مقالات وآراء

عندما يكون الإعلام في خدمة الحقيقة…

‭}‬ عمر عبد القادر غندور*
وجود الاحتلال في أيّ منطقة يؤدّي الى نتيجتين حتميتين الأولى هي ظاهرة إرهاب الدولة المعتدية في المناطق المحتلة، عبر الاستخدام الممنهج للعنف على يد القوات العسكرية أو الأمنية التابعة له، يقابلها الاحتلال برفع وتيرة إجرامه وعنفه لقمعها كجميع حركات الاستقلال المطالبة بالتحرير.
طبعاً لا يقتصر إرهاب الدولة في المناطق المحتلة على القتل والتعذيب والاعتقال التعسّفي، بل يمتدّ الى الاستيلاء على الأراضي والممتلكات وتهجير السكان الأصليين وتشويه الهوية الثقافية للشعب المحتلّ، بل قد يتجاوز ذلك الى حرب إبادة جماعية وجرائم تطهير عرقي ممنهجة كتلك التي يقترفها الاحتلال على أرض فلسطين.
في هذه الحالة يكون من العجيب ان تختبئ وسائل الإعلام خلف قناع «الحياد» بهدف المساواة بين الضحية والجلاد، ونقل الأخبار والتقارير المتعقلة بمقاومة الاحتلال على أنها مجرد صراع طبيعي سياسي أو عسكري بين طرفين متكافئين وفقاً للمعيار الأخلاقي، ينبغي تغطيته بموضوعية دون انحياز الى ايّ منهما، كما فعلت كثير من وسائل الإعلام كـ شبكتي «بي بي سي» و «سي أن أن» اللتين تنقلان الأحداث الدامية الناجمة عن استمرار الاعتداءات الصهيونية على قطاع غزة وعلى كافة الأراضي الفلسطينية المحتلة، على أنها مجرد توتر بين حركة الجهاد الاسلامي من جهة وإسرائيل من جهة ثانية، او أزمة تهدد جهود السلام، كما نقلت شبكة «دوتش فيلة» الألمانية تقارير فيديو خلال القصف الصهيوني على قطاع غزة، أحدها منشور على موقعها في 12 أيار الماضي تتقدّمها العبارات التالية: أوْدت الهجمات الصاروخية الفلسطينية والغارات الجوية الاسرائيلية بحياة مقاتلين ومدنيين من الجانبين. وتصوير العدوان الإسرائيلي الصهيوني المستمرّ الساعي الى اجتثاث المقاومة عبر إرهاب دولة الاحتلال على أنه محض صراع عسكري عابر بين سراي القدس و»إسرائيل» نجم عنه ضحايا من الفريقين. وكان بارزاً في التغطية الإعلامية لهذه المنصة الإعلامية المريضة بعقدة «الهولو كوست» إذ أوردت في مقدمة تقرير آخر أسفرت الهجمات الصاروخية من قطاع غزة عن مقتل شخص في وسط «إسرائيل»، جاء ذلك بعد غارات جوية إسرائيلية على أهداف للمسلحين في غزة أسفرت عن مقتل قادة في حركة الجهاد الاسلامي.
يكمن واقع الخبث هنا في تجاهل كون ما يسمّى «إسرائيل» هي في واقع الأمر دولة احتلال فضلاً عن تجاهل ما يحدث في غزة وكافة الأراضي الفلسطينية هي جريمة إبادة جماعية ممنهجة ومستمرة والاصرار على عدم ذكر كلمة «مقاومة».
هذا المقال، لست انا من كتبه، بل نقلته من «ملحق فلسطين» بقلم تامر خرمة، والأهمّ من ذلك نُشر في صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية، ومنه يبرز الإعلام الملتزم بنقل الخبر كما هو وتسمية الأشياء بأسمائها حتى لو كان الأمر يخالف ما تحبّه الصحيفة او تكرهه لأنّ الحقيقة هي ملك الناس ويجب ان تصل اليهم.
بينما في لبنان إعلام بالقطعة وغبّ الطلب، ويمارس أبشع مظاهر الفجور والتحريض والفتنة الساعية الى تخريب البلد والكذب ومن دون ضوابط ولو أدّى ذلك الى ما لا يحمد عقباه في وطن مبتلٍ من رأس الى أخمص قدميه…
«وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ (30) الشورى»
ولكن، نرى لزاماً علينا ان ننوّه بصحافتنا وإعلامنا الراقي المسؤول، وهو ما تميّز به لبنان وعرف أدباء وأصحاب رأي ورواد حكمة وتبصّر وإخلاص لأنفسهم ولمنابرهم ووطنهم، وبينهم من يواصل تأدية الرسالة الى اليوم، ومنهم من رحل الى جوار ربه وآخرهم مؤسس السفير العروبي الأستاذ المغفور له طلال سلمان، وأتقدّم من عائلته بخالص العزاء ومن نقابتَي الصحافة والمحررين والأسرة الصحافية بخالص المواساة .
*رئيس اللقاء الاسلامي الوحدوي

Related Articles

Back to top button