السويداء… بين المطالب الشعبية والمُراد الأميركي
} د. حسن مرهج*
لم تكن الاحتجاجات التي تشهدها مدينة السويداء السورية، جديدة في مضمونها وسياقها، بل المتابع ليوميات الحرب في سورية، يدرك بأنّ تلك المحافظة دائماً ما كانت تُعبّر عن غضبها بطريقة سلمية، ووفق إطار تصويبي من قبل شيوخ العقل الأكارم في السويداء، لكن توقيت التظاهرات سواء في السويداء أو غيرها، قد لا يكون بريئاً، إذا ما تمّ ربطه بجملة الأحداث والتطورات التي تشهدها سورية، وما تعكسه تلك التطورات إقليمياً ودولياً، فالسياق العام لمشهد الاحتجاجات وعلى أحقيتها، إلا أنها تأتي ضمن أهداف مغايرة لمجمل التوجهات، والتي نُظمت على أساس المطالبات بتعديل الأوضاع المعيشية في السويداء، لكن ثمة أصواتاً رغبت في حرف المسار، وتشويه المطالبات المُحقة.
في سياق التوقيت، يُشار إلى أنه في السادس عشر من آب، بدأت موجة الاحتجاجات في السويداء، إبان قرار الحكومة السورية، برفع أسعار المشتقات النفطية، لكن تلك الاحتجاجات اتّسمت بالسقف المرتفع للمطالب، وباستهداف رموز الدولة السورية، وتطبيق القرار الأممي 2254، وأكثر من ذلك، أعاد المشهد السوريين إلى عام 2011، وأخرج الاحتجاجات في السويداء عن مسارها الصحيح.
الولايات المتحدة ليست ببعيدة عما يجري في السويداء، وما تصريحات المسؤولين الأميركيين لجهة التعاطف مع الاحتجاجات، ومطالبة الدولة السورية بتحقيق رغبات المحتجّين، إلا ترجمة لحقيقة المخطط الأميركي، وهنا لا نريد تخوين من خرج مطالباً بحقوقه، لكن ثمة أصواتاً في السويداء، تُريد أخذ الحراك إلى أماكن تدميرية، وإلا ما معنى إجبار الموظفين في دوائر الدولة في السويداء، على مغادرة أماكن وعملهم وإغلاقها، وما معنى إغلاق مداخل مدينة السويداء وشلّ حركة الموظفين والطلاب، وما معنى منع أهالي السويداء من افتتاح محالهم التجارية. كلّ ذلك يُعدّ تعطيلاً لأهالي السويداء ولزوار المحافظة، والأهمّ أنّ تلك الممارسات، هي في الجوهر استفزاز للدولة السورية بقيادتها ومؤسساتها.
الدولة السورية ممثلة برئيسها الدكتور بشار الأسد، وضعت نصب أعينها معالجة الاحتجاجات بطريقة دبلوماسية هادئة، مع مراعاة الحال المعيشي والاقتصادي، الذي وصل إليه حال أهالي السويداء والمحافظات الأخرى، نتيجة لذلك، لم تتدخل الدولة السورية بتلك الاحتجاجات، على الرغم من محاولة جرها سلباً إلى ما يريده البعض، لكن القيادة السورية وحكمