دبوس
الأسود قادمون
نحن نقبل بهذه الوتيرة، أن يقوم أحد الأسود المنفردة من وقت لآخر، كلّ أسبوع أو كلّ أسبوعين، أو حتى كلّ شهر، بالانقضاض على بعضٍ من الجنود أو المستوطنين، وقتل ما تيسّر منهم، واحد أو اثنين أو ثلاثة، فـ بالقدر الذي يجعل الاستشهاد أمهات أسودنا يخرجن مزغردات متلقيات للتهاني رافعاتٍ للرؤوس مثل أمّ إبراهيم النابلسي العظيمة، وبالقدر الذي تفرض الشهادة لدينا حالةً من الانموذج الذي يتسابق أشبالنا لتقليده والتمثّل به، مما يخلق حالة تشبه المتوالية الهندسية تنبثق عند شهادة أسد من الأسود، بالقدر الذي تخلق حالة قتل أيّ وغدٍ من أوغادهم سواء من الجنود أو المستوطنين، شحنة سلبية من اليأس ومن الشعور بالنهاية، وعبثية وخسران هذا المشروع الصهيوني البائد…
الشهادة بالنسبة لنا، احتفالية تستدعي الفرح والأمل واقتراب النصر، بينما يستدعي مقتل أيّ فرد منهم الشعور بالإحباط وقرب النهاية ولاجدوية المشروع برمته، اقتلوهم أيها الأحبة حيث ثقفتموهم، ولا تقفوا كثيراً عند المقارنة بالأعداد، نحن حينما نقاتل نطارد الموت ونتخذه ظلّاً ونتقمّصه ولا نبالي، فالقرار بالانخراط في القتال الغير متكافئ يحمل في طياته استحضاراً لمصير الشهادة في أية لحظة، فتندفع أسودنا يطلبون قبل كلّ شيء الشهادة وهم فرحون، بينما يقاتل هؤلاء الأوغاد وهم مذعورون يتلفّتون شمالاً ويميناً، ولا يطلبون شيئاً سوى النجاة والخروج من الموقف سالمين آمنين، وكلّ ما يريدون هو العودة الى أحضان عائلاتهم وهم أحياء كيما يمارسوا هذه الحياة الآثمة الباغية بدون إصابة أو عاهةٍ، وبالتأكيد أحياءً مفعمين بها وغير مقتولين…
الشهادة بالنسبة لنا هي مرتبة بالغة الارتفاع، وهي حياة أخرى عند ربنا نرزق فيها وننعم بفضل الله، والموت عندهم هو كابوس، وهو فناء مرفوض وانتقال الى منطقة العدم، وهو فقدان لكلّ المتع والترف والفرح الذي يمارسونه الى مصير عدمي مجهول، لا يعلمون عنه شيئاً، ويرفضونه بكلّ ما يستطيعون من قوة، بما في ذلك الفرار والاختباء وإلقاء السلاح، وأحياناً، البكاء كالنساء طلباً للرحمة وطلباً للنجاة.
هم أتوا الى ما يسمّونه أرض الميعاد طلباً للحياة وللتمتع بهذه الحياة، وبالمنّ والسلوى والعسل، ونحن خرجنا لهم طلباً لتحطيم مشروعهم البائس المزري التوراتي المقيت، ويهون كلّ شيء في سبيل دفن هذا المشروع، بما في ذلك الموت والشهادة في سبيل الله والوطن، هذا هو الفرق بين مشروعهم ومشروعنا.
سميح التايه