مولوخ ودراكولا «تراثان» يعيشان على دماء الأطفال عبر الأجيال
} سارة طالب السهيل
قبل خمس سنوات كنت «أدردش» مع صديقة مصرية، فقصّت عليّ بعضاً من حكايا طفولتها المخيفة والمرعبة، فقد كان جارها (عم عبد السلام) رجلاً طيباً حنوناً ويتعامل معها كابنته التي لم ينجبها لأنه لم يُرزَق بأبناء، فيجلب لها الحلوى والورود ويصطحبها يوم عطلته الأسبوعية الى السينما وتشاركه هوايته مشاهدة أفلام دراكولا وتعود الى أهلها خائفة مذعورة !
في الوقت نفسه كانت تستمع لحكايا مرعبة بشأن الماكينة التي تدار لنقل صور الفيلم على الشاشة، لا تعمل بداية تشغيلها إلا إذا وضع فيها طفلاً بريئاً وتسيل دماؤه الطاهرة.
صديقتي لم تنس يوماً هذه الحكايا ولا دراكولا، وكانت تظنّ انّ مثل هذه الحكايا مجرد أقاويل تتناقلها البلدة كنوع من «الفانتازيا»، وأنا مثلها ظننت أيضاً انّ هذه الحكايا محض فانتازيا، حتى طلت حكاياها بأمّ رأسي مجدّداً، وخاصة بعد ان انتشر الحديث عن عبَدة الشيطان وطقوسهم ومن بينها تقديم قرابين بشرية لإبليس (اللهم احفظنا وإياكم) .
فمن أين جاء إنسان عصرنا الحالي بهذه الأفكار والطقوس الشيطانية؟ وهل هذه الوثنية الممجوجة والوحشية بالتهامها الأطفال القرابين لها أصل في ثقافة البشرية بالأزمنة السحيقة أم لا؟
وهل تقديم السينما شخصيات الوحوش ودراكولا مصاص الدماء مجرد «فانتازيا» أم كان تمريرها لعقول الناس ولقبولهم فكرة الإله الوثني وإبراز قوته وتفوقه على بني البشر؟!
مولوخ والأطفال…
بالرجوع الى الميراث البشري وجدنا تقديم الأطفال قرابين للنار موجودة بالعديد من الثقافات القديمة بأفريقيا وآسيا التي ارتبطت بالنار وعبدت الإله الوثني مولوخ، والذي أيضاً تعدّدت مسمّياته .
فهو الإله الفينيقي بَعْل مُولوخ شرِهاً إلى الدماء، مُغرَماً بالقرابين البشرية، وخاصة الأطفال وحرقهم على مذبحه، فيُنزِل بركاته على أتباعه، وتُقدّم لها الأضاحي بشهر إبريل ويحتفل البستان البوهيمي في كاليفورينا بحضور شخصيات كبيرة بهذه الطقوس ّ!
وفي منطقتنا العربية كان حضور مولوخ قوياً خاصة في المناطق الكنعانية والتي تشمل حالياً فلسطين المحتلة وبعض أجزاء من الأردن وسورية ولبنان .
في التأويل الإسلامي يذهب المفسّرون الى انّ مولوخ هو بعل بمعنى السيد أو الحاكم ورد اسمه في سورة الصافات في قصة النبي الياس وقومه الذين عبدوا صنم بعل لإستنزال المطر.
وفي بابل خلال عهد النبي إبراهيم حيث انتشرت عبادة الشمس بواسطة حاكمهم النمرود، وتسلطت الشياطين على قومه، وأكبرهم مولوخ السيد او الملك يقدّمون له أطفالهم لدفع الشرور عنهم، والحصول على القوة عبر طقس قرع الطبول والحان المزامير ليأتي دور الكهنة بإشعال النار تحت الصنم ووضع الطفل بداخله فيحترق حتى الموت.
كنا نظنّ هذه أساطير خرافية لكنها كانت حقائق واقعية أثبتتها أدلة عديدة منها ما نعيشه في عالمنا المعاصر من افعال شيطانية.
في التأويلات الإسلامية، فقد حارب الله مولوخ في العراق، بأبي الأنبياء ابراهيم عليه السلام وابنه اسماعيل الذبيح، عندما ضحّى به وقدّمه كبش فداء، حيث كان الشيطان «فوميت» يتشبّه بالكبش والماعز فكان ذبح الكبش كناية عن ذبح عقيدة الشيطان وشطبها من أساسها .
في اليونان عُرف مولوخ بأسماء مختلفة مثل ميلكوم أو مولك أو مولكوم أو مولوك .
وفي نصوص الكتاب المقدّس عُرف اسم مولك في سفر أرميا وهو الإله الوثني بالبعل، كما عُرف أيضاً لدى الشعوب التي عبدت الشمس، والأخرى التي عرفت البومة.
أخذت عبادة مولوخ طقوساً متنوّعة، بعضها ذو طبيعة لها اختراقات أخلاقية عديدة، وتقديم الأطفال قرباناً بجعلهم يمرّون على النار، وكانت الأُسر تعتقد بأنّ تقديم الإبن الأكبر قرباناً يحقق لهم الوفرة الاقتصادية لباقي الأبناء .
ونصوص العهد القديم تشير إلى وجود معبد في الهواء الطلق بالقرب من القدس تُقدّم فيه قرابين الأطفال ومعروفاً باسم توفة، ويقع في وادي بن حنون، ولم يعثر على بقاياه الأثرية، كـ إله بجسد رجل ورأس ثور، وعرف باسم Topheth يجسّد مولوخ بتمثال «الثور المقدس». وفي تماثيل مولوخ المصنوعة من البرونز سبعة ثقوب تعتبر غرفاً، في كلّ واحد منها يُودَع قرباناً من طحين، طيور، شاة، أبقار وأطفال.
وارتباط مولوخ بالبومة له تأويلات مختلفة في العالم بين الحضارات القديمة.
ففي حضارتنا الحديثة يؤول رمز مولوخ بالبومة كرمز للحكمة، أما الشعوب القديمة كاليونانيين والعبرانيين والعرب تعبّر عن الشياطين والموت .
ويذهب بعض المؤرّخين الى أنّ عبادة مولوك لا تزال سارية حتى يومنا هذا بفضل الماسونيين، ووجودها أيضاً لدى النادي البوهيمي في الولايات المتحدة التي أنشئت عام 1872 ولها رموزها الخاصة بها أشهرها بومة مرتبطة بمولوك.
تجسيدات مولوخ الفنية والأدبية
حضرت تمثيلات مولوخ في الأدب ببعض القصائد والروايات كما فـي أعمال مثل روبين داريو وفريدريك نيتشه ودان براون. وقدّمته السينما في صورة وحش، وفي شخصيات ألعاب الفيديو كـ إله قديم، بينما يحفظ مولوخ إلهاً لوسيفيرياً، في متحف تورينو السينمائي.
أخيراً، بعد هذه الوقائع هل يمكننا تصديق فكرة انّ الأخيلة العديدة التي عشناها وقرأناها بأعمال أدبية وأخرى فنية هي مجرد أساطير خرافية؟ شكّي هو يقين بأنّ هذه الأساطير نسيج لإبليس وأعوانه مثل مولوخ والذي يتشكّل في كلّ عصر بأشكال مختلفة ومسميات متنوعة لتدفع الناس بالنهاية لتكريس عبادة إبليس بالأرض من دون الله الواحد القهّار، عبر قضاء البراءة والطهارة المتمثلة في دماء الاطفال الأطهار.