الدول العربية وبريكس مصالح ورؤى استراتيجية
} د. حسن مرهج*
جنوب أفريقيا، تحديداً مدينة جوهانسبرغ، حيث عُقدت القمة الخامسة عشر، لمجموعة دول بريكس. كلّ ذلك وسط اهتمام من قبل الدول ذات الأسواق الناشئة، حيث تطلع تلك الدول، إلى المزيد من الاستثمارات، بما يُعزز اقتصادها، وسط حالة من التخبط في الأسواق العالمية، والتوجه نحو إلغاء التعامل بالدولار، الأمر الذي يدفع الدول العربية والخليجية إلى البحث عن مأمن اقتصادي، ترعاه دول تؤمن بالانفتاح والتسامح والتعاون والربح المشترك.
مجموعة بريكس تضمّ 5 أعضاء هم البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب أفريقيا، وعُقدت قمة هذا العام تحت عنوان «بريكس وأفريقيا: شراكة من أجل النمو المتسارع المشترك والتنمية المستدامة والتعددية الشاملة». وهنا لا بدّ من التنويه والإشارة إلى أنّ مجموعة دول بريكس، لم تضع محدّدات جغرافية لها، فهي تجمع الدول من آسيا وأميركا الجنوبية وكذلك أفريقيا، الأمر الذي يعني أنّ عدم التقيّد بالجغرافيا، يُعطي هذه المجموعة، بُعداً اقتصادياً جاذباً لدول من قارات مختلفة، بخلاف الكثير من التكتلات الإقتصادية، والتي تشترط التواجد في بقعة جغرافية محددة.
في حزيران الماضي تمّت دعوة السعودية والإمارات، للمشاركة في اجتماع أصدقاء مجموعة بريكس في جنوب أفريقيا، وفي ضوء ذلك، أكد وزير الخارجية الإماراتي عبد الله بن زايد آل نهيان، أنّ أبرز ما يميّز مجموعة بريكس نهجها المنفتح على تعزيز الشراكة مع المؤسسات الاقتصادية الدولية وتوفير منبر أوسع لتمثيل الاقتصادات النامية والصاعدة عبر العالم.
وتجدر الإشارة إلى أنّ مجموعة بريكس، لا تُعدّ تجمعاً مغلقاً محدّداً بعدد من الدول فقط، بل تُعدّ بريكس عائلة تجمع بين عدة دول، هدفها الأول والأخير تعزيز التعاون الإقتصادي، بما يبدّد الهواجس الناجمة عن سياسات واشنطن وعملتها.
في ذات الإطار، فإنّ الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، قال خلال زيارته للصين في تموز هذا العام، إنّ بلاده تتطلع للانضمام إلى بريكس بهدف تنويع اقتصادها، مؤكداً على أنّ الجزائر قدّمت طلباً للانضمام إلى آلية تعاون بريكس وبنك التنمية الجديد. ويُعتبر بنك التنمية الجديد من أبرز إنجازات (بريكس) وقد أسسته المجموعة لحشد الموارد اللازمة لمشاريع البنية التحتية والتنمية المستدامة في الأسواق الناشئة والدول النامية، وقد انضمّت بالفعل الإمارات ومصر إلى بنك التنمية الجديد، وهذا يشير إلى أنّ علاقة الدول العربية بمجموعة بريكس أصبحت أوثق من قبل.
واقع الحال يؤكد بأنّ مجموعة بريكس، تؤمّن مشاريع وفرصاً تنموية غير مشروطة للعديد من الدول، الأمر الذي يُعدّ وفق المنظور الإقتصادي، قوة لها تأثيرات عالمية، وربطاً بذلك، فإنّ ما أكده وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان، خلال اجتماع أصدقاء مجموعة بريكس في جنوب أفريقيا في حزيران الماضي، لجهة أنّ المملكة حريصة على تطوير التعاون المستقبلي مع مجموعة بريكس، من خلال الاستفادة من القدرات والإمكانيات التي تمتلكها بريكس بهدف تلبية المصالح المشتركة وتحقيق الازدهار للجميع، يُعدّ ترجمة واضحة للنوايا الخليجية، بتنويع مصادر استثماراتها، في ظلّ تخبّط الإقتصاد العالمي بقيادة الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي.
ختاماً، في السنوات الأخيرة شهدنا صعوداً للجنوب العالمي بأكمله، ووفقاً لتحليل نشره مجلس الشرق الأوسط للشؤون الدولية، وهو مؤسسة مستقلّة غير ربحيّة مقرها قطر في حزيران الماضي، فإنّ التحوّل في النظام الدولي باتجاه التعددية القطبية يجلب لدول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا فرصاً تتمثل بمزيد من الخيارات في الأمن والدفاع بالإضافة إلى العلاقات التنموية والمالية والاقتصادية.
وبالتالي، فإنّ الانضمام إلى مجموعات مثل بريكس سيسمح للحكومات بتعزيز استقلالية سياساتها وزيادة خياراتها، لا سيما أنّ بريكس تدعم إقامة عالم متعدد الأقطاب، كما تلتزم المجموعة بإصلاح نظام الحوكمة العالمي وزيادة تمثيل وصوت الأسواق الناشئة والبلدان النامية، الأمر الذي يُغري الدول العربية والخليجية بالانضمام الى بريكس، بما يُعزز أمنها الاقتصادي.
*خبير الشؤون السورية والشرق أوسطية
ومدير شبكة فينيقيا للأبحاث والدراسات الإستراتيجية