نقاط على الحروف

الخريطة السياسية للكحالة رئاسية

ناصر قنديل

يختلف ما جرى في الكحالة عن كل سابقاتها وشبيهاتها، فهو مختلف عن حادثة خلدة حيث اشتباك بين جيران جرت محاولة لتحويله إلى منصة استهداف للمقاومة وبوابة فتنة. ومختلف عن حادثة الطيونة حيث تصادم بين شارعين في حال احتقان على خلفية الموقف من التحقيق في انفجار مرفأ بيروت أراد البعض تحويله إلى فتنة دموية ومنصة رسائل نارية؛ أما في الكحالة فنحن أمام تربص يلتقط حادثاً عادياً، حيث حزب الله لم يقم بأي خطوة تجاه بلدة الكحالة وسكانها والأحزاب التي تخالفه الرأي فيها، فلا هو عبر بتظاهرة، ولا مرّت قواته بسلاحها الظاهر تستفز، فقد قاده القدر أن تنقلب إحدى شاحنات السلاح والذخائر العائدة لمقاومته، عند كوع الكحالة، وعندما علمت قيادات سياسية بالأمر قامت بتجميع مناصريها تحت عنوان الأهالي يريدون أن يعرفوا ماهية حمولة الشاحنة، ويطوّرون المشهد الى إطلاق نار.
الفكرة بذاتها إشارة إلى أمرين، الأول أن هناك فريقاً كان حتى الشهر الماضي يتصرف على قاعدة أولوية انتخاب رئيس للجمهورية قد بات على قناعة بأن التقاطع على ترشيح جهاد أزعور كان آخر فرصة للتحكم بالاستحقاق الرئاسي، وأن هذا التقاطع صار من الماضي، وأن المسألة مسألة وقت فقط حتى ينجز الاستحقاق بصيغة مريحة لحزب الله، سواء عبر وصول الحوار بين التيار الوطني الحر وبين حزب الله إلى اتفاق يضمن وصول المرشح سليمان فرنجية ويخرج في حصيلته رئيس التيار الوطني الحر النائب جبران باسيل على المسيحيين يقول إنه جلب لهم مطلباً تاريخياً عجز الجميع عن تحقيقه، هو اللامركزية الإدارية الموسعة مع بعض الصلاحيات المالية، أو عبر تبلور ظرف يتيح تفاهم حزب الله وقائد الجيش العماد جوزف عون يسهل فرص وصوله الى الرئاسة في مناخ إقليمي مختلف، يكون التفاهم النووي بين أميركا وإيران أحد مكوناته، ومثله الانسحاب الأميركي من سورية؛ ولذلك فإن هذا الفريق اللبناني قرر أن الرئاسة لم تعد أولويته، وهو ذاهب الى التصعيد بوجه حزب الله في كل شاردة وواردة، ولا مانع لديه من أن تصيب شظاياه قائد الجيش، كما قالت المواقف في قضية الكحالة.
الأمر الثاني، أن هذا الطرف اللبناني المنسحب من الأولوية الرئاسية ومن فرضية ترشيح قائد الجيش، يلقى تكتيكياً دعماً وحضانة من الأميركيين، الذين سيذهبون عندما يستخدمون ما يوفره لهم هذا الطرف اللبناني وما يحصلونه من ساحات أخرى، من أوراق تفاوض مريحة، الى التسوية، وعندها لا مشكلة لديهم بالانقلاب عليه، والسير بالتسويات أو عدم اعتراضها، لكنهم الآن جاهزون لتعطيل أي فرصة تسوية، واي فرصة انتخاب، طالما أن لا رئيس يعادي المقاومة يملك فرص الانتخاب، ولأن الأولوية الأميركية هي الفراغ الآن، حتى يجدوا طريقة تجمع بين صيغة تسوية يقدّمون فيها تنازلات تشبه ترسيم الحدود البحرية، في تفادي نشوب حرب، وضمان الاستقرار، لا تسوية تمنح محور المقاومة وحزب الله في قلبه أسباب قوة سياسية، منها الرئاسة، تزيد من فرص انقضاضه على الكيان في أي مواجهة مقبلة، والكيان في أسوأ أيامه، على شفا الخراب الثالث قلق من لعنة الثمانين الآتية خلال خمس سنوات تقع في قلب ولاية رئيس الجمهورية الجديد.
مشكلة هذا الطرف أنه حتى الآن لا يضم إلا 10% من أعضاء المجلس النيابي، اي حزب الكتائب ومعه حزب ميشال معوّض وعدد معلوم من نواب التغيير، بينما تقف القوات اللبنانية على التل تراقب الموقف، تشارك في التحريض على حزب الله، ولا تشارك في الحملة على قائد الجيش، وتتوجس من حوار التيار الوطني الحر وحزب الله وتقوم بتعداد النواب الذين يمكن أن يشاركوا في تعطيل النصاب إذا تمّ اتفاق التيار وحزب الله على انتخاب سليمان فرنجية، فلا تجد العدد كافياً، بينما بعيداً يقف التيار الوطني الحر مثله مثل اللقاء الديمقراطي وكتلتا الاعتدال ولبنان الجديد، تحت راية الدعوة الى تغليب العقل والحكمة ودعوات التهدئة وضبط النفس ووأد الفتنة، ويأتي كلام الرئيس ميشال عون والمطران بولس عبد الستار غطاء مسيحياً كافياً لإسقاط دعوات الفتنة.
تتبلور أكثرية نيابية كافية لتأمين النصاب وإنجاز الانتخاب، على قاعدة موقف سياسي يقول بأولوية انتخاب رئيس يستعيد تثبيت دعائم وحدة البلد ورفض التقسيم، والحاجة لحوار وطني يرسم استراتيجية للدفاع عن البلد لا لنزع سلاح حزب الله، يبدّد هواجس المقاومة والقلقين منها معاً، ويبدو حوار حزب الله والتيار المدخل الجدّي لظهور هذا المشهد النيابي الجديد.

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى