هوكشتاين: جولة أمنيّة أم زيارة نفطيّة؟!
} شوقي عواضة
لم تستنفرِ الولايات المتحدة الأميركيّة ديبلوماسيّتها من أجل قضيةٍ عربيّةٍ أو إسلاميّةٍ أو إنسانيّةٍ بل إنّ جلّ جولاتها الدّيبلوماسيّة غالباً ما كانت تصبّ في خانة حلفائها وفي مقدّمتهم الكيان الصّهيونيّ المؤقت. فالولايات المتحدة التي فرضت قانون قيصر على سورية مستمرّة بالسيطرة على منابع النّفط وسرقتها، لا تزال تشنّ حصاراً وحرباً اقتصاديّةً على اليمن، وتمعن في بلطجتها وقرصنتها من خلال نهبها لثروات العراق ونفطه، وتفرض حصاراً على إيران منذ سنواتٍ طويلةٍ، حتّى انّ فنزويلا لم تسلم من عمليّات البلطجة التي تمارسها الولايات المتحدة على كلّ الدول التي تقف سدّاً منيعاً في مواجهة المشروع الأميركيّ الصّهيوني في المنطقة…
ففي لبنان فرضت عقوباتٍ اقتصاديّةً في محاولةٍ لتجريده من قوّته التي حرّرت أراضيه المحتلّة من الاحتلال الصّهيونيّ، إضافةً إلى حمايته من المشروع التّكفيري المدعوم أميركيّاً وصهيونيّاً. تلك هي الولايات المتحدة الأميركيّة لن تكون العين السّاهرة على منطقتنا وقضايانا، بل إنّ كلّ ما يشغلها هو عدم تراكم قوّة محور المقاومة الذي بات يشكّل تهديداً حقيقيّاً ووجوديّاً للكيان الصّهيونيّ.
في هذ الإطار تأتي زيارة مستشار الرّئيس الأميركي لشؤون أمن الطّاقة العالمي، آموس هوكشتاين إلى لبنان بعد تزايد الضّغوط على الكيان الصّهيوني وارتفاع منسوب التّهديد له من قبل حزب الله وفرض لبنان معادلاته لتحرير ما تبقّى من أراضيه المحتلّة، معادلة فرضتها المقاومة على العدوّ باعتراف كبار القادة السياسيّين والعسكريّين، ففي حين نشرت وسائل إعلام إسرائيليّة سابقاً فيديو لمقاومين ملثّمين من حزب الله في مهمّةٍ استطلاعيّةٍ على الحدود مع فلسطين المحتلّة قرب مستوطنة «دوفيف» في الجليل الأعلى نقلت قناة كان العبريّة «إنّ قوّةً من حزب الله (اجتاحت أراضي دولة إسرائيل السّياديّة) في قطاع جبل دوف (مزارع شبعا المحتلّة)، وأقامت موقعاً عسكريّاً مسلّحاً هناك»، في إشارةٍ إلى الخيمتينِ اللّتينِ على الحدود مع الكيان المؤقت في يونيو حزيران الماضي، ومع اقتحام بعض الشّباب اللبنانيّين للحدود عند قرية الغجر ورفع العلم اللّبنانيّ وعلم حزب الله ليطلق بعدها ورشة تعبيد طريق بركة بعثائيل – السّماقة في كفرشوبا بحضور وزير الأشغال علي حمية وبعض نوّاب المنطقة ليشقّوا الطّريق أمام مرأى من الاحتلال الذي استنفر لمنع استكمال شقّ الطّريق.
كلّ ذلك يحمل العديد من المؤشّرات في ظلّ الضّغوط التي يعيشها الكيان المؤقّت على مستوى الدّاخل والخارج وفي ظلّ تنامي عمليّات المقاومة في الضّفة وتخوّفه من مواجهةٍ طويلة الأمد ومتعدّدة السّاحات بالتزامن مع تصاعد أزماته الداخليّة وفقاً للآتي:
1 ـ عدم جهوزيّة جيش العدوّ لخوض أيّة معركةٍ صغيرةٍ أو كبيرةٍ في المدى المنظور نتيجة عجزه وتنامي حالة التّمرّد داخله من قبل بعض الضّباط والعناصر.
