هل يمكن أن تشتعل الحرب من سورية؟
ناصر قنديل
– حتى الآن من الواضح أن الأميركي لم يخرق الخطوط الحمراء بعمل ميداني، والكلام المنسوب عن عمل عسكري في منطقة الحدود السورية العراقية، لا يزال كلام محللين وشخصيات إعلامية تشغّلهم واشنطن وتستطيع التنصل من انتسابهم إليها، وتريد استخدامهم في خلق مناخ من التهويل والحرب النفسية، لإحباط المقاومة التي يعرف الأميركيون أنها انطلقت ولن تتوقف حتى رحيلهم من الأراضي السورية. وهذا التصعيد الإعلامي يراد منه رفع معنويات الميليشيات التي يحركها الأميركيون، وتنشيط تنظيم داعش لتفعيل عملياته وتوسيع نطاقها، أملاً بخوض حرب استنزاف تكون بديلاً عن حرب المقاومة على الاحتلال الأميركي.
– ما يجري في السويداء رغم محاولات تضخيمه، لا يخرج عن سياق الرسائل التي تستخدم مشكلة حقيقية هي ضغط الواقع المعيشي الصعب، كما حدث في 17 تشرين 2019 في لبنان والسعي لتوجيه هذا الغضب ضد الدولة السورية وخيارها السياسي، وموقعها في محور المقاومة، لكن مشكلة الأميركيين أنهم لم يستطيعوا تحريك جمع يتجاوز المئات، في منطقة حشدت لسلطان باشا الأطرش خمسين ألفاً من أبنائها بينهم خمسة آلاف فارس. فالسوريون ومنهم أهالي السويداء، رغم موقع قيادتهم الروحية والسياسية غير المؤيّد بوضوح لمؤسسات ورموز الدولة ومشروعها، يعلمون أن هذه الدولة بما لها وما عليها، كانت تؤمن الكهرباء والمشتقات النفطية، رغم مآخذهم المشكو منها، وتقدّمها بأسعار بخسة للسوريين بلا استثناء، ومعها خدمات الطبابة والتعليم والاستشفاء، وحمت سعر الصرف من الانهيار، فقط لأن آبار النفط والغاز التي يحتلها الأميركيون اليوم كانت تحت سيطرة هذه الدولة السورية، وأنه في اليوم الذي تستعيد الدولة هذه الآبار سوف تشتغل معامل الكهرباء وتشتغل المصافي، وتتوقف عملية استنزاف العملات الصعبة التي تؤثر على سعر الليرة، ولذلك يستطيع من لديه أجندة سياسية خاصة معادية للدولة السورية أن يكابر وينكر هذه الحقيقة، لكن المواطن الطبيعي غير الملوّث بحسابات تشوّش عليه الرؤية لا يحتاج إلى تحليل ليسأل لماذا تغيب اللافتات التي تطالب بالانسحاب الأميركي من آبار النفط والغاز عن الحراك؟
– محاولة الدفع بالمشهد نحو الصدام تحتاج فريقين. ويبدو أن الدولة السورية لا زالت تنجح بتفادي الانزلاق الى الصدام، وتبقى الخشية من دخول جماعات داعش على الخط بأعمال تفجير تسيل الدم في السويداء لتوجيه الاتهام للدولة السورية وأجهزتها وتحريض الناس عليها، لكن يبقى أن عقلاء وحكماء السويداء، حتى الذين لا يتفقون مع الدولة السورية على خياراتها، يدركون خطورة الوضع، وهم معنيون بطرح سقوف واقعية للحوار، من النوع الذي لا يمكن لمنطقة واحدة أن تفرضه بالنيابة عن كل السوريين، كما يدركون أنهم معنيون بالانتباه الى أنه الى جانب ما يطرحونه من مطالب فإن عليهم إدراك أولوية الدعوة لرحيل القوات الأميركية وتحرير الثروات النفطية من سيطرتها.
– في كل الأحوال لا يبدو أن التراجع عن مقاومة الاحتلال الأميركي وارد، وأن المشروع الأميركي بمقايضة العمليات الافتراضية بأعمال المقاومة، لشراء أمن الاحتلال بذريعة وقف التصعيد، ليست مقايضة مقبولة بالنسبة للمقاومة وسورية ومحور المقاومة. فثمن الحد الأدنى لأي وقف للنار التي لم تندلع بعد، هو المغادرة السريعة والفورية لحقول النفط والغاز لحساب الدولة السورية، وبخلاف ذلك فالمقاومة الى تصاعد، وعلى الأميركي أن يقرّر ما إذا كان مستعداً أن يدفع ثمن الاحتلال من دماء جنوده، لا من دماء السوريين كما فعل خلال السنوات التي مضت. وهنا يبدو من الواضح ان التهويل الأميركي خير دليل على أنه لن يتحمل نزيف الدم عندما يصبح مصير جنوده على المحك، وهذا هو معنى الرسائل التي يوجهها عبر الوسطاء بأنه لا يريد تصعيداً.