اللقاء السعودي الإيراني واللجنة العربية حول سورية
ناصر قنديل
خلال أسبوعين ماضيين سادت مناخات في المنطقة تتحدث عن نجاح الضغوط الأميركية باستعادة السعودية الى الحضن الأميركي، بعد مرحلة من التشوّش سادت العلاقات الأميركية السعودية، وفقاً لتوصيف أصحاب هذا الرأي، رفعت خلالها السعودية سقف مطالبها من الأميركيين للبقاء تحت مظلتهم، فوضعت الحصول على مفاعل نووي وأسلحة نوعية وحلف دفاعي ثنائي، ومعاملة الحليف المميّز من خارج الناتو عسكرياً، مقابل الذهاب الى التطبيع مع كيان الاحتلال كترجمة لهذه العودة، وضمناً الانضباط بالتقييدات الأميركية على خيار الانفتاح السعودي على سورية، وتجميد مسار التعاون مع إيران على أدنى المستويات الممكنة، ومثله في العلاقة مع روسيا والصين، وكان الحدث الأبرز الذي انطلقت منه هذه التحليلات هو البيانات الصادرة من دول الخليج تحذيراً لرعاياها في لبنان، بما لا يمكن فهمه خارج إطار الضغوط الأميركية.
خلال هذين الأسبوعين، شهدنا عودة الخطاب التصعيدي في اليمن، وهدّد السيد عبد الملك الحوثي بإشعال البحر الأحمر وإقفال خطوط التجارة العالمية عبره، بما في ذلك إقفال مضيق باب المندب، ما لم تخرج مسارات الحلول في اليمن من الجمود، وخلال هذين الأسبوعين انطلقت عمليات متواصلة للمقاومة السورية مستهدفة مواقع القوات الأميركية، وتم تتويج هذين الأسبوعين بالإعلان عن زيارة وزير خارجية إيران حسين أمير عبد اللهيان إلى السعودية تمهيداً لزيارة الرئيس الإيراني السيد إبراهيم رئيسي، وعقدت اللجنة العربية حول سورية اجتماعها الأول بعد القمة العربية، لرسم خريطة طريق للعمل في ترجمة الأهداف التي تم رسمها في اجتماع عمان التأسيسي لعمل اللجنة.
الأكيد أن الضغوط الأميركية على السعودية موجودة وتهدف لفرملة الاندفاعة السعودية نحو تموضع على قدر كبير من الاستقلال في صراعات العالم والمنطقة. والأكيد أن السعودية تعاملت مع هذه الضغوط بجدّية، فاستجابت حيث لا تشكل الاستجابة تغييراً جوهرياً في منظومة مصالحها الأمنية والاقتصادية والاستراتيجية، وهذا يعني العلاقة بإيران وروسيا والصين والحرب في اليمن، وتراجعت في لبنان لتسليم أوراق اللعبة لواشنطن، بينما ذهبت الى المظلة العربية الجامعة في مقاربة الوضع في سورية، وأي متابعة لسوق النفط تكشف أن السعودية لا تزال تتصرّف على قاعدة ما سبق من قرار تشارك مع روسيا في إدارة السوق، بينما التعاون الاستثماري والتجاري مع الصين يمضي في طريق التطوّر، والسعي لدخول مجموعة بريكس ومجموعة شانغهاي لم يتغيّر، وما يجري مع إيران لا يعبر عنه فقط ما شهدته زيارة عبد اللهيان إلى السعودية وما رافقها من مواقف متبادلة، فقد شهد مؤتمر موسكو للأمن لقاء القيادات العسكرية الأولى في السعودية وإيران على هامش المؤتمر للبحث في التحديات المشتركة والتعاون الثنائي.
في مقاربة الوضع في سورية تدرك السعودية حساسية الموقف، انطلاقاً من الوجود العسكري الأميركي في سورية، ولذلك يبدو أنها توافقت مع الدول العربية التي تشاركها النظرة في لجنة التواصل حول سورية، ومع الدولة السورية، على تأسيس مظلة عربية تكون هي عنوان التحرّك نحو سورية، سواء في ملف الحل السياسي الذي تقرر أن تشهد مسقط جولة من جولات اللجنة الدستورية، أو في ملف النازحين، حيث يجري الحديث عن تحديد محافظة سورية واتخاذها نموذجاً لعودة النازحين وإعادة الإعمار، بعد فتح الباب للنازحين من هذه المحافظة في لبنان والأردن لتسجيل أسماء الراغبين منهم بالعودة، ويجري الحديث هنا عن حمص كمثال، على أن يجري التنسيق مع منظمات الأمم المتحدة المعنية، وقد سبق وأشار الرئيس السوري بشار الأسد الى نوع من التنسيق مع الأمم المتحدة لبلورة رؤية جديدة لعودة النازحين.
ما جرى في قضية السفير السعودي لدى فلسطين من تجاذب بين السعودية والكيان، حول الموقف من القدس، يرافقه كلام مسؤولين كبار في السعودية لمسؤولين عرب أن التطبيع مشروط بحل الدولتين بالنسبة للسعودية، وبالتالي فإن ما جرى هو أن الأميركي حصل من السعودية على ترك إدارة المشهد اللبناني له، وعلى عدم تسريع الملفات التي تتضمن تمويل مشاريع في سورية الى مرحلة مقبلة، لكن لا يبدو أن هناك تحولاً استراتيجياً بحجم مراجعة سعودية للخيارات، أو استعادة أميركية لما فقدته من أوراق القوة.
اليمن يقول الكلمة الفصل في كل حال.