2 ـ تآكل قوّة الرّدع للعدوّ في الدّاخل من خلال ما يواجهه في الضّفّة وفي الخارج أمام تراكم قدرات حزب الله على الجبهة الشّماليّة وفرضه لمعادلاتٍ جديدةٍ.
3 ـ الاستعانة بالدّيبلوماسيّة الأميركيّة وبالأمم المتحدة وبعض الدّول الحليفة للكيان واستخدامها كسلاحٍ لكبح قوّة المقاومة وتحقيق ما عجز الكيان عن تحقيقه في الحرب.
4 ـ فرض المزيد من العقوبات الأميركيّة على لبنان عشية اجتماع مجلس الأمن الدّوليّ، للتّصويت على مشروع قرار تجديد ولاية قوّة الأمم المتحدة المؤقّتة في لبنان (اليونيفيل) لسنةٍ جديدةٍ.
في هذا السّياق أتت زيارة عاموس هوكشتاين عشية جلسة مجلس الأمن للتّصويت على التّجديد لقوّات الأمم المتحدة مع توسيع مهامها وإعطائها حرّية التّنقّل بدون التّنسيق من الجيش اللّبنانيّ. تعديل أشبه ما يكون بقرار إعلان الحرب من الأمم المتحدة على لبنان لتحقيق ما عجز الكيان الصّهيوني عن تحقيقه على مدى سنوات الصّراع وهو ما صرّح به رئيس الأركان الإسرائيليّ الأسبق، دان حالوتس عبر القناة 13 العبريّة معلّقاً على الخيمة التي نصبها حزب الله في مزارع شبعا، قائلاً: لا توجد خيمة في العالم تستحقّ البدء في حربٍ، وعليه يجب حلّ ذلك بواسطة المبعوث الأميركيّ آموس هوكستين، الذي عالج موضوع حقول الغاز والنّفط».
وفي تأكيد لحالة الخوف وعدم جهوزيّة جيش العدوّ للمواجهة مع لبنان نقلت وسائل إعلام العدوّ نقلاً عن مسؤولين في (الجيش الصّهيوني)، بأنّه لن يذهب إلى حربٍ مع لبنان بسبب خيمةٍ عند الحدود.
وعلى قدر تزايد المخاوف الإسرائيليّة من تراكم قدرات حزب الله العسكريّة على قدر ما تبرز وسائل إعلامه عجزه وعدم استعداده لخوض أيّة معركةٍ في المرحلة القائمة نتيجة عدم جهوزيّة الكيان لها في ظلّ تنامي أزماته الدّاخليّة وقد برزت تلك المخاوف من حربٍ مقبلةٍ مع حزب الله من خلال تصريحات رؤساء المستوطنات الصّهيونيّة شمال فلسطين المحتلّة وتأكيد القناة 13 العبريّة في وقتٍ سابقٍ إنّ قوّة الرّدع الصّهيونيّة تدنت وهي غير موجودة لمواجهة قوّة حزب الله وقدرته على ردع الكيان.
يتضح من كلّ ذلك أنّ مهمّة هوكشتاين هي أمنيّةٌ وعسكريّةٌ بامتياز ولصالح الكيان الصّهيونيّ الذي بات يدرك جيّداً أنّ لبنان في زمن المقاومة ليس لبنان الذي قال عنه وزير الحرب الاسرائيليّ موشيه دايان أنّه يستطيع احتلاله بفرقةٍ موسيقيّةٍ ومجموعة من مشاة الجيش. ويدرك هوكشتاين وإدارته أكثر كما فشلت عقوباتهم على لبنان ستُسقط المقاومة كلّ مشاريعهم. فلبنان قال كلمته بثلاثيّة الجيش والشّعب والمقاومة وهزم الجيش الذي لا يقهر في زمن سيّد الوطن الذي عاهد شعبه ووطنه معلناً على الملأ ولّى زمن الهزائم وجاء زمن الانتصارات.