حق علينا
ناصر قنديل
– اتخذت المقاومة من مدخل الآية القرآنية “كان حقا علينا نصر المؤمنين” شعاراً لإحياء النصر في حرب تموز 2006، لكن هذا لا يمنع أن نستخدم العبارة التي استخدمتها المقاومة، كان حقاً علينا، لنحوّلها إلى حق علينا أن نشهد للحقائق التي حملها هذا النصر، وما أحاط ويحيط به، من خلال الكلمات والمعادلات التي تضمنتها كلمة السيد حسن نصرالله في المناسبة.
– حق علينا أن نشهد بأن ما قاله السيد نصرالله عن تحوّل تاريخيّ في مسار الحماية للبنان، وتمكينه من استثمار ثرواته المائية والنفطية، وتوفير بيئة من الأمن والاستقرار للعمران والسياحة والاستثمار وسواها، وبموازاة ذلك تحول تاريخي في مسار المواجهة مع كيان الاحتلال، وصولاً لرسم معادلة لن تلبث أن تضاف الى معادلة “إسرائيل أوهن من بيت العنكبوت”، هي معادلة “نحن أيضاً سوف نعيدكم إلى العصر الحجري”. والسيد نصرالله هنا وضع جانباً معادلة التهديد الوجودي، ووضع جانباً القدرة على العبور الى الجليل، ولم يجادل في أن الكيان قادر على إعادة لبنان الى العصر الحجري، مكتفياً بالقول إن هذا ليس جديداً، لكن الجديد الذي يعرفه قادة الكيان ويعرفه المستوطنون، ويجب أن يثقوا بأنه سوف يحدث، لأن المقاومة تملك القدرة وتملك الإرادة وتملك الفرصة لفعل ذلك، ولن تتردد بفعله، وهذا غير زوال الكيان الذي قد يتم في لحظة لا مجال لردّها، لكن إعادة الكيان الى العصر الحجري تهديد قائم وحقيقيّ، لكن يمكن تفاديه إذا ابتعد قادة الكيان عن الحماقات الكلامية والعملية. والسيد نصرالله بذلك يُعيد توجيه شحنة القلق الوجودي عند المستوطنين ويوظفها كجزء من معادلة الردع لشل الطاقة التدميرية لجيش الاحتلال ومنعها من المخاطرة باللعب بالنار.
– حق علينا أن نشهد للروح الوطنية العالية التي قارب عبرها السيد نصرالله حملات التحريض والاستهداف التي تتعرّض لها المقاومة. فقد كان شديد الحرص على مخاطبة أهالي الكحالة بكل مفردات الود والمحبة والتقدير، وحرصه نفسه على الإشادة بدور الجيش، وبالحرص ذاته والتقدير العالي لخطاب الرئيس السابق ميشال عون والمطران بولس عبد الساتر، ووضع عنوان التهدئة والحوار واحتواء التباينات، ورفض اعتماد الشارع والخطاب التصعيدي والتحريضي في التعامل معها، واعتبار الحرص على السلم الأهلي أولوية. وحق علينا أن نشهد أنه بالتوازي وضع الأضواء الكاشفة حول الجماعات الموتورة التي تتولى في الإعلام والسياسة قيادة مشروع التفجير، ومحاولة أخذ البلد إلى الحرب الأهلية، داعياً الى محاصرة هذه القوى وخطابها، وعدم التسامح مع العبث الخطير الذي تقوم به ومخاطر أن تنجح في لحظة حرجة بأخذ البلد الى حيث تخرج الأمور عن السيطرة، محمّلاً المسؤولية هنا للمرجعيات الثقافية والروحية، داعياً القضاء إلى تحمل مسؤوليته في النظر بدور هذا التحريض باستحضار الفتنة وإشعال نارها.
– حق علينا أن نشهد أيضاً للموضوعية والدقة في توصيف الحوار مع التيار الوطني الحر، فهو حوار جدي وإيجابي، وهام وحساس، لكنه يحتاج إلى مزيد من الوقت ومزيد من التشاور، والأكيد أن هذا الحوار واحتمالات نجاحه حاضر في برامج التحريض الطائفي بهدف نصب الحواجز بين المقاومة والبيئة الشعبية للتيار، وقد خرجت علناً الدعوات التي تطالب التيار بوقف الحوار من بوابة حادثة الكحالة، ما يكشف النيات الخبيثة والرخيصة لأصحاب دعوات الفتنة، ودرجة تربّصهم بالحوار وقلقهم من نتائجه وفرص نجاحه.
– الأكيد مع إحياء المقاومة للذكرى السابعة عشرة للنصر، فإن السيد نصرالله يقول عملياً، إن معنى امتلاك المقاومة زمام المبادرة، أنها باتت قادرة على تهديد الكيان بإعادته الى العصر الحجري، وأنها باتت قادرة على القول إن الحرب الأهلية ليست بنداً واقعياً على جدول أعمال الفرضيات والاحتمالات، بالرغم من أن الكيان لا يزال يهدد وبعض الداخل لا يزال يحلم، وكليهما يرتكب الحماقات.