ما يقوله الإسرائيليون بعد 30 سنة على اتفاقات أوسلو: «إسرائيل» في ورطة… المقاومة في صعود
} د. عصام نعمان*
بعد نحو أسبوعين، تحيي “إسرائيل”، “من دون طبول وأبواق”، على حدِّ قول أحد كبار مفكريها، الذكرى الثلاثين لاتفاقات أوسلو (1993/9/13). المناسبة المهمة فجّرت نقاشاً داخلياً حاداً في الكيان الصهيوني، شارك فيه كثيرون من قادة الرأي والكتّاب والمعلّقين السياسيين فضلاً عن الصحف ووسائل التواصل الاجتماعي. أحد هؤلاء صارح الآخرين بقوله “إنّ إسرائيل اليوم في ورطة”. لماذا؟ لعلّ الجواب أو الأجوبة المطلوبة نستخلصها، ولو باختصار، مما أدلى به المشاركون في النقاش الداخلي الحادّ.
لنتفحصّ، في البدء، الهدف المركزي لقادة الكيان الصهيوني في هذه الآونة.
ميخائيل ميليشتاين، رئيس قسم الدراسات الفلسطينية في جامعة تل أبيب، يؤكد أن جميع الجهود المتعدّدة الأبعاد تهدف الى محو الخط الأخضر بين الكيان الصهيوني والأراضي الفلسطينية المحتلة، وفرض السيادة الإسرائيلية على الضفة الغربية بالتدريج، وأن ذلك يؤدي الى نشوء “واقع دولة واحدة، فيها شعبان لديهما مكانتان مدنيتان منفصلتان. وفي واقعٍ تُلغى فيه كلّ الحدود المادية التي تفصل بين العرب واليهود، فإن عمليات أمنية صعبة كتلك التي نُفذت في 2023/8/19 في حواره ستكون هي الروتين اليومي. وفي أعقابها، من المتوقع أيضاً ان تجري اشتباكات عنيفة بين المجتمعَين اللذين يعيشان في إطار نموذج بلقاني دامٍ” (موقع N12، 2023/8/20).
يتفق المحلل العسكري نير دفوري مع رأي ميلشتاين، السابق ذكره، بقوله: “نحن في خضمّ موجة مقاومة طويلة. لكن داخل هذه الموجة أيضاً هناك نقاط قصوى. فالعمليات الأخيرة في حواره وفي منطقة الخليل تشير الى ان “إسرائيل” منذ بداية سنة 2023 فقط قُتل فيها 34 إسرائيلياً في العمليات، بينما في العام الماضي كله قُتل 29 (…) موجة العمليات هذه والنشاط المقاوم الواسع في الضفة الغربية يدفعان بالجيش النظامي الى العمل طوال الوقت، الأمر الذي يضرّ بالتدريبات وبالجاهزية للحرب ايضاً” (موقع N12، 2023/8/21).
المحلل العسكري عاموس هرئيل يعتقد أن “إسرائيل” “تواجه حالياً صعوداً للمقاومة الفلسطينية في الضفة الغربية، يتسرّب جزء منه الى داخل الخط الأخضر. وإذا كان 80 في المئة من منفذي عمليات المقاومة يأتون من شمال الضفة الغربية، لا سيما من منطقة نابلس وجنين، تزداد المؤشرات الدّالة على تمدّد المقاومة الى مناطق أخرى مثل الخليل وطولكرم. ومما يساعد في تصعيد التوتر أيضاً الهجمات الانتقامية التي يقوم بها إرهابيون يهود. كما يساهم في تأجيج النيران وجود وزراء وأعضاء كنيست من الائتلاف الحكومي يشجعون مثل هذه الأعمال علناً (…) ويصادف هذا التصعيد ولايةَ أكثر الحكومات تطرفاً ووحشية في تاريخ “إسرائيل”. فالوزراء أنفسهم وأعضاء الكنيست، الذين هاجموا الحكومة السابقة بسبب ازدياد عمليات المقاومة في عهدها، يبحثون اليوم عن عنوان لتحميله المسؤولية” (صحيفة “هآرتس”، 2023/8/22).
هل تؤدي الانتقادات سالفة الذكر وغيرها الى تغيير في سياسة حكومة نتنياهو إزاء الفلسطينيين؟
تقول صحيفة “معاريف” (22/8/2023) “انه في تقدير مصادر رفيعة المستوى سيؤدي التشدّد حيال الفلسطينيين، ووضع حواجز إضافية لمنع انتقالهم للعمل داخل “إسرائيل”، وخفض عدد تصاريح العمل فيها، سيؤدي ذلك كله الى معارضة دولية، من طرف الولايات المتحدة اولاً وقبل أي جهةٍ أخرى. ويبدو من أحاديث مسؤولين حكوميين أن التقدير هو انه ليس في إمكان “إسرائيل” تغيير سياسة شاملة في ظل الوضع الراهن، ولا سيما العلاقة مع السلطة الفلسطينية”.
ماذا يمكن استخلاصه من مجمل هذه الآراء والمواقف؟
لنترك الى رئيس قسم الدراسات الفلسطينية في جامعة تل أبيب، ميخائيل ميلشتاين، ان يدلي بالخلاصة المطلوبة. يقول إنه “سيكون من الضروري ان يبدأ المجتمع والقيادة (الإسرائيليان) حواراً بشأن الموضوع الفلسطيني الذي لا تقلّ أهميته عن أهمية الموضوع القضائي، بل يمكن أن تكون هي الأهم. وعلى هذا الحوار أن يكون خالياً من اوهام اليوتوبيا، ويرتكز الى المعطيات (خصوصاً في الموضوع الديمغرافي) مترافقاً مع الإدراك بأن الزمن لا يلعب لمصلحة أي من الأطراف الإسرائيليين. وعلى المجتمع الإسرائيلي أن يفهم انه اذا وصلنا الى نقطة اللاعودة، أيّ الى الدولة الواحدة، فسيكون على “إسرائيل” ان تكون إمّا يهودية وإمّا ديمقراطية، ولكن لن يكون ممكناً الاستمرار في وجود هذين المكوّنين الأساسيين في الوقت نفسه”.
في هذا السياق، تبدو المؤسسة الأمنية أكثر تشاؤماً. ذلك ان صحيفة “يديعوت احرونوت” (2023/8/22) تنسب الى المؤسسة الأمنية تقريراً جاء في خلاصته أنه “من دون حلّ للنزاع (مع العرب)، سيكون المستقبل مظلماً: كيف نمنح الأمان لقرابة نصف مليون يهودي يعيشون وسط ثلاثة ملايين فلسطيني؟ هذه المهمة تكاد تكون مستحيلة في الواقع الحالي”.
أجل، إنها مهمة مستحيلة في وقتٍ تحوّلت الضفة الغربية، بل فلسطين التاريخية برمتها، الى ساحة مقاومةٍ متصاعدة، تتفجّر فيها كلّ يوم عملية كفاحية او استشهادية يعجز جيش الاحتلال عن اعتقال منفذيها، واذا تمكّن فعلاً، يكونون قد أضحوا شهداء او شهيدات في صدام غير متكافئ مع عدو وحشي.
وعليه، لا غلوّ في القول إن “إسرائيل” في ورطة تنزلق خلالها تدريجاً الى ما هو أسوأ، فيما المقاومة الفلسطينية في صعودٍ تدريجي الى ما هو أعلى، الى التحرير والعودة.
*نائب ووزير سابق. [email protected]