معركة مشغرة واستشهاد الرفيق الصدر عساف كرم و معارك الشجرة ـ لوبيا واستشهاد الرفيق محمد ديب عينوس
ولأن في التاريخ بدايات المستقبل…
تُخصّصُ «البناء« هذه الصفحة، لتحتضنَ محطات مشرقة من تاريخ الحزب السوري القومي الاجتماعي، صنعها قوميون اجتماعيون في مراحل صعبة، وقد سجلت في رصيد حزبهم وتاريخه، وقفات عز راسخات على طريق النصر العظيم.
وحتى يبقى المستقبل في دائرة رؤيتنا، يجب أن لا يسقط من تاريخنا أي تفصيل، ذلك أننا كأمّة، استمرار مادي روحي راح يتدفق منذ ما قبل التاريخ الجلي، وبالتالي فإن إبراز محطات الحزب النضالية، هو في الوقت عينه تأكيد وحدة الوجود القومي منذ انبثاقه وإلى أن تنطفئ الشمس.
أنّ نكتب تاريخنا،..فإننا نرسم مستقبل أمتنا.
إعداد: لبيب ناصيف
معركة مشغرة واستشهاد الرفيق الصدر عساف كرم
ما ان وجه سعاده بيانه الشهير إلى الشعب في لبنان في 4 تموز 1949 شارحاً فيه لماذا أعلن الثورة القومية الاجتماعية الأولى ومحدّداً مطالب النهضة السورية القومية الاجتماعية على المستوى اللبناني، حتى كانت تجري معركة في سرحمول حيث قتل فيها الضابط اللبناني النقيب توفيق شمعون، ويهاجم الرفقاء مخفر الدرك في الغبيري وسنترال الهاتف في المريجة فيسقط الدركي نسيب النسر قتيلاً، ويحتلّ الرفقاء في المتين مخفر البلدة فيها ويرفعون فوقه علم الزوبعة.
أما في دمشق حيث تجمّع فيها عدد جيد من الرفقاء، فقد توزعوا في منازل عدد من رفقاء العاصمة، حتى كان يوم الرابع من تموز فتوجهوا في سيارات كبيرة إلى منطقة قريبة من دير العشاير عند الحدود اللبنانية الشامية حيث خطب فيهم سعاده موضحاً لماذا قامت الثورة القومية الاجتماعية الأولى وما هو دورهم.
من هناك انطلق الرفقاء في فرقتين. الأولى يقودها الرفيق الصدر عساف كرم والأخرى يقودها الرفيق «الأمير» زيد الأطرش.
في كتابه «على دروب النهضة»، يشرح الأمين نواف حردان كيف وصل إلى دمشق في أواخر حزيران 1949، وكان يتولى مسؤولية منفذ عام مرجعيون، ثم كيف تعرّف على خطة التحرك العسكري في الاجتماع الذي ترأسه سعاده وحضره الأمين نواف، والرفيقان عساف كرم وزيد الأطرش.
الخطة الموضوعة والتي راح يشرحها الرفيق عساف كانت تقضي بأن ينطلق الرفيق زيد الأطرش من الحدود الشامية على رأس فرقته لاحتلال قلعة راشيا الوادي، متابعاً نحو الجنوب فيلتقي الأمين نواف حردان في مكان ينتظره فيه ويتابعان إلى حاصبيا ومرجعيون ثم إلى صيدا، وفي الوقت نفسه ينطلق الرفيق عساف كرم مع فرقته باتجاه مشغرة فيحتل مخفرها، ومنها إلى نيحا – الشوف ثم إلى قلب الجبل حيث يلتقي الرفيق جورج عبد المسيح.
وبالفعل كان الأمين نواف ورفقاء قد تجمعوا في منطقة «شميس القصر» فوق بلدة عين عطا، وكانت الاتصالات قد أجريت مع رفقاء جنود في ثكنة مرجعيون للعمل على إسقاطها من الداخل مع بدء الزحف نحو البلدة .
