قمة «بريكس»… تكتل عالمي مهمّ جداً
} رنا العفيف
تجمع دولي مميّز حقق خطوات إلى الإمام، لا سيما أنّ الحديث كثير عن إلغاء هيمنة الدولار، والعالم يترقب النتائج؟ وعناوين بارزة تلفت أنظار الولايات المتحدة، كيف تنظر هذه الدول إلى طموحات وأهداف مجموعة بريكس؟
قادة بريكس يدعون إلى نظام دولي متعدّد الأقطاب وأكثر عدلاً وإلى التعاون،لا إلى المواجهة في العلاقات الإقتصادية الأكثر هيمنة، ومع ذلك لا يخلو الأمر من بعض الاختلاف في وجهات النظر، ولكن يكفي أن مجموعة بريكس تضمّ خمسة دول هي صاحبة أسرع نمو اقتصادي في العالم وهي البرزايل وروسيا والهند والصين وجنوب أفريقيا…
أيضاً هي دول ذات ثقل سياسي كبير، ربما تفتح أبوابها أمام عشرين دولة جديدة، ما قد يحوّل المجموعة إلى تكتل عالمي مهمّ جداً، إلا أنّ البعض ينظر إليها بنظرة تشاؤمية، ذلك من خلال بعض اختلاف وجهات النظر، ولكن هذا لا يعني أنها لم تحقق نتائج! استنادا لما قاله الرئيس الروسي فلاديمير بوتين واتهم الغرب بالسعي إلى الهيمنة عالمياً، حيال ذلك والحرب في أوكرانيا أكد بوتين على نشوء عالم متعدّد الأقطاب بمرجعية دولية، وضرورة العمل الوثيق لتقوية سلاسل الإمدادات والانتقال إلى التسويات بالعملات الوطنية والتحوّل إلى العملات الرقمية، ما يعني أنّ روسيا ومن معها يؤيدون خطوات التقدّم والإزدهار والتنمية والتطوير.
كلّ ما سمعناه في قمة بريكس يفضي ربما إلى المزيد من الخطوات ولو كانت بالحدّ المعقول، لطالما روسيا تأخذ منحى سياسة الخطوات المتأنّية لفكفكة العقد المالية للبنك الدولي، وهذا طبعاً يتطلب بذل جهد وتعاون يقتضي بمتطلبات وأهداف هذه القمة على مستوى عالمي، كما يفي بحلّ وجهات النظر، وطبعا تودّ دول بريكس أن تحلها، لكي تكون النتائج المرجوة سواء كانت في المستقبل أو في المدى، يفي بمزيد من العدالة والأزدهار، ولكي يتحقق ذلك يجب تخطي مشكلة الخلاف في وجهات النظر أو التقليل منها على اعتبار خطوات هذه القمة تفضي بتحسين الوضع العالمي، وبالتالي هناك خطوات وأهداف متعددة ومختلفة لا يوافق عليها كلّ أعضاء بريكس، مثلاً في ما يتعلق بالعملات المحلية وربما هذا ليس مشروعاً قصير الأمد وإنما يمكن ربما تطبيقه، وهو لا يتمّ التوافق عليه من كلّ هذه الأطراف، لا سيما أنّ بعض المراقبين تنبّأ لها على أنها صعبة التحقيق، نظراً ربما لشروط هيمنة صندوق النقد الدولي على الدول، إذ جاء في بيان بريكس عبر سنوات ماضية التعامل بالعملات المحلية أو عملة موحدة لدول بريكس وهذا مشروع طرح، وقال بعض المعلقين على هذا الأمر أنه لا يبدو واقعياً، ولكن روسيا ربما تحاول إيجاد حلول، وقد يبدو الأمر معقداً من ناحية فكّ سلاسل قيود صندوق النقد الدولي، الذي تسبّب بضرر لروسيا في التسعينات ولعب دوراً سلبياً وقدّم قروضاً على أسس مشبوهة، وهذا لم ينقذ اقتصاد روسيا وإنما تسبّب في مشاكل عديدة، ليس فقط لروسيا وإنما لدول عربية كثيرة أيضا…
الأمر الآخر هو سبيل التخلص من الهيمنة المالية الغربية، طبعاً هذا ليس بالأمر السهل لأنّ هناك بنكاً مشتركاً لدول أعضاء في تكتل بريكس على سبيل المثال البرازيل التي تترأس البنك، تعترف بأنّ هناك بعض العقوبات في الاستثمار من قبل هذا البنك في روسيا، وبالتالي يكون السبب الأساسي هو الضغوط الغربية ضدّ روسيا، بالرغم من أنّ هذا البنك تابع لتكتل بريكس وهو ما زال جزءاً من السيستم العالمي من النظام المالي العالمي،
إذاً الأمور ليست سهلة، ولكن كما ورد أعلاه بأن روسيا تتعامل بسياسة الخطوة تلو الأخرى التي من الممكن أن تكون لها نتائج أو تقدّم من خلال صفقات تجارية جديدة، استكمالاً لاستخدام عملات محلية في سياسة التبادل التجاري ما بين روسيا والصين، لا سيما أنّ هذا البنك نفسه يقدّم الآن قروضاً بالعملة الصينية «يوان»، ولكن هناك مشروعاً بتقديم قروض بعملتين، وهذا طبعاً يساهم في تقليص الهيمنة الأميركية المالية ويضعف الدولار كعملة، أيضاً ضمن هذا التقدم هناك دول كثيرة بعضها حليف تقليدي للولايات المتحدة، تطلب وتسعى جاهدة لتكون جزءاً من هذا التكتل العالمي، ما يشي بأنّ واشنطن تفقد نوعاً من هيمنتها، وذلك ربما بقدرات دول بريكس نفسها ما لم يكن بدونها من خلال القوى العالمية مثل روسيا والصين ودول الشرق الأوسط، وحتى في أميركا اللاتينية وغيرها مما تنجذب للتجمعات الدولية بعيداً عن المنظومة الغربية وبدأوا يبحثون عن بدائل كي لا يكون العالم تحت هيمنة الولايات، لأنّ الدولار الأميركي مهيمن على الإقتصاد العالمي، ليس بسبب السياسة الأميركية، وإنما بسبب حسن الإدارة المالية الأميركية لسنوات طويلة سابقاً ونجاحها على المستوى الإقتصادي والمالي وهذا واقع يعلم به الجميع…
بالمجمل اليوم قادة بريكس يشكلون تحدياً جيوسياسي لمواجهة العقوبات ووضع حدّ للهيمنة ما لم يكن التخلص منه في الحدّ الأدنى، على النحو الآتي أولاً التخلص من العقوبات المفروضة على كلّ دولة لأنها تعد مشكلة، وللتوصل إلى عالم أكثر عدالة يجب إيجاد بديل للصندوق النقد الدولي والبنك الدولي لأن ما من طرف حول العالم وغيرها أقلّ كفاءة وقدرة من روسيا والصين اللتان تعملان على وضع حدّ للتخلص من الدولار ولا أرى ذلك مستحيلاً، لطالما هناك تحدّ وإرادة صلبة تتجسّد بشخصية بوتين وكلمته التي يتراءى لنا بأنه يملك مساعي قوية لها أهداف ربما قادرة على حلحلة تحسين السياسات الدولية في المجال المالي وهذا أمر جيد ومقبول، حتى ولو كانت هناك أهداف جيوسياسية معينة تتناقض مع الأهداف السياسة الاقتصادية والمالية لهذه الدول، وقد تكون هذه القمة مهمة جداً في المستقبل وقد يحقق الأهداف على المستوى المطلوب، كما أيضاً سيتبلور جزء منها ولو كان هذا الجزء بطيئاً، إلا أنّ أهداف دول بريكس التي تتجسد بتعزيز النمو والعدالة المالية تبقى بطبيعة الحال لها معايير وأسس قد تقلب موازين العقوبات وفقاً لمستقبل بريكس الجوهري الذي يترقبه العالم…