90 دقيقة بين ابن سلمان وعبد اللهيان: تعاون أمني اقتصادي ولجان إقليمية
ناصر قنديل
لم يصمد الهجوم الأميركي المعاكس الهادف لاسترداد السعودية إلى بيت الطاعة الأميركي أسبوعين، وتبين أن سقف المكاسب الأميركية المحقق بالضغط على السعودية تمثّل بوضع اليد على ملف الرئاسة اللبنانية وإخراج السعودية منه أسوة بفرنسا، على قاعدة أن لهذا الملف ارتباطاً وثيقاً بأمن كيان الاحتلال، انطلاقاً من موقع حزب الله في الرئاسة وفي تهديد أمن الكيان، بينما أعادت السعودية في الملف السوري التموضع وراء عنوان اللجنة العربية تفادياً للضغوط الأميركية بداعي ان أي حراك في سورية من حلفاء واشنطن يجب ان يراعي وجود قوات أميركية في سورية وانعكاس أي خطوات في سورية على هذه القوات، لكن ماذا عن الملفات التي يصفها كل من الأميركي والسعودي بالملفات الاستراتيجية؟
جاء تهديد السيد عبد الملك الحوثي بالعودة الى خط المواجهة في حال لم تتحقق المطالب اليمنية المتعلقة بوقف الحصار، موضحاً أن هذا يعني تهديد الملاحة الدولية في البحر الأحمر وبحر عمان ومضيق باب المندب، فكانت مجدداً فرصة السعودية لاستكشاف الجديد الأميركي، بعدما كان السؤال بعد هجوم أرامكو هو ذاته، كيف ستردون على هذا التهديد؟ وجاء الجواب الأميركي هذه المرة كالمرة السابقة، ليست الحرب خياراً، والفارق هذه المرة ان الأميركيين سارعوا الى إرسال مبعوثهم الخاص لليمن لتشجيع الوساطة العُمانية، تحت شعار تنشيط مساعي الحل السياسي تفادياً لجولة عنف جديدة، فتأكد السعوديون أن لا شيء تغير، وأن الموجات الكلامية الأميركية لا تقدّم ولا تؤخّر في حسابات الأمن السعودي.
هنا برزت أهمية الاتفاق السعودي الإيراني كمفتاح للاستقرار الإقليميّ، كما قال وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان، بعد لقائه وزير خارجية إيران حسين امير عبد اللهيان، لكن اللقاء لا يكفي فكان لقاء لاحق لعبد اللهيان مع ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان. وهذا اللقاء لا يكفي، فالرياض تنتظر بحرارة زيارة الرئيس الإيراني السيد إبراهيم رئيسي، ومما نقلته وسائل إعلام محسوبة على السعودية على ألسنة مقرّبين من ولي العهد وفريقه، فإن لقاء التسعين دقيقة الذي جمعه مع الوزير عبد اللهيان كان اجتماع عمل مكثفاً، مليئاً بالعناوين التفصيلية، سواء في ما يتّصل بتطوير العلاقات الثنائية، أو في كيفية التعاون في تفكيك عناصر التوتر في المشهد الإقليميّ وبلورة مسارات لتسويات وحلول.
تقول المعلومات إن هناك قناعة إيرانية سعودية مشتركة بأن الدولتين بحجم مقدرات كل منهما، وتأثيرهما الإقليمي ومكانتهما في المعادلات الدولية، وموقع كل منهما في تمثيل البيئة الدينية الإسلامية، تملكان مفاتيح نهضة تشكل العالم الإسلامي إذا تعاملتا بذكاء وانتباه مع ما تمثلان، وأخذتا بالاعتبار التعقيدات والتحديات المحيطة، وإن هذا يعني وضع تصور واقعيّ لما يمكن بناؤه من أطر مؤسسية للتعاون الاقتصادي والأمني دون استفزاز القوى الاقتصادية والأمنية التي تنظر إلى منطقة الخليج كمنطقة مصالح دولية ذات أهمية خاصة، وإن حجم الفراغات التي تقع في قلب منظومة المصالح الدولية تتيح رسم مساحة للعمل المشترك على أسس صلبة تسمح بتوفير استقرار راسخ. وفي هذا السياق توقعت المصادر أن ترافق الرئيس الإيراني في زيارته المرتقبة إلى الرياض وفود ضخمة من الحكومة والقطاع الخاص على الصعيد الاقتصادي ووفود عسكرية وأمنية تمثل الجهات الفاعلة في هذا الملف. وتوقعت أن تنجز مسودات اتفاقيات التعاون في هذين المجالين خلال الفترة الفاصلة عن موعد الزيارة.
تقول المعلومات إن الاتفاق بين الطرفين على تشكيل لجان متخصّصة بالملفات الإقليمية قد اتخذ، وإن هذه اللجان سوف تبدأ عملها بهدوء، بعيداً عن الضجيج الإعلامي، وسوف تتحرك بواقعية نحو الملفات على خلفية إدراك تعقيداتها سواء في تشعب مصالح الدولتين أو في مكوناتها المحلية في كل بلد، وإن اليمن يتقدم هذه العناوين للأزمات، لكن التعاون لا يستثني ملفاً من ملفات التوتر، وأن البحث لن يكون على قاعدة تقليدية تفترض التوصل الى اتفاق سعودي إيراني يعرض على الاطراف المحلية، أو كما يتمنى البعض يفرض عليها، بل ان الذي يتطلع البلدان لفعله هو تشكيل فرق تفكير تساعد كل طرف بفهم خلفيات الطرف الآخر، وتساعد البلدين على فهم مواقف الأطراف المحلية والتعقيدات الدولية المحيطة بهذه الملفات، للبحث عن الأفكار التي يمكن تقديمها بما يراعي الخصوصيات والتعقيدات ويوفر بيئة أكثر استقراراً.