وبناء على ذلك فقد أصدر الزعيم أمراً بتعيين الأمين نواف حردان (الرفيق آنذاك) نائباً في الميليشيا ليتسلم قيادة الرفقاء في مرجعيون رسمياً وهذا نصه:
الحزب السوري القومي الاجتماعي
أمر يومي
قلّد الرفيق نواف حردان رتبة نائب في الميليشيا وأسندت اليه قيادة القوميين الاجتماعيين في منطقة مرجعيون.
القائد الأعلى
التوقيع ـ أنطون سعاده
فيما لم يتمكن الرفيق زيد الأطرش وفرقته من بلوغ راشيا الوادي، اذ كانت مؤامرة حسني الزعيم قد بدأت تفعل فعلها، ليس فقط بالسلاح الفاسد الذي تسلمه الرفقاء، انما بمعرفة قوى الدرك اللبناني لتحركات الرفقاء، فكمنوا لهم قرب بلدة ضهر الأحمر حيث نشبت معركة غير متكافئة عدداً وعدة، تراجع بعدها الرفيق زيد إلى الأراضي الشامية مدركاً أنه فقد عنصر المفاجأة التي كان يحتاج إليها، فيقع الرفقاء في أيادي الجيش الشامي يجرّدونهم من أسلحتهم ويسوقونهم إلى السجن، فقد تمكن الرفيق عساف كرم من بلوغ مشغرة ومهاجمة مخفرها، واحتلاله، إنما إلى حين، إذ راحت قوى الجيش تقترب، فانكفأ إلى السهل بين مشغرة وسحمر حيث حاصرته قوات الجيش اللبناني وحالت دون تمكنه من الانسحاب إلى أية منطقة أخرى.
هناك في السهل دارت معركة بين مجموعة قررت أن تصمد وتقاوم بعد أن أعطى الرفيق عساف كلّ رفيق حق الإنسحاب اذا تمكن من الإفلات من الطوق المضروب، قائلاً أنه قرّر أن يبقى ويستشهد، وبين قوى الجيش المعزز بالمصفحات، والتي تطوّق قوة القوميين الاجتماعيين من مختلف الاتجاهات.
حول معركة مشغرة واسشتهاد الرفيق عساف كرم
نورد موجزاً لما جاء في كتاب المؤرّخ أنطون بطرس، وملخصاً لما اورده الرفيق محمد أحمد الخشن من سحمر بتقرير له بتاريخ 22/3/2003 وكلاهما يضيئان على معركة مشغرة.
ـ المؤرّخ أنطون بطرس:
– كانت خطة عساف كرم العسكرية تقضي باحتلال قلعة راشيا وحاصبيا ومشغرة، بواسطة ثلاث فرق قومية ثم الانتقال إلى الشوف والالتحام بفرقة رابعة تتحرك في المتن الجنوبي، وفي نفس الوقت تنطلق فرقة خامسة في البقاع بالاتفاق مع الدنادشة الذين طلب منهم إشغال الجيش في حين يتحرك القوميون من جهات صافيتا وطرطوس إلى عكار. وعندما تتمّ السيطرة على منطقة الغرب انطلاقاً من سرحمول تشكل على أثرها مراكز قيادة الثورة الأمامية بهدف عزل العاصمة بيروت إيذاناً بسقوطها، وتوكل قيادة هذه المنطقة إلى جورج عبد المسيح.
– كان الصدر عساف كرم نفسه على رأس قواته (وهي القوة الرئيسية في الخطة) مكلفاً بالاستيلاء على مشغرة، وزيد الأطرش على رأس الفريق الذي سيستولي على قلعة راشيا الوادي، وعجاج المهتار على رأس القوات المتوجهة الى حاصبيا.
وبعد ان يحتلّ كرم مشغرة ينطلق إلى نيحا فبيت الدين وعاليه ليلتقي بعبد المسيح قائد قوات الجبل. في حين يتوغل الأطرش في مرجعيون ويلتقي بقوات نواف حردان، قائد قوات الجنوب، فتتمّ السيطرة على المنطقة وتتوجه القوى القومية نحو صيدا.
يذكر الرفيق راتب الحراكي انّ سعاده صافح المقاتلين على التوالي وصافح زيد الأطرش وهو يسأله إذا كان برداناً ثم «صافحني مبتسماً».
– هاجم عساف كرم على رأس قوة من ستين قومياً (40 في مصادر أخرى) مخفر درك مشغرة وبعد اشتباك دام حوالي الساعة وصلت تعزيزات من الجيش والمصفحات استطاعت ان تحاصر القوات القومية في الضفة الغربية لنهر الليطاني من جهة سحمر، وبعد عمليات ومطاردات استمرت ثلاث ساعات (في مصادر أخرى سبع). عندما علم الرفيق عساف كرم أنهم باتوا محاصرين أعطى الإذن بالانسحاب مشيراً إلى الطريق الذي يستطيعون الانسحاب منها. وقبل ان يتمكن أحد من التحرك أصابت رصاصة الشهيد كرم وأردته قتيلاً. وقد تمكنت بقية الفرقة من الانسحاب فلجأت إلى أحد الجبال.
– تعرّضت مجموعة زيد الأطرش التي كانت تنطلق بسيارة باص لاحتلال قلعة راشيا لكمين من الدرك على طريق راشيا – ضهر الأحمر وتبادلت وإياها النار زهاء أربعين دقيقة. هذا الاشتباك أجهض المحاولة إذ تمكنت قوات الدرك من ردّ القوات القومية التي انسحبت نحو الحدود السورية.
طلبت قيادة الدرك اللبنانية من زميلتها السورية توقيف القوة القومية فنصبت قوات الدرك السورية كميناً للسيارة وأوقف جميع ركابها بمن فيهم الأمير زيد.
– يقول منير الشعار (الأمين) انّ الخطة كانت تقضي باحتلال راشيا عند الفجر، وأنّ الجنود السوريين أوقفوا الفرق القومية المتجهة إلى لبنان ساعات عديدة حتى طلوع الشمس وسمحوا لأخبار الهجوم بالوصول إلى الجيش اللبناني والدرك مما اضطر عساف كرم وزيد الأطرش لتبديل الخطة فتقرّر أن يهاجم الأطرش بنصف قواته القلعة ويذهب كرم مع قواته إلى الليطاني كي يشغل الجيش ويخفف الضغط عن راشيا ولمعرفتهم بالهجوم تمكن الدرك من صدّ الهجوم عند مدخل راشيا مما اضطر زيد الأطرش إلى التراجع إلى الحدود السورية حيث اعتقل وجماعته وأودع سجن المزة.
ـ الرفيق محمد أحمد الخشن:
ـ وصل الشهيد عساف كرم إلى منطقة وادي مشق وبرفقته 36 مقاتلاً، واستقرّوا في مغارة الضبع.
لأنّ المغارة قريبة من الطريق العام، ولأسباب أمنية انتقلوا في نفس الليلة إلى مطحنة على ضفة نهر الليطاني في خراج مجدل بلهيص.
ـ كلّف الرفيق أحمد مسعود الخشن الرفيقين زين قزويني ومحمد حسن كريم لمراقبة الطرق المؤدية إلى المطحنة.
ـ في اليوم الأول تمّ استطلاع مشغرة والطريق المؤدي إلى المخفر، وخطوط الهاتف، وقد رافق الرفيق أحمد مسعود الخشن، الصدر عساف كرم وثلاثة من مرافقيه، ثم عادوا إلى المطحنة.
ـ تقرر الانتقال إلى بستان يملكه الرفيق أحمد مسعود الخشن إلى جانب نهر الليطاني، في البستان مغارة كبيرة جرى التموضع فيها.
ـ كلف الرفيق أحمد مسعود الخشن الرفيقين رامز شعشوع وعلي قمر من سحمر لتأمين حراسة طريق وادي السلم وطريقاً ثانياً يشكل ممراً إلى مشغرة، ومواطنات لتأمين الطعام للرفقاء.
ـ الساعة 12 ليلاً توجهت القوة بقيادة الصدر عساف كرم إلى تلة تسمّى «جبل النبي» ومنها يمكن للمرء أن يطلّ على مشغرة وعلى سحمر، ويكشف كلّ الطرق بين البلدتين.
ـ من «جبل النبي» انطلق الرفقاء في مجموعات إلى مشغرة فاحتلوا المخفر بعد قطع خطوط الهاتف، فلم يجدوا مقاومة. بقيت مجموعتان في المخفر ومركز الهاتف وعاد الرفقاء إلى «جبل النبي» بانتظار أن تصل الإمدادات التي كان ينتظرها الرفيق الصدر.
ـ وصلت قوة من الجيش اللبناني واشتبكت مع الرفقاء المتواجدين في المخفر، وفي مركز الهاتف، فاستسلموا لها.
ـ علم الجيش اللبناني أن الرفقاء الآخرين متواجدين في «جبل النبي».
ـ غادر الشهيد عساف كرم «الجبل» إلى منطقة الزعارير في سهل مشغرة بالقرب من وادي السلم.
ـ وصل الجيش اللبناني في ثلاث فرق وطوّق الرفقاء وطلب منهم بواسطة مكبّرات الصوت الاستسلام.
ـ عندما علم الرفيق عساف أنّ المعركة باتت منتهية، أطلق من مسدسه رصاصة في رأسه، فيما استسلم الرفقاء.
ـ رفيقان تمكنا من الوصول إلى قليا، فوشى بهما مختارها، فتمّ اعتقالهما وهما الرفيقان الشهيدان لاحقاً محمد الزغبي ومحمد الشلبي.
معارك الشجرة ـ لوبيا واستشهاد الرفيق محمد ديب عينوس
تعتبر المعارك التي دارت في منطقة قريتي الشجرة ولوبيا من أعنف معارك القتال التي حدثت في شهري حزيران وتموز من العام 1948.
ونحن اذ نعرض موجزاً عن تلك المعارك نقلاً عن «الموسوعة الفلسطينية»، لنقدّم للقارئ القومي الاجتماعي، وللمواطن السوري، صورة عن المعارك التي اندلعت في سورية الجنوبية عام 1948 في مواجهة المخطط اليهودي المدعوم من دول عظمى ذات مصالح حيوية في أمتنا.
حصلت المعارك على مرحلتين، الاولى في 9-10 حزيران، وفيها تمكن جيش الإنقاذ من تكبيد العدو الصهيوني خسائر فادحة، بعد ان كان بدوره قد تكبد خسائر كبيرة، ووصل مقاتلوه إلى جدران مستعمرة الشجرة، ودخلت سرية من المجاهدين مدينة الناصرة.
في هذه الأثناء توقف إطلاق النار تنفيذاً لإتفاقية الهدنة الاولى.
إلا انّ القوات الصهيونية لم تلتزم كعادتها بالهدنة، فقامت لاعتداء على الأهالي في قرية الشجرة ومهاجمة قريتي»شفا عمرو» و «البروة»، لكن قوات جيش الإنقاذ أحبطت ذلك، ثم قام الاسرائيليون بالهجوم على قرية «خربة رأس علي» القريبة من «شفا عمرو» واحتلوها يوم 20 حزيران، فردّت عليهم قوات الإنقاذ بهجوم مضاد ونجحت بطردهم من القرية.
أما المرحلة الثانية فقد بدأت بالهجوم الذي شنته القوات الصهيونية صباح 8 تموز 1948، مستخدمة الطائرات الحربية في قصف بلدة «ترشيحا»، فضلاً عن الدبابات الثقيلة من نوع تشرشل وتشيرمان، والمدفعية الثقيلة.
استمرت المعارك محتدمة بين كرّ وفرّ، وبدون انقطاع، فارتفع عدد القتلى والجرحى، وقد أدّى نفاذ الذخائر بين أيدي «القوات العربية» إلى سحب المصفحات، وظهر احتمال سحب «القوات العربية» من «الشجرة». إلا أنّ ذلك كان سيؤدّي إلى سقوط الناصرة، لهذا تمّ الإقدام على تنفيذ عملية جريئة وذلك بتنظيم هجوم على قاعدة الشجرة ذاتها للإفادة مما يتوفر فيها من المؤن والذخائر. تمّ ذلك ليل 13 تموز وأحرزت «القوات العربية» النصر بالرغم من انها كانت مستنزفة القوى بعد صراع مستمر طوال ستة أيام بلياليها، وتكبّد فوج حطين من جيش الإنقاذ خسائر كبيرة، من بينها إصابة قائد الفوج بجراح بالغة واستشهاد أحد معاونيه وجرح الثاني، بالإضافة إلى إصابة أكثر قادة السرايا بجراح بالغة.
