أولى

التمديد لـ «يونيفيل»: مواجهة دوليّة هل يربحها لبنان؟

‭}‬ العميد د. أمين محمد حطيط*
في الأسبوع الأخير من حرب الأيام الـ 33 التي شنتها «إسرائيل» على لبنان بهدف تفكيك المقاومة والإجهاز على حزبها القائد وتالياً تفكيك محور المقاومة للانطلاق الى إقامة الشرق الأوسط الجديد بهوية وملكية أميركية حصرية، في هذا الأسبوع وبعد أن تيقنت «إسرائيل»، ومعها كلّ من يدعمها في حربها وعدوانها، أنّ الحرب أخفقت في تحقيق هذه الأهداف وأنّ المقاومة فاجأتها وفاجأت العالم بأداء في الميدان يقارب الإعجاز العسكري تخطيطاً وإدارة وتنفيذاً، على حدّ ما جاء في تقرير لجنة فينوغراد بشكل «مكّن بضعة آلاف من المقاتلين من إفشال جيش إسرائيل في حربه». بعد كلّ ذلك اتجهت اميركا الى مجلس الأمن لتحصل منه على قرار وموقف يعوّض الهزيمة ويجعل «الشرعية الدولية» بديلاً لـ «العدوانية الإسرائيلية الفاشلة» أداة لتحقيق أهداف المحور الصهيوأميركي.
وفي هذا الإطار أعدّت فرنسا بإشراف أميركي ودعم بريطاني وحضور إسرائيلي وتأييد من بعض العرب، مسودة مشروع قرار لتمريره في مجلس الأمن الدولي، وضمّنته في البند 10 نصاً يحوّل قوات اليونيفيل العاملة في جنوب لبنان منذ العام 1978 بموجب القرار 425، من “قوة الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان”UNIFIL United Nations Interim Force in Lebanon تعمل تحت الفصل السادس، إلى قوات متعددة الجنسيات ذات طبيعة قتالية تعمل تحت الفصل السابع لتستكمل مهمة “إسرائيل” ضدّ المقاومة التي جرّعت “إسرائيل” كأس الهزيمة مرتين في العام 2000 ثم في العام 2006. وقد استفادت الجهة الدولية الساعية لتحقيق هذا الأمر من مواقف أطراف في الحكومة اللبنانية على رأسهم رئيسها وما طرحه مما أُسمي “النقاط السبع” التي تتضمّن الهدف الإسرائيلي الأساس المتمثل بتجريد المقاومة من سلاحها.
رفض لبنان ذاك المشروع رفضاً عبّر عنه بمواقف رئيس الجمهورية العماد إميل لحود وأداء المقاومة التي أظهرت قدرة على متابعة القتال دفاعاً عن لبنان ما أقلق “إسرائيل” التي أبدت بعد اليوم الـ 27 من الحرب استماتة في وقفها بسبب حجم الخسائر التي حلت بها على كلّ الصعد، وأمام صلابة رئيس الجمهورية وقدرات المقاومة رضخت القوى التي حضّرت مشروع القرار وتراجعت عن محاولتها وعادت الى صيغة يقبل بها لبنان وصدر القرار 1701 تحت الفصل السادس بشكل زاد من حجم اليونيفيل دون أن يعطيها صلاحية قتالية او عملانية ذاتية بمعزل عن الجيش اللبناني سوى حق الدفاع المشروع عن النفس، أما الحركة والعمل الآخر أياً كان نوعه وموقعه فكان مشروطاً بموافقة وحضور وتنسيق مع الجيش اللبناني ومحدوداً في بقعة عمليات لا تتعدّى نهر الليطاني.
ورغم هذا التراجع حمل القرار من التدابير ما يخفف من وطأة هزيمة “إسرائيل” ويظهرها خلافاً لإقرارها هي، في موقع من حقق بعض أهدافه خلافاً للواقع، صورة جعلت أصحاب المشروع الاوّلي يحتفظون بأهدافهم ويسعون الى تحقيقها بتعديل القرار لدى تمديد العمل به سنوياً ما رسم بين لبنان ومجلس الأمن وتحديداً القوى الحاضنة والعاملة لتحقيق مصالح “إسرائيل” مشهد الحذر الدائم من التعديل والعودة الى الصيغة الأولية للمشروع، ولذلك تكرّرت محاولات التعديل لأكثر من مرة وفشلت، الى ان كان العام 2022 حيث ضربت قوى التعديل ضربتها في ظلّ قصور أو تواطؤ من بعض حكومة تصريف الأعمال في لبنان ومرّر بعد 16 عاماً تعديلاً يسقط القيد عن حركة اليونيفيل ويسقط شرط موافقة الجيش اللبناني على عملياتها ما سجل سقوطاً واضحاً للدبلوماسية اللبنانية ووزارة الخارجية والحكومة بلغ حدّ وصفه البعض بأنه تفريط بسيادة لبنان.
واليوم ومع حلول موعد التمديد السنويّ، وتأسيساً على كتاب لبنان الى الأمم المتحدة طلباً لهذا التمديد، كلفت فرنسا باعتبارها وفقاً للتسمية الاصطلاحية في مجلس الأمن “حامل القلم” في هذا الموضوع كلفت بإعداد مسودة التمديد، فانطلقت مستفيدة من إنجاز التعديل في السنة الماضية ومستجيبة للمطالب الأميركية والإسرائيلية. انطلقت الى إعداد مسودة ضمّنتها أكثر من 20 تعديلاً لفظياً أو تعبيرياً أو عملانياً أو قانونياً أو استراتيجياً. تعديلات اذا تمّ تمريرها في مجلس الأمن يكون من شأنها ان تجعل من القرار 1701 قراراً تحت الفصل السابع دون ذكر ذلك بالنص الحرفي. الأمر الذي يطيح بكلّ ما صنعته المقاومة من أجل لبنان ويفتح الباب لا بل أبواب الشر على المصالح والحقوق اللبنانية التي وفرتها وحمتها ثلاثية “الشعب والجيش والمقاومة” ويوطئ الأمر أمام تعديلات لاحقة تجعل لبنان ومقاومته ملاحقاً دولياً وتغفل احتلال “إسرائيل” لأرض لبنانية (13 منطقة على الحدود مع فلسطين المحتلة، وخراج بلدة الماري شمال الغجر السورية، وتلال كفرشوبا ومزارع شبعا).
ومن الأمثلة على التعديلات او اقتراح التعديلات الجديدة التمسك بتعديل السنة السابقة وتطويره نحو صلاحية عملانية أوسع بعيداً عن الجيش اللبناني، وإبدال تسمية “الفصائل المسلحة” التي يُشار بها الى المقاومة بتسمية “الجماعات” او “المجموعات المسلحة” وهي التسمية المصطلح عليها في مجلس الأمن للدلالة على الجماعات الإرهابية سواء تضمّنت عبارة “إرهابية: او لم تتضمّن وتكون في أيّ حال توطئة لإضافة هذه العبارة لاحقاً، ومن التعديلات أيضاً الإشارة الى انّ إسرائيل أدخلت “تحسينات” في منطقة احتلالها للأرض اللبنانية شمال الغجر وكأن الأمم المتحدة بصدد شكر “إسرائيل” على احتلالها هذا.
وأعتقد بأنّ “إسرائيل” ومعها القوى الداعمة لها ضدّ لبنان ومقاومته رأت أن تشنّ هذا “الهجوم” الدبلوماسي على لبنان من باب مجلس الأمن مستفيدة من التردّي القائم في الوضع اللبناني من فراغ وانهيار، الأمر الذي يفرض على الجميع التصدي له حتى لا تتمكن “إسرائيل” من الحصول في مجلس الأمن على ما عجزت عن الحصول عليه في الميدان، في ظرف هي بأشدّ الحاجة فيه الى كسب او إنجاز يعوّض إخفاقها خاصة بعد ان أطلق الأمين العام قائد المقاومة في لبنان “معادلة العصر الحجري” الذي ينتظر “إسرائيل” اذا اعتدت وشنّت حرباً، وأنّ لبنان يملك من وسائل الدفاع الوقائي او الفعلي الجدّي ما يمكنه وبكلّ تأكيد من إفشال مخطط التعديل المطروح وفي يده بصورة خاصة:
1 ـ رفض الحكومة للتعديلات وتذكير أصحابها بانّ القرار 1701 صادر تحت الفصل السادس، وأنّ تنفيذه متوقف على قبول الدولة المعنية.
2 ـ سعي وزارة الخارجية لدى الدول الصديقة طلباً للتراجع عن هذه التعديلات وإسقاطها حتى لو اقتضى الأمر استعمال حق الفيتو لإسقاطها ويتحمّل وزير الخارجية المسؤولية الأساس في هذا المسار.
3 ـ الإصرار على بقاء التمديد بصيغة الـ 2021 وهنا ينوّه بما قامت به القائم بأعمال رئيس بعثة لبنان لدى الأمم المتحدة للدفع في هذا الاتجاه بنص كتابها الى مجلس الأمن.
4 ـ التهديد بسحب لبنان طلب التمديد لليونيفيل إذا أصرت قوى الهجوم عليه بالتمسك بهذه التعديلات.
5 ـ إعلان موقف من قبل القوى اللبنانية غير الحكومية يتضمّن رفض التعديل الذي يمسّ بسيادة لبنان ومقاومته رفضاً تحت طائلة تحوّل اليونيفيل بنظرها الى قوات محتلة خلافاً لإرادة لبنان.

*أستاذ جامعي ـ باحث استراتيجي.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى