أولى

نظام عالمي جديد غير أميركي…

‭}‬ أحمد بهجة*
شهد العالم خلال الأسبوع الماضي حدثاً استراتيجياً سيكون له بالتأكيد الكثير من التأثيرات على مستوى التوازنات والعلاقات الدولية لا سيما على مستوى الاقتصاد العالمي بأسره.
الحدث الكبير هو إعلان مجموعة بريكس من قمتها في جنوب أفريقيا عن قبولها انضمام ستّ دول جديدة إليها هي: مصر وإيران والسعودية والإمارات والأرجنتين وأثيوبيا.
وقبل الدخول في تفاصيل وتأثيرات هذا التوسّع لا بدّ من لمحة صغيرة عن مجموعة بريكس التي تمّ الإعلان عن تشكيلها عام 2009 بداية من أربع دول هي: روسيا والصين والهند والبرازيل، وقد أطلق على المجموعة اسم «بريك»، وهو مكوّن من الأحرف الأولى باللغة الإنجليزية لأسماء الدول المشاركة، وفي العام التالي 2010 انضمّت جنوب أفريقيا ليصبح اسم المجموعة «بريكس»، أما اليوم مع انضمام ست دول جديدة فقد صار عدد أعضائها 11 دولة لكن اسمها لن يتغيّر كما أعلن وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف.
أما عن التأثيرات فهي بالدرجة الأولى اقتصادية، لأنّ هناك بعض التباينات السياسية بين الدول الأعضاء، خاصة أنّ عدداً من هذه الدول هي في التصنيف من ضمن النفوذ الأميركي. إضافة إلى أنّ بعضها الآخر لديها تباينات سياسية وليست العلاقات في ما بينها على ما يُرام، كما هو الحال بين مصر وأثيوبيا مثلاً…
لذلك تركز الدراسات والتقارير الصحافية العالمية بمعظمها على الجانب الاقتصادي، وترجئ الإضاءة على الجوانب السياسية إلى مراحل لاحقة، مع التذكير بأنّ الاتحاد الأوروبي بدأ منذ خمسينيات القرن الماضي بعد الحرب العالمية الثانية كمجموعة اقتصادية، وكانت نواته الأساسية ألمانيا بقيادة المستشار كونراد أديناور وفرنسا بقيادة الجنرال شارل ديغول، وتطوّرت الأمور على مرّ السنوات من سوق أوروبية مشتركة تضمّ دولاً قليلة وصولاً إلى الاتحاد الأوروبي الحالي الذي يضمّ 25 دولة.
إذن التركيز اليوم هو على التأثيرات الاقتصادية ثم لاحقاً الجيو ـ استراتيجية التي ستعكسها مجموعة بريكس على المستوى العالمي… ومن المؤشرات المهمة التي يجب رصدها، لإدراك مدى أهمية هذا التوسّع هي:
ـ ازدياد إجمالي الدخل القومي السنوي للمجموعة بنسبة 11.27%، من 23.68 تريليون دولار الى 26.55 تريليون دولار. فيما الدخل القومي للولايات المتحدة هو 25.34 تريليون دولار، والاتحاد الأوروبي وبريطانيا هو 20.2 تريليون، ومجموع دول الناتو هو 45.54 تريليون دولار.
ـ ازدياد مساحة بلدان المجموعة بنسبة 24.54%، من 39.75 مليون كيلومتر مربع الى 59.5 مليون كيلومتر مربع. فيما مساحة أميركا هي 9.3 مليون كيلومتر مربع، والاتحاد الأوروبي وبريطانيا هي 4.72 مليون كيلومتر مربع، ومساحة مجموع دول الناتو هي 52.72 مليون كيلومتر مربع.
ـ ازدياد عدد سكان المجموعة بنسبة 10.69%، من 3.21 مليار نسمة الى 3.43 مليار نسمة. فيما عدد سكان أميركا هو 333 مليون نسمة، والاتحاد الاوروبي وبريطانيا هو 515 مليون نسمة، ومجموع عدد سكان دول الناتو هو 945 مليون نسمة.
ـ ارتفاع نسبة التجارة الدولية بنسبة 28.79% من 19.8% من مجمل التجارة الدولية الى 25.5% من مجمل التجارة الدولية. فيما نسب الدول الأخرى من مجمل التجارة الدولية هي كما يلي: أميركا 15.8%، الاتحاد الأوروبي وبريطانيا 50.3%، ودول الناتو: 67%.
ـ نسبة الاحتياطي النفطي العالمي: ارتفعت بنسبة 66.5%، من 32% الى 54% من إجمالي الاحتياطي النفطي العالمي. فيما نسبة احتياط أميركا هي 17.4%، والاتحاد الأوروبي وبريطانيا هي 14.8%، ونسبة الاحتياطي النفطي لدول الناتو مجتمعة هي 32.2%.
هذه أرقام جوهرية لا يمكن لأيّ دولة تجاوزها حين تريد وضع استراتيجياتها السياسية والاقتصادية المستقبلية، لا سيما أنّ المقارنات تظهر أنّ مجموع الدخل القومي لدول بريكس تخطى الدخل القومي الأميركي، ويساوي أكثر من نصف مجموع الدخل القومي لدول الناتو. ولا بدّ أن تحاول الدول الغربية بأية طريقة ممكنة عرقلة النمو في هذه البلدان.
كما تشير التقارير إلى أنّ مساحة دول بريكس تخطت مساحة دول الناتو، وهذا يعطيها دوراً أكبر في الجغرافيا السياسية والاستراتيجية. لذلك قد يعمد الغرب الى الإبقاء على السيطرة على مناطق حساسة مثل المرافئ والممرات المائية الاستراتيجية والبحار.
وتفيد المقارنات أيضاً أنّ عدد سكان مجموعة بريكس يفوق 10 مرات عدد سكان أميركا، و3.5 مرات أكثر من مجموع سكان دول الناتو. ما يعني أنّ دول بريكس تشكل سوقاً ضخمة، وعليها السعي الحثيث لكي تزيد من القدرة الشرائية ومن معدّل دخل الأفراد فيها، وهذا ما سوف تحاربه دول الغرب بالتأكيد.
كما أنّ الاحتياطي النفطي يزيد ثلاث مرات عن الاحتياطي الأميركي، وتقريباً هو ضعف الاحتياطي لدول الناتو. مما يجعل لهذه الدول مصلحة استراتيجية بتقليل الاعتماد على النفط، ولو تدريجياً، بحجة الانتقال الى الطاقة النظيفة، من أجل حرمان دول بريكس من التحكم بالسوق العالمي واستخدام ذلك لضرب خطط النمو في الغرب.
إذن… هذا التوسّع يزيد الإمكانيات الاستراتيجية لمجوعة بريكس، ويضعف السيطرة الأحادية الأميركية على العالم. وتحديداً إذا بقيت المجموعة الجديدة متماسكة، واستطاعت تقديم بدائل، خاصة على مستوى العملات، مثل التخلي عن الدولار كعملة رئيسية للتبادل التجاري العالمي، أو مثل إنشاء مؤسّسات تمويلية بديلة للبنك الدولي أو لصندوق النقد الدولي…
هذا ما يجب أن يحفزنا نحن في لبنان لكي نسعى إلى تطوير علاقاتنا الاقتصادية والمالية مع هذه المجموعة، لا أن نبقى أسرى علاقات قديمة يرى الجميع تأثيراتها السلبية على اقتصادنا وبشكل خاص على القطاعات الحيوية التي نحتاج إلى تطويرها وتفعيلها لتحسين دورة الحياة اليومية في بلدنا والخروج من هذه «الكربجة» التي تحكم علينا بالجمود وتخلق لنا المزيد من الأزمات والمشاكل…
ولا شكّ أننا نحتاج بالدرجة الأولى إلى قرار سياسي جريء بقبول العروض الكثيرة المغرية التي قدّمتها لنا دول أساسية في مجموعة بريكس، في قطاعات عديدة مثل السكك الحديد والطرقات والأنفاق والكهرباء والطروقات والقمح والدواء ومعالجة النفايات…
نحن قادرون طبعاً على مواجهة الضغوط التي تمارسها أيّ دولة خارجية لمنعِنا من تحسين أوضاعنا الاقتصادية والاجتماعية والمعيشية، وأمامنا مثال ساطع في ما يقوم به وزير الأشغال الدكتور علي حمية الذي رأيناه في كفرشوبا بالأمس يرفع مستوى التحدي الإنمائي ليصل به إلى تخوم فلسطين المحتلة على مسافة صفر من العدو الإسرائيلي، ومثله فعل وزير الطاقة والمياه الدكتور وليد فياض حين أعلن قبل أيام منح رخصة استطلاع، للقيام بمسح زلزالي ثلاثي الأبعاد في الرّقعة رقم 8 في المياه البحريّة اللّبنانيّة…
*خبير مالي واقتصادي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى