شمال شرق سورية والنار الأميركية
} د. حسن مرهج*
لم تكن الخطوات الأميركية الأخيرة في شمال شرق سورية، جديدة في مضمونها وتوقيتها، فقد دأبت واشنطن على تنظيم وجود مستدام لها في الشرق السوري، لغايات وأهداف أهمّها إطالة أمد الحرب في سورية، ومنع روسيا وإيران من تعزيز وجودهما في شمال شرق سورية، لكن المستجد الجديد، والذي يُنبئ بتطورات قد تكون صدامية، فقد سعت واشنطن إلى استحداث جسد عسكري جديد، قوامه عناصر داعش الهائمين على وجوههم في البادية السورية، وبعض العشائر العربية، إضافة إلى قوات قسد، وربط كلّ ذلك عبر تعزيز وتحشيد القوات الأميركية، في عموم القواعد الأميركية المتواجدة في الجغرافية السورية.
حقيقة الأمر، أنّ تعزيز الحضور الأميركي في الجغرافية السورية عسكرياً، له دوافع واضحة، خاصة إذا ما نظرنا إلى المشهد السوري وفق منظور دمشق وموسكو وطهران، لا سيما أنّ الثلاثي السابق، قد عقد العزم على تشكيل معادلة لاستنزاف القوات الأميركية وتوابعها في شمال شرق سورية، عبر إنشاء فصائل المقاومة السورية، والتي بدأت نشاطها الميداني قبل أعوام، لكنه نشاط تعزز وتسارع، مع رغبة القيادة السورية وحلفائها، بطرد الولايات المتحدة من الجغرافية السورية، والتي تُعطل أسس الحلّ السياسي في سورية.
إذاً فإنّ هدف واشنطن والذي يكاد يكون وحيداً، لجهة تعزيز حضورها في شمال شرق سورية، هو ردع إيران أولاً، وروسيا ثانياً، والأهمّ منع القيادة السورية من تعزيز تأثيرات المقاومة السورية ضدّ القوات الأميركية وتوابعها، وبالتالي يبدو واضحاً، أنّ واشنطن ومن خلال تعزيز حضورها في سورية، إنما تعمل على إرسال رسالة عسكرية باطار سياسي، بأنّ القوات الأميركية باقية في الجغرافية السورية، وفضلاً عن ذلك، فإنّ الولايات المتحدة تحاول قطع طرق التواصل العربي والخليجي مع دمشق، وعليه، فإنّ منطقة شرق الفرات تحديداً، قد تشهد صراعاً بالوكالة، بين أدوات واشنطن في شمال شرق سورية من جهة، وبين المقاومة السورية المدعومة من قبل الدولة السورية وحلفائها من جهة ثانية، ولا يُتوقع بأيّ حال من الأحوال، أن تحدث مواجهة مباشرة بين واشنطن ودمشق وحلفائها، وفي حال تحقق هذا السيناريو، فإنّ الخاسر الأكبر ستكون القوات الأميركية عسكرياً، ومستقبل جو بايدن سياسياً، ورغم ذلك، فإنّ حدوث مواجهة بالوكالة، فإنه أيضاً ستكون الأدوات الأميركية هي الخاسر الأكبر.
في ذات السياق، فإنّ تقارير كثيرة أكدت، أنّ مناطق شرق سورية شهدت تحركات أميركية نشطة بالتوازي مع تحركات روسية – إيرانية – سورية، وعلى رغم أنّ المنطقة لم تكن بعيدة عن مناخ التوتر بين هذه الأطراف طوال السنوات الماضية، فإنه كانت هناك في الغالب آليات مشتركة استطاع من خلالها الأميركيون والروس تجنّب الصدام بينهما، كما أنّ العمل الإيراني ضدّ القوات الأميركية ظلّ ضمن حدود معينة، في حين يبدو أنّ التوتر في هذه المرحلة يتجاوز قواعد الاشتباك المعمول بها في المنطقة، الأمر يُنذِر بتصعيد وشيك في منطقة تُصنَّف بأنها خطرة نتيجة تداخُل مناطق نفوذ اللاعبين. أما في دوافع التحركات الأميركية وأهدافها، فقد قامت القوات الأميركية في الأسابيع الأخيرة بمجموعة من الترتيبات التي تكشف عن رغبة في ترسيخ وجود هذه القوات لفترة طويلة، كما كشفت تلك الترتيبات عن استعداد واشنطن لمواجهة صراعات محتملة قد تنطوي عليها المرحلة المقبلة.
ختاماً، يبدو واضحاً أنّ الدولة السورية وحلفاءها، لا يسعون إلى صدام مباشر مع الولايات المتحدة، خاصة أنّ القاعدة الاستراتيجية التي عززتها دمشق، والتي كشف عنها وزير الخارجية السوري فيصل المقداد، تؤكد باعتماد نهج المقاومة السورية، لطرد المحتل الأميركي والتركي وعملائهما من الجغرافية السورية، وعليه وبحسب معلومات مؤكدة من قبل عناصر في المقاومة السورية، فقد أكدوا عزمهم على تصعيد ممنهج ضدّ القوات الأميركية والتركية على السواء، ولا توقف عن العمليات العسكرية النوعية، والتي كانت آخرها تفجير مستودع ذخيرة تابع لقسد، وقبله استهداف بالصورايخ لحقل كونيكو؛ حتى خروج آخر جندي أميركي من الجغرافية السورية، وعليكم فقط تتبع مسار التطورات في بقعة كانت وستبقى سورية بامتياز.
*خبير الشؤون السورية والشرق أوسطية ومدير شبكة فينيقيا للأبحاث والدراسات الإستراتيجية.