إلا أنّ قوات العدو الصهيوني ما لبثت أن أعادت تنظيمها وحشد قواها، وعاودت الهجوم، وفيما تزايد عدد القتلى والجرحى في صفوف جيش الإنقاذ، واحتلت القوى الصهيونية، «تل التين» تمكن جيش الإنقاذ من استرجاع «التل» في 15/07/1948 وتكبيد العدو خسائر فادحة.
إلا أنّ مدفعية العدو تابعت قصف مواقع الشجرة، وفي الوقت ذاته قامت قواته بتطوير هجومها على بقية القطاعات فاستولت على شفا عمرو. وفي الساعة 7,00 من يوم 16 تموز قام رتل من الدبابات الصهيونية بتطويق قرية صفورية، واستولى عليها في الساعة 9,25 من اليوم ذاته، وانتقل الصراع إلى أبواب الناصرة. وبدأت عملية هجرة كبيرة من الناصرة وصفورية وبقية المواقع التي سقطت في قبضة الاسرائيليين ولم تلبث الناصرة ان سقطت في قبضة القوات الصهيونية، وأصبحت قوات جيش الإنقاذ في الشجرة مهدّدة بالتطويق والإبادة. وفي الوقت ذاته بدأت القوات الصهيونية بالتحرك من «الناصرة» في اتجاه الشجرة، ومن طبريا نحو لوبيا والشجرة. فتمّ وضع سرية في وجه القوة الاسرائيلية الآتية من الناصرة، وسرية أخرى في وجه القوات الآتية من طبريا، وأخذت بقية القوات تنسحب من الشجرة بمفارز صغيرة، ثم أخذت السريتان تنسحبان إلى ان تمّت العملية في ليل 18 تموز. وتمركزت قوات جيش الإنقاذ على خط دفاعي جديد لا يبعد عن الشجرة أكثر من أربعة كيلومترات، وقامت القوات الصهيونية بهجوم كثيف على هذا الخط، قبل أن تستقرّ «القوات العربية» في مواقعها، فحدثت معركة عنيفة استمرت يومي 18 و 19 تموز. ونجحت قوات جيش الإنقاذ في إحباط الهجمات كلها، إلى ان توقف إطلاق النار في الساعة 17,30 من يوم 19/07/1948 في الهدنة الثانية، التي تحولت فيما بعد إلى هدنة دائمة.
*
في معارك لوبيا – الشجرة استشهد الرفيق محمد ديب عينوس من منفذية اللاذقية، وربما رفقاء آخرون إنما لم تُعرف أسماؤهم، إذ أنّ فصيلاً من 60 شخصاً كان توجه من اللاذقية – بانياس – الحفة وطرطوس والتحق بجيش الإنقاذ، وحارب في معركتي لوبيا والشجرة. من شهداء هذا الفصيل خمسة، كان منهم الرفيق محمد ديب عينوس.
قـريـة الشـجـرة:
تقع إلى الغرب من طبريا، بين قريتي كفركما في جنوبها الشرقي ولوبيا في شمالها الشرقي. ولها موقع جيّد على الطريق الواصلة بين العفولة جنوباً والمغار شمالاً، والتي تتقاطع (شمال الشجرة) مع الطريق التي تصل بين طبريا وكل من الناصرة وحيفا.
تحيط بهذه القرية التلال من الجهتين الشمالية الغربية والجنوبية الشرقية، بُنيت القرية على ارتفاع 275م فوق سطح البحر.
تعدّ الشجرة رابع قرى قضاء طبريا مساحة، إذ تبلغ مساحة القرية ذاتها 100 دونم.
وتبلغ مساحة أراضيها الزراعية 3,754 دونماً، تحتل أشجار الزيتون 700 دونم منها، وتشغل الطرق والأودية 164 دونماً. وتحيط بها أراضي قريتي لوبيا وطرعان، وتنتشر الغابات والأعشاب البرية على سفوح التلال الجنوبية المواجهة للقرية.
القرية ذاتها مكان أثري يضمّ أساسات أبنية وقطع حجر منقوش ومدافن منحوتة في الصخر، وتقع بجوارها بعض الخرائب، مثل خربة قيشرون في الشمال الشرقي وخربة بيين في الجنوب الغربي، وكلتاهما تضمّ أنقاض آثار قديمة.
*من أبناء قرية الشجرة الفنان ناجي العلي (الرسام الكاريكاتوري المعروف، اغتيل على رصيف احد شوارع لندن صيف 1987).
قـريـة لـوبيـا:
تبعد مسافة 13 كيلومتراً إلى الغرب – الجنوب الغربي من طبريا على الطريق الواصلة بين طبريا والناصرة. ومن أقرب القرى إليها قرية نمرين. وتقع لوبيا على تل تشرف منه على سهل فسيح في الشرق يقع ضمن منخفض يتخذ اتجاهاً شمالياً غربياً بين تل الجبلة الذي يرتفع 294م عن سطح البحر والتلّ الذي تقوم عليه القرية. وتمتدّ حقول القمح في هذا المنخفض، في حين تنتشر أشجار الزيتون شمالي القرية على السفوح الجبلية. وترتفع القرية 325 عن سطح البحر.
تعدّ لوبيا من حيث مساحتها ومساحة أراضيها الزراعية ثاني أكبر قرى قضاء طبريا. وتحيط بأراضيها أراضي قرى الشجرة وكفرسبت والمنارة وحطين وبعض القلاع اليهودية.
وقرية لوبيا ذاتها موقع أثري يحتوي على مدافن منحوتة في الصخر وقطع احجار كانت تستخدم للبناء. وعلى مسافة كيلومترين إلى الشرق منها بقايا بناء يسمى الخان ويحتوي على بركة مهدومة وآثار بناء بالحجارة الضخمة. ورما كان هذا الموقع محطة للتجار أيام العثمانيين.
دمّرت القرية تماماً في عام 1948 وشرّد أهلها وأقام الصهيونيون على أراضيها في عام 1949 مستعمرة «لافي».
ـ عام 1921 عقد في قرية لوبيا اجتماع شعبي للنظر في مقاومة الهجرة اليهودية إلى فلسطين، وتقرّر في هذا الاجتماع إعداد السكان للغارات على المستعمرات الصهيونية، وجمع المعلومات عن مقادير الاسلحة المتوافرة لدى اليهود.
*
نـبذة عـن الرفيق الشهيـد محمـد ديـب عينوس:
الاسم الكامل: محمد ديب عينوس.
مكان وتاريخ الولادة: اللاذقية 1922.
مكان وتاريخ الانتماء: اللاذقية 1946.
مكان وتاريخ الاستشهاد: «لوبيا» ـ فلسطين عام 1948.
*
لمـحة عـن حـياته:
كان يعمل في مطبعة الإرشاد في اللاذقية لصاحبها الشيخ أمين حكيم، وكان مدير المطبعة الأمين أديب عازار(1) وعندما أعلنت الحرب ضدّ اليهود في فلسطين لبّى نداء الواجب والتحق بجيش الإنقاذ وكان أحد أفراد الفصيل المؤلف من 60 شخصاً من اللاذقية، الحفة، بانياس وطرطوس حيث التحقوا جميعاً بجيش الإنقاذ. عند وصول هذا الفصيل أقام في المسجد وبعد ساعتين من وصوله بدأت المعركة.
حارب هذا الفصيل في معركتي «لوبيا» و «الشجرة» في الجليل الأعلى.
(1): أديب عازار: تولى في الحزب مسؤوليات محلية ومركزية. انتقل من اللاذقية إلى بيروت واستقرّ في منطقة الاشرفية، عُرف بثباته على إيمانه القومي الاجتماعي وبمناقبيته، أسر في سجن المزة بعد اغتيال العقيد عدنان المالكي. انتخب عضواً في المجلس الاعلى. أنشأ عائلة قومية اجتماعية وبقي حتى آخر رمق من حياته مؤمناً وعاملاً في سبيل القضية التي رهن لها وجوده.