الوطن

لبنان الرسميّ والشعبيّ والإعلاميّ بمشاركة «القومي» ودِّع طلال سلمان بمأتم مهيب في شمسطار‪/‬ ورؤساء ووزراء وأحزاب وفاعليّات أشادوا بنضاله ونهجه المُقاوِم ودفاعه عن قضايا الأمة‪/‬

في مأتم رسميّ وشعبيّ حاشد، ودّع لبنان والصحافة والإعلام أول من أمس، الكاتب والصحافي الكبير وناشر وصاحب صحيفة «السفير» الراحل طلال سلمان الذي وافته المنيّة بعد صراعٍ مع المرض عن عمرٍ ناهز الخمسة والثمانين عاماً.
انطلق موكب التشييع من أمام حسينيّة بلدته شمسطار البقاعيّة بمشاركة حشدٍ من الشخصيّات الرسميّة والصحافيّة والإعلاميّة والأمنيّة والشعبيّة، تقدّمه ممثّل رئيس مجلس النوّاب نبيه برّي النائب غازي زعيتر، وزير الزراعة في حكومة تصريف الأعمال الدكتور عباس الحاج حسن ممثّلاً الرئيس نجيب ميقاتي، وزير الأشغال العامة في حكومة تصريف الأعمال الدكتور علي حميّة، وفد من الحزب السوري القومي الاجتماعي مثل رئيس الحزب الأمين أسعد حردان والقيادة المركزية ضمّ منفذ عام منفذية بعلبك عباس محرز حمية والأمين الدكتور علي الحاج حسن وناموس منفذية بعلبك يوسف برو ومدير مديرية شمسطار علي الطفيلي وعدد من القوميين.
وشارك النوّاب: حسين الحاج حسن، إبراهيم الموسوي وأسامة سعد، نائب رئيس المجلس الإسلامي الشيعيّ الأعلى الشيخ علي الخطيب على رأس وفد روحيّ، نائب رئيس مجلس النوّاب السابق إيلي الفرزلي، الوزيران السابقان عبد الرحيم مراد ونهاد المشنوق، نقيب الصحافة اللبنانية عوني الكعكي، الصحافي غسان ريفي ممثّلاً نقابة المحرّرين، المدير العام السابق للأمن العام اللواء عبّاس إبراهيم، رؤساء تحرير وممثلو صحف لبنانيّة وعربيّة وفاعليّات.
وصلّى على جثمان الفقيد الكبير الشيخ الخطيب بمشاركة لفيف من المشايخ والشخصيّات. وألقى الخطيب كلمة جاء فيها “ما أكبر خسارتنا بك، ولكن القضايا التي أعطيتها كلّك وناضلت من أجلها بمسؤوليّة لن تُهزَم ولن تموت، ففلسطين التي جعلتها قضيّتك ستعود قضيّة الأمّة، والمقاومة التي أسّسها إمام المقاومة السيّد موسى الصدر وناصرتها بفكرك وقلمك ستنتصر رغم تآمر المتآمرين وتخاذل المتخاذلين وتضليل المضلّلين في هذا الزمن الرديء”.
وأكد أنّ “الوطن سيبقى أكبر من كلّ تجّار الهيكل، سيعود بلد المواطنة، لا تجّار الطائفيّة الذين أرادوه قزماً على قدْرِهم، وثمرةً أرادوا أكلها جشَعاً بلا جوع”.
وألقى كلمة العائلة نجل الفقيد أحمد طلال سلمان، فأكّد أنّ الراحل “كان متمسّكاً بحبّ الناس، ومعهم ولأجلهم مضى في طريق مكافحة الظلم والنضال في سبيل الحقّ”.
أضاف “بالصبر والدراية والإيمان بالغد، واجه أشواك الطريق كلّها وعلى الطريق لم يعرف الفتى النحيل الأسمر الغربة في القرى والمدن والعواصم التي زارها كلّها. وبالحبّ، حبّ الناس بألوانهم ومللهم كلّها عاش بقاعيّاً، جبليّاً، شماليّاً، جنوبيّاً وبيروتيّاً ومصريّاً وسوريّاً وعراقيّاً ويمنيّاً، وقبل كلّ ذلك وبعده فلسطينيّاً”. وأكد أنّه “لم يتوانَ عن مواجهة الظلم الذي لم يتوانَ عن محاولة إسكاته باستباحة دمه مراراً”.
وختم “اليوم حان أوان الرحيل في عزّ الغربة والظلم، مع أنّك ستبقى حيّاً في كلّ ما يُشبهك ويُشبه ناسك، والطريق ما زال طويلاً وشاقّاً. على الرغم من فداحة الفقدان تبقى لنا الكلمات التي زرعتها في وجداننا على امتداد عقود”.
وكان جثمان الفقيد نُقِل صباح أول من أمس من أمام مستشفى الجامعة الأميركيّة في بيروت، حيث توقّف لبعض الوقت أمام مبنى جريدة “السفير” في منطقة الحمرا قبل المُتابعة باتجاه مسقط رأس الراحل في بلدة شمسطار البقاعيّة.
بيانات نعيّ
وتواصلت بيانات النعيّ لسلمان مشيدةً بمزاياه ومواقفه الوطنيّة والإنسانيّة. وفي هذا الأطار، شدّد الرئيس العماد إميل لحّود في بيان على أنّ «الخسارة مضاعفة برحيل الصديق طلال سلمان، فقد خسرنا علماً من أعلام الصحافة في لبنان كان لا يُساوم في ما يكتب، ولا يتنازل عمّا يؤمن به، وقد اختار أن يقف إلى جانب الناس وقضاياهم، فاختار شعاراً لصحيفته «صوت الذين لا صوت لهم». وخسرنا أيضاً صديقاً صدوقاً، خصوصاً بعد خروجنا من سدّة الرئاسة، فكنّا نتشارك الأفكار تماماً كما نتشارك هموم هذا الوطن الذي كان يُتابع مساره بقلق لطالما عبّر عنه بمرارة».
أضاف “نتوجه بالتعزية من عائلة الراحل، كما من الجسم الإعلاميّ اللبنانيّ، وقد ترك فيه عزيزنا طلال بصمات لن تُمحى، فهو كان داعماً وناصحاً للجيل الجديد وصلباً في مواقفه، خصوصاً في عدائه لإسرائيل، ووطنيّاً في مقاربته للشأن اللبنانيّ الداخليّ”.
وختم “لعل ما يُعزّينا في هذا الرحيل فقط هو أنّ الفقيد سينجو من عذاب المشهد اللبنانيّ الذي يزداد تأزمّاً وطائفيّةً وانهياراً، ونحن نعلم كم كان يتألّم لما أصاب الوطن وناسه وقد زاد، بعد إقفال “السفير” ثم رحيل مؤسّسها، عدد الذين لا صوت لهم”.
بدوره، نعى الرئيس حسّان دياب الراحل الكبير، وقال في بيانه “خسر لبنان والعالم العربيّ والصحافة، قلماً جريئاً صافياً في توجّهاته وصادقاً في كلمته ونقيّاً في قناعاته. فالراحل الكبير طلال سلمان كان علماً في عالم الصحافة والكلمة الحرّة التي حاول أعداؤها اغتياله مرّات عديدة، بالتفجير أو بالرصاص أو بالقمع أو بالتضييق”.
أضاف “كان طلال سلمان عروبيّاً في فكره ونهجه وإيمانه، ولبنانيّاً في انتمائه الوطنيّ. ولئن كانت “السفير” منبراً وطنيّاً وقوميّاً، وصوتاً يُعبّر عن تطلّعات الناس وهمومهم وقضاياهم، فإنّ طلال سلمان كان رمزاً يمثّل ذلك الصوت المدوّي دفاعاً عن الحقّ والحريّة والعدالة الاجتماعيّة”.
ونعى وزير الثقافة في حكومة تصريف الأعمال القاضي محمد وسام المرتضى في بيانٍ “فقيد الوطن والأمّة والإنسانيّة، وفقيد الإعلام الرصين الحرّ اللبنانيّ الأبيّ العروبيّ الأُستاذ طلال سلمان”.
