هل ينجح الهجوم الأميركي المرتدّ على المنطقة… وما المخاطر؟
} العميد د. أمين محمد حطيط*
بعد أن تأكد في العام 2019 فشل الحرب الكونية التي شنّت على المنطقة عامة وعلى محور المقاومة من الباب السوري بشكل خاص. انقلبت أميركا التي تقود هذه الحرب الى استراتيجية «إطالة أمد الصراع» لمنع المدافعين عن أنفسهم ودولهم ومنطقتهم، من استثمار الإنجاز الاستراتيجي الكبير المتمثل بفشل الحرب الكونية عليهم، ومنعهم من العودة الى الحياة الطبيعية، لا بل وتكثيف استعمال أسلحة الحرب الناعمة ضدّهم بشكل عام والتركيز بشكل خاص على كلّ من لبنان وسورية.
وفي هذا الإطار، وضمن سياق الاستراتيجية المركبة من «الفوضى الخلاقة»، ومن سياسة «إطالة أمد الصراع»، لمنع العودة الى الحياة الطبيعية في سورية وإدخال لبنان في الفوضى والانهيار، تشدّدت أميركا في الحرب الاقتصادية على سورية واعتمدت «قانون قيصر» ثم قانون «كابتغون 1» وحضّرت لقانون «كابتغون 2» ليزيد التشدّد في التدابير السابقة، اما في لبنان فقد اعتمدت «خطة بومبيو» ذات المراحل الخمس التي طالما تحدّثنا عنها وعن مخاطرها التي يشكل الوضع الاقتصادي ثم الأمني عمودها الفقري.
في بداية الأمر ظهر أنّ أميركا انقلبت من الاعتماد على الإرهاب الذي شكل أساس أدوات الحرب الكونية على سورية ونظر اليه بأنه الطريق المضمون لتفتيت سورية وتقسيمها الى «دويلات متناحرة» على أساس عرقي او طائفي او مذهبي، إلى الحرب الاقتصادية المترافقة مع رعاية الحالة الانفصالية الكردية والتكامل مع المشروع التركي الخاص في الشمال السوري والمتمثل بإقامة منطقة عسكرية تحت السيطرة التركية تحدث فيها تغييراً ديمغرافياً يتجه الى التتريك والاقتطاع عن الوطن الأمّ.
بيد أنّ متغيّرات دولية وإقليمية حملت أميركا على إعادة النظر في سياستها تلك، حيث تبيّن لها انّ تلك السياسة قد تؤدّي الي خسارة موقع القوة العالمية الوحيدة ذات النفوذ في الشرق الأوسط، المنطقة التي تعوّل عليها أميركا من أجل الهيمنة على القرار الدولي.
في طليعة تلك المتغيّرات كان فشل الاستراتيجية الأميركية في أوكرانيا. وهو فشل قاد الغرب بقيادة أميركية الى التخبّط في حرب استنزاف خطط في الأصل لإيقاع روسيا فيها فنجت روسيا ودخلت أوكرانيا في مسار تآكل القوى وخسارة الأرض ودخل الغرب في وضع الاستنزاف. ثم كان «صلح بكين» بين السعودية وإيران، الصلح الذي سدّد ضربة قوية «لاستراتيجية «الفوضى الخلاقة» الأميركية التي تنتج الحروب والنزاعات في المنطقة، وأخيراً كانت عودة المياه الى مجاريها في علاقة سورية مع الجامعة العربية ودول عربية كانت استجابت للأوامر الأميركية بقطع العلاقات مع سورية. ويمكن أن يُضاف الى ما تقدّم، ما يتشكل في الشرق الأقصى وبحر الصين من مشهد عملاني ليس في صالح أميركا التي قيل إنها ستنزاح من الشرق الأوسط لتتفرّغ لمسألة الوضع في الشرق الأقصى في مواجهة الصين.
في مواجهة هذه المستجدات التي أقلقتها، يبدو أن أميركا اتجهت للقيام بهجوم مرتدّ يتركز في الشرق الأوسط عامة وعلى محور المقاومة وأكثر تحديداً سورية ولبنان بشكل خاص، هجوم بدأت إرهاصاته في الميدان السياسي والعملاني تظهر وبدأت إجراءاته تتشكل بشكل ظاهر ويهدف الى:
1 ـ عرقلة إجراءات تنفيذ صلح بكين وتعقيد أو تأخير مراحله التنفيذية ووضع الاتفاق في موقع الشك وعدم الثقة المتبادلة بين الأطراف.
2 ـ منع سورية من الاستفادة من استعادة موقعها بين العرب ومنعها من تفعيل علاقاتها العربية.
3 ـ قطع الطريق البري الذي يصل بين مكوّنات محور المقاومة من إيران شرقاً الى لبنان وفلسطين غرباً عبر سورية والعراق.
4 ـ تفعيل العمل الإرهابي في سورية للإخلال بالأمن وضرب المعنويات والانشغال عن مواجهة الحرب الاقتصادية.
5 ـ اعتبار لبنان وسورية مسرح عمليات واحد ومحاصرتهما معاً في البرّ والتشدّد في مراقبة خطوطهما التجارية في البحر.
ومن أجل ذلك دفعت أميركا أدواتها وأتباعها ومن تسمّيهم هي “شركاءها” (في العدوان على المنطقة) وللقيام بأعمال وإجراءات واعتداءات وتدابير تخلّ بالأمن والنظام في سورية وتزيد من حال الإرباك والتردّي في لبنان وتخدم الأهداف الأميركية عملانياً واستراتيجياً. ويسجل في هذا الإطار ما يلي:
أ ـ السعي لإقامة حزام النار العازل الذي يطوّق سورية من الحسكة شمالاً الى التنف والسويداء في الجنوب وصولاً الى درعا والقنيطرة في الجنوب الغربي، حزام يؤدّي في حال نجاحه الى عزل سورية براً عن كلّ من العراق في الشرق (ويقطع الطريق البري عبرها الى إيران) وعن الأردن في الجنوب (يقطع الطريق الى الخليج) ويؤدّي دوراً مهماً ضدّ سورية ومحور المقاومة استراتيجياً وسياسياً واقتصادياً وطبعاً عملانياً.
ب ـ تفعيل خطة تقسيم سورية وتوسيعها، اذ بالإضافة الى حالتي إدلب والشمال تركياً. وشرقي الفرات كردياً، يُستحدث إنشاء المنطقة الجنوبية الدرزية لتشكل منطقة آمنة لـ “إسرائيل” تبعد الجولان وفلسطين المحتلة عن تهديد المقاومة ومحورها. هذا مع الحديث المتجدّد غربياً عن إقامة منطقة الساحل السوري ذات الإدارة الذاتية.
ج ـ تحشيد القوى العسكرية الأميركية وتنفيذ إعادة انتشار الزمر الإرهابية في سورية خاصة في مناطق حزام النار وتكليفها بنوعين من الأعمال الإرهابية مترافقة مع حرب نفسية تهويلية، الأول ضدّ الجيش العربي السوري وفصائل المقاومة التي تقدّم له المساندة في مهامه الوطنية، والثاني ضدّ الشعب السوري لإثارته على الدولة وحمله على الدخول في الفوضى والهجرة ومنع النازحين من العودة الى سورية.
هـ ـ الاستمرار بالعمل بخطة بومبيو في لبنان، وإطلاق أصوات لبنانية تطرح مستقبل الكيان اللبناني وتدعو بشكل صريح وضمني الى التقسيم بصيغ متعددة (كونفدرالية، فيدرالية، ولامركزية موسعة إلخ…) بشكل يتماهى مع خطط تفتيت سورية وتقسيم المنطقة في إطار الشرق الأوسط الأميركي المقسم عرقياً أو طائفياً أو مذهبياً.
و ـ الضغط على لبنان من باب القوات الدولية اليونيفيل والتهديد بنقل القرار 1701 إلى الفصل السابع خلافاً للإرادة اللبنانية.
هذه أهمّ عناصر وأهداف الهجوم الأميركي المرتدّ على المنطقة، الهجوم الذي إذا نجح وبلغ أهدافه، يعوّض أميركا معظم خسائرها ويطيح بمنجزات ومكتسبات حققتها المقاومة ومحورها في العقدين الأخيرين، فهل يحصل هذا؟
من الواضح انّ أميركا تتنقل بين القرارات والاستراتيجيات غير عابئة بالمخاطر لأنها تقاتل بدماء الآخرين ومالهم وأمنهم وسلامتهم، ولو كانت أميركا تقاتل بدمائها وأمنها لكانت الصورة مختلفة، ومع ذلك فإنّ وجود القواعد الأميركية وقدرة المقاومة على الوصول إليها من شأنه أن يلطف من الصورة تلك، كما أنّ خطر الهجوم الأميركي المرتدّ لا ينحصر في دولة او إقليم او مكوّن، بل يشمل كامل مكونات المنطقة خاصة الخمس الأساس (إيران العراق سورية لبنان فلسطين) وانّ هذه الدول والكيانات لديها من القدرات ما يمكنها من إفشال الهجوم الأميركي كما أفشلت الحرب الكونية، وانّ حظوظ انتصارها أكبر مما سبق، لذلك من المجدي أن تتضافر جهود محور المقاومة وتعمل بمنطق الدفاع الجماعي المنسق والمتكامل، والتصدي للحروب النفسية والاقتصادية والإرهابية وأن ينتبه أبناء المنطقة الذين تتخذهم أميركا أدوات لها في هجومها الى انّ أميركا ليس لها شركاء بل أدوات وعملاء ترميهم عند الفراغ منهم.
وفي الخلاصة، فإننا ومع الوقوف على خطورة الهجوم الأميركيّ وجدّيته، فإننا نثق لا بل نرى انّ فشله كما يبدو هو أمر مؤكد، نقول ذلك ثقة منا بقدرات محور المقاومة وبالوعي الشعبي والبيئة الإقليمية والدولية.
*أستاذ جامعي ـ باحث استراتيجي