كيف تصبح خروفاً في المجتمع؟
سارة السهيل
كيف يمكن للبشر أن يصبحوا كالخرفان يلهثون خلف كلّ شيء جديد ويُدارون من قبل مجموعات مسيطرة على العقول وكأن من المحرّم عليهم التفكير المتفرّد وكأن جميع الناس يجب ان توضع في قالب واحد ليتمّ تشكيلها وفقاً لمعايير معينة وضعها المسؤولون عن السياسة والإعلام والموضة وطريقة الكلام، بل واستخدام عبارات بذاتها وموضة “الأكلات” والمطاعم والساعات، وكأنه اصبح من المحرّم أيضاً ان يكون لك مذاقاً خاصاً أو ذوقاً معيناً في أكلك وشربك وملابسك وخروجاتك، وبالكتاب الذي عليك ان تقرأه وكأن الكتب ايضاً أصبحت موضة وبريستيجاً! بل حتى في المكان الذي تقضي فيه إجازتك!
فما هذا التعليب؟ أشعر كأننا نسخاً متشابهة وبرمجة وموضوعة في علب، حتى في شكل “قصات” الشعر وعمليات الوجه ولون البشرة وشكل الذقن والحاجب، يعني “كله لازم يكون مثل بعضه” (موضة).
بعد نجاح هؤلاء في إدارة البشر كـ “الريموت” الذي يعمل عن قرب، جرّبوا إدارتنا من بعيد تماماً كالبرامج التي “تنزلها” على هاتفك وتستطيع من خلالها فتح الأبواب والنوافذ والمكيّف في بيتك وإنْ كنت حتى في مدينة أخرى.
هكذا يديروننا وكلما شعروا بنجاحهم تمرّدوا علينا أكثر وشطح تفكيرهم بصنع “الروبوتات” التي بدأت كلعب أطفال أو كمعاون لك تستفيد منه في أعمال البيت أو لأغراض علمية وبحثية وطبية وغيرها،
الى أن أصبح مشروعاً بديلاً عن الإنسان، أو ربما مستقبلاً يتمّ تصنيع “روبوتات” على أشكال ونمط كلّ الحيوانات فيستبدلون الكائنات الحية بالأجهزة، وبما أنّ من صنعها بفكر شرير سيبرمجها بشكل ظريف ولكن أشمّ رائحة “أڤاتار” في الجو.
هل كانت كلّ أفلام الخيال العلمي وعالم السحر تهيئة لنا لما هو آتٍ؟
انتبهوا الآن لكلّ ما يعرض على الشاشات لتتنبأوا مستقبلكم البعيد، ليس البعيد جداً، لأن كلّ هذا ليس وليد اللحظة فكلّ شيء يتمّ التخطيط له منذ وقت طويل جداً.
وكلّ ما يحاول المجتمع ان يجرّك اليه دون وعي منك يشعرني بالقلق عليك لأنه يبدو أنك بدأت بفقدان الاستقلالية والتفرّد وذلك بسبب التأثير السلبي للمجموعات المسيطرة على العقول والثقافة الجماعية.
أتفهّم انّ التشابه والموضة السائدتين في المجتمعات البشرية قد يكونا جزءاً من التعايش، ولكن لا يعني أنه يجب على الناس أن يكونوا تابعين بشكل مطلق أو أن يفقدوا قدرتهم على التفكير الاستقلالي.
أشعر بأنً ضغوطاً اجتماعية تحول دون تعبير الفرد عن شخصيته دون حتى ان يشعر هو بذلك، فإن التعميم تسلل الى بيتك وحياتك حتى أصبح هو أصلاً شخصيتك ورغباتك دون ان تمتحن نفسك وتتعرّف على رغباتك الحقيقية،
فمنذ الصغر يجب على الأهل وخاصة الأمّ تعليم صغارها تكوين شخصيتهم المستقلة مهما تعرّضوا للتنمّر او الإبتزاز للانجراف نحو القالب المجتمعي الموحد وان تعلّم أطفالها ان يحتفظوا بحقهم في التعبير عن ذواتهم وتحقيق أهدافهم الشخصية والعيش بالطريقة التي تريحهم وتحقق أهدافهم وتطلعاتهم .
ويجب ان يتعلّموا كبح الضغوط الاجتماعية وردع المجموعات المسيطرة عندما يتعرّضون لضغوط اجتماعية تدفعهم إلى التكيُّف مع الموضة السائدة والمعايير المتعارَف عليها عن طريق تأثر العقول بالإعلام والسياسة والثقافة الجماعية، مما يؤدّي إلى تبني معايير ومعتقدات مشتركة وتجاهل التفكير المستقل والتفرّد الشخصي، وان يحتفظوا بحقهم في التعبير عن ذواتهم والتفكير المستقل. والعمل على تطوير رؤيتهم الفردية واكتشاف ما يهمّهم وما يميّزهم عن الآخرين. والسعي للانفتاح على آراء وأفكار جديدة واختيار ما يناسبهم ويعكس قيمهم الشخصية.
ولا بدّ من إرشاد الأطفال والكبار الى الطرق التي تؤدّي الى تكوين شخصية مستقلة ومتفرّدة، ويكون بذلك تعزيز التفرّد والتنوّع بعد أن يستكشفوا مصادر معلومات متنوعة ومختلفة، مثل الكتب والمقالات والأفلام والمعارض الفنية.
من خلال ذلك، يمكنهم توسيع آفاقهم وفهم العالم من وجهات نظر مختلفة، وهذا يساعدهم على التفكير المستقل والتمييز بين الأفكار والآراء المختلفة، والتواصل مع أشخاص من اهتمامات وثقافات مختلفة وتبادل الأفكار والتجارب والتعلّم من وجهات النظر الجديدة واكتشاف أشياء جديدة تساهم في تطوير ذواتهم، والتعبير عن أنفسهم وما يميّزهم دون خوف من التنمّر والحكم السلبي أو الاستنكار. يجب أن تحترم الثقافة والمجتمع الحقوق الفردية والتنوع، ويجب أن يكون هناك مساحة للتعبير الفردي والابتكار.
ويجب ان تنتشر هذه الثقافات في المجتمع حتى نخرج من القوالب المعتادة التي يتمّ التعديل عليها وتطويرها كلّ مدة تماماً كما يحدث مع التكنولوجيا الحديثة،
ومن الممكن أيضاً ان نخطو خطوات نحو الهروب من سجن التجنيد لخدمة أصحاب رؤوس الأموال العالمية التي تروّج لمنتجاتها عبر تكيّفنا وتكييسنا لما يناسب اقتصادها ومرابحها، فاهرب الى الصداقات والعلاقات الاجتماعية التي تحترم وتقدّر تفرّدك وتشجّعك على التعبير عن ذاتك ولا تفرض عليك ان تكون إلا أنت. بالإضافة إلى ذلك، يمكنك البحث عن مصادر معلومات متنوعة ومختلفة وتوسيع آفاقك وفهم العالم من وجهات نظر مختلفة. يمكنك أيضاً المشاركة في الأنشطة التي تعزز اهتماماتك الشخصية وتسمح لك بالتعبير عن نفسك.
انّ موضوع الاستقلالية الشخصية والتفرّد في المجتمع هو قضية معقدة يجب أن نتعامل معها بحذر. فالمجتمعات تتأثر بالعديد من العوامل المختلفة مثل الثقافة والتقاليد والقيم الاجتماعية. ومن المهمّ أن نفهم أنّ التكيُّف مع مجتمعنا ومعاييره ليس بالأمر السيّئ بحدّ ذاته. فالتواصل والتفاعل مع الآخرين جزء أساسي من الحياة الاجتماعية، ومع ذلك، يجب أن نسعى دائماً للحفاظ على هويتنا الشخصية والتنوع في المجتمع ويتطلب ذلك منا أن نكون واعين لمعتقداتنا وقيَمنا الشخصية وأن نعبّر عنها بحرية.
يجب أن نتجاوز الضغوط الاجتماعية وأن نجد الشجاعة للتعبير عن أنفسنا بطرق مبتكرة وفريدة.
انّ المجتمعات الصحية والمتقدّمة تقدّم مساحة للإبداع والتفاوت والتنوع. علينا أن نشجع بعضنا البعض على التفكير المستقل والتجارب الشخصية، وأن نقدّم الدعم والتشجيع للأفراد ليتمكنوا من العيش وفق قيمهم الشخصية وتطلعاتهم.
في النهاية، يجب أن نتذكّر أننا أفراد فريدون بأفكارنا وشخصياتنا المتميّزة، ويمكننا خلق مجتمع يحترم ويقدر هذا التنوع ويمنحنا الحرية للتعبير عن أنفسنا بصراحة واحترام…