة وبحث كلفوا الموسيقار الصاعد وقتها صفوان بهلوان بتلحينها.
وعكف بهلوان على ذلك قرابة عام لتخرج معه في النهاية درة فنية فريدة، ولاسيما بعدما سجلت على ألحان الفرقة السيمفونية في القاهرة، وكانت الأغنية أول عمل يسجل بطريقة التراكات وذلك بدمج صوت المطرب أو المطربة مع الموسيقا بصورة مستقلة، لتصدر الأغنية في النهاية بصورة خلابة ومبهرة كأول قصيدة سيمفونية عربية.
وغنت لرياض السنباطي
«يسعدني كما بدأت حياتي مع أم كلثوم أن انهيها مع ميادة الحناوي». هذا ما قاله الموسيقار الكبير رياض السنباطي عن تعاونه مع مطربة الجيل بعد أن سمعها تغني قصيدته «اشواق» فعكف يلحن لها عمله الذي شاء القدر أن يكون ختام المسك بالنسبة له قبل وفاته في أيلول سنة 1981، فغنت رائعته «ساعة زمن» التي حلقت بها بعيداً وغدت أيقونة من أيقونات الغناء العربي ميادة والجيل الثاني من عباقرة التلحين…
نجاحات ميادة المذهلة مع كبار الملحنين جعلت الجيل الثاني من عباقرة التلحين يسارعون للعمل معها، فغنت من ألحان محمد سلطان وحلمي بكر وعمار الشريعي وصلاح الشرنوبي من مصر، وقدم لها الملحن الليبي الكبير علي ماهر قصيدة «غنيت لك».
أول مطربة عربية تطلق أغانيها
على أسطوانات ليزر…
حصلت الحناوي على جائزة الدولة التقديرية لعام 2017 وكانت أول فنانة عربية تُدخل الحداثة لأغانيها لتسجلها بنظام التراكات الذي يسمح بتسجيل اللحن على تراك والغناء على تراك آخر، وكانت أول مطربة عربية تطلق أغانيها على أسطوانات ليزر لتكتسب شهرة بعد أن أصدرتها عن طريق الكاسيت مصوّرة على طريقة الفيديو عبر شاشة التلفزيون إلى جانب إذاعتها.
وباتت تقدم حفلاتها في الكثير من البلاد العربية وتعرض أغانيها على كافة المحطات التلفزيونية العربية، حيث كانت الألحان ترسل لها على شريط كاسيت من كبار الملحنين العرب والمصريين تتدرّب عليها في دمشق وتسجلها، حيث أصبحت أشهر المطربات في زمانها بجانب الكبار بما تتميز به من صوت جميل وأداء أجمل وأغانٍ وكلمات وألحان لعمالقة الفن في الوطن العربي.
الحناوي والأغنية الوطنية…
أصدرت الحناوي عام 2007 أغنيتين وطنيتين، الأولى لسورية بعنوان (يا شام) وتبعتها أغنية مهداة لبيروت بعنوان (بيروت يا عروس الشرق)، وكلتا القصيدتين من كلمات الشاعر نبيل طعمة وألحان الملحن الشاب خالد حيدر وتبعها عام 2008 أوبريت في دمشق (يسلم ترابك يا شام)، بمشاركة مجموعة من المطربين العرب.
ميادة التي تختصر بصوتها الفصل الأخير من العصر الذهبي للأغنية العربية، كانت (ابنة بلد) حقيقية ومدافعة بصوتها عن وطنها، فقدّمت له العديد من الأعمال، وبقيت في ربوعه ولم تتركه بأحلك الظروف وظلت متمسكة بالفن الأصيل وبتراث الأساتذة الذين عملت معهم ونهلت من إبداعهم، لتكون بحق صوتاً من زمن العمالقة لكل الأجيال.