أضاف “كان بالفعل لا بالقول “صوت الذين لا صوت لهم” وكان أيضاً عنوان الثبات على الحقّ حتى آخر عددٍ من “السفير”، وبعده حتى آخر رمقٍ من العمر”، مشيراً إلى أنّه “كان منارةَ الصحافة العربيّة التي لم يسطع منها إلاّ صدق الانتماء إلى الحقيقة، حقيقة الأمّة والقضيّة والناس، العميق في رؤيته وتحليله، المُلهَم في فكره والنيِّر في حبر قلمه”.
وختم المرتضى مخاطباً الفقيد “من شمسطار انطلقتَ ورحت تُحلِّق وظللت تتألّق وترتفع حتى لامست الشمس وها أنت إلى بلدتك تعود لتغفو في ترابها نجماً لا يعتريه أفول… رحمك الله أبا أحمد وألهمَ عائلتك ومحبيك الصبر والرجاء”.
كذلك نعى عميد “المجلس العام المارونيّ” الوزير السابق وديع الخازن “بمزيد من الحزن والأسى، الصديق العصاميّ، صاحب الكلمة الحرّة وناشر جريدة السفير الأُستاذ طلال سلمان، الإعلاميّ الكبير الذي خطّ اسمه بأحرفٍ من نور في عالم الإعلام وعابراً للطوائف، متخطّياً كلّ الحواجز من أمامه”.
أضاف “رحل طلال سلمان عن عالم الحرف والكلمة تاركاً إرثاً فكريّاً وثقافيّاً غنيّاً ومدرسة إعلاميّة فريدة، صنعها بإبداع وتميّز، وصاغ عوالمها بحريّة مطلقة جاعلاً للصحافة العربيّة من خلال جريدة السفير موقعاً مرموقاً في عالم الإعلام الموضوعيّ الحرّ”.
وتابع “كان مُتمسّكاً بقضايا وطنه وبالناس وبالعدالة الاجتماعيّة، وصلباً في رأيه وفكره في وجه الاعتداءات التي استهدفته واستهدفت صحيفته. أمضى حياته مُدافعاً عن القضيّة الفلسطينيّة التي كانت شغله الشاغل وهمّه الأكبر، مقاوماً حتى آخر رمق، ولم يتوانَ عن الدفاع عن حقوق المظلومين في أيّة بقعةٍ من بقاع الأرض، فكان فعلاً صوت الذين لا صوت لهم”. واعتبر أنّ برحيل سلمان “فقد لبنان نجماً ساطعاً في سماء الصحافة اللبنانيّة والعربيّة”.
بدورها، نعت الأمانة العامّة للمؤتمر العام للأحزاب العربيّة “الصحافي القوميّ الكبير طلال سلمان، الذي رحل عن عالم الحرف والكلمة تاركاً إرثاً فكريّاً وثقافيّاً غنيّاً ومدرسةً إعلاميّةً فريدة، صنعها الراحل الكبير بإبداع وتميُّز. وصاغ عوالمها بحريّة مطلقة جاعلاً للصحافة العربيّة من خلال صحيفة السفير موقعاً مرموقاً في عالم الصحافة الموضوعيّة الحرّة”.
وأكّدت في بيان “أنّ نهج طلال سلمان في إطلاق الصحافة المقاوِمة وجعل الكلمة الصادقة تُعلى ولا يُعلى عليها، هو نهجٌ أثبتَ أنّ مقاومة الكلمة والكلمة المقاوِمة إلى جانب المقاوَمة بالسلاح صنوان لا يفترقان”.
وختمت “برحيل الكبير طلال سلمان تخسر الساحة الفكريّة والإعلاميّة والصحفيّة علماً بارزاً من أعلامها وفارساً من فرسانها”.
من جهته، أشار لقاء الأحزاب والقوى الوطنيّة والقوميّة في البقاع في بيان إلى أنّه “في زمن إعلام للإيجار، زمن تسويق الأضاليل مدفوعة الأجر وتشويه الحقائق والتحريض الغرائزيّ الفتنويّ واستثارة المشاعر الفئويّة من طائفيّة ومذهبيّة وسواها من النوازع الخاصّة. في هذا الزمن، ترجّل طلال سلمان عن صهوة الحرف الحرّ وهو الذي رفض بيع أو رهن قناعاته المبدئيّة، طاوياً بقرار ذاتيّ مرّ آخر صفحات السفير بعزّة نفسٍ عزّ نظيرها، وهي التي تصدّرت لعقود مهام سفير الشرفاء والوطنيين إلى مطارح العزّ ومراتب الشرف حيث القضيّة الأسمى بنبل المناضل العروبي الوحدويّ المؤمِن بالمقاومة سبيلاً لتحرير الأرض والمقدّسات”.
وتابع “سكن الأسى والحزن قلوب الأحزاب والقوى الوطنيّة والقوميّة في البقاع، قيادةً وكوادرَ وجمهوراً، لفقد قامة وقيمة ستبقى في الوجدان عنواناً لامعاً لمجد الكلمة الحرّة على صفحات الأجيال وفي مخيّلة الذين حملت السفير شؤونهم والشجون”.
وقال الرئيس العالمي للجامعة اللبنانيّة الثقافيّة في العالم عبّاس فوّاز في بيان نعى فيه “الصديق العزيز طلال سلمان. عماد من أعمدة الصحافة اللبنانيّة قد هوى. طلال سلمان ذاك الصحافي الجريء. صاحب الموقف الواضح الذي لم يحد عن قضايا العرب وأحقيّة الدفاع عن حقوقهم. صارع طيلة حياته بالكلمة والموقف دفاعاً عن الحقّ. صحافيّ من الكبار، مخضرم. قلمه ليس له شبيه، متميّز بكتاباته. صاحب مدرسة “السفير”، منها تخرّج الكثير من الصحافيين والإعلاميين، وكلّهم على مودةٍ وصداقةٍ ووفاءٍ للأُستاذ الكبير صاحب “السفير”، وهي المكان الذي مثّل الحياة للعزيز “أبو أحمد” طلال سلمان”.
وتوجّه فوّاز باسمه الشخصيّ وباسم المجلس العالميّ في الجامعة اللبنانيّة الثقافيّة في العالم “بخالص العزاء لعائلته ولكلّ الصحافيين والإعلاميين سائلا الله عزّ وجلّ، أن يُسكنه الفسيح من جنّاته”.
ونعى دار الأمير في بيروت شيخ الصحافيين العرب الأستاذ طلال إبراهيم سلمان (1938-2023) عن عمر ناهز 85 عاماً قضى معظمه في الدفاع عن كرامة وحرية الإنسان العربي، وكان بحق صوت الذين لا صوت لهم، خاصة عبر صفحات جريدة “السفير”.
وقال الدار في بيان أصدره مديره العام محمد حسين بزي “برحيل طلال سلمان يخسر لبنان والوطن العربي وكلّ أحرار العالم قلماً أصيلاً وفارساً نبيلاً، وقامة نقشها الضوء على أقانيم النضال في سبيل فلسطين منذ أن بدأ عمله الصحفي في مجلة الحوادث سنة 1957، ليتابع نضاله عبر مجلة الأحد ما بين أعوام 1959 و 1962، وبالهمة نفسها ذهب إلى الكويت خريف 1962 وأسّس مجلة دنيا العروبة، وما لبث أن عاد إلى لبنان ليبث أفكاره ويدافع عن قضاياه من خلال مجلة الصياد حتى سنة 1965، ثم يؤسس جريدته الخاصة “السفير” سنة 1974 التي حملت شعار “جريدة لبنان في الوطن العربي وجريدة الوطن العربي في لبنان”.
لقد ترك الراحل الكبير عدة مؤلفات منها: “مع فتح والفدائيين”، (1969). “ثرثرة فوق بحيرة ليمان”، (1984). “حجر يثقب ليل الهزيمة” (1992). “الهزيمة ليست قدراً” (1995). “على الطريق.. عن الديمقراطية والعروبة والإسلام” (2000). “سقوط النظام العربي من فلسطين إلى العراق” (2004). “لبنان العرب والعروبة” (2009). وكان آخر مؤلفاته: “كتابة على جدار الصحافة” (2012).
وختم البيان بالقول: نودّع طلال سلمان الجسد، وتبقى روحه تطوف بنا ذاكرة ووعياً وقلماً يجري في كتاب الأجيال. لفقيدنا الكبير الرحمة والرضوان، لذويه ومحبّيه الصبر والاحتساب.
(تصوير عباس سلمان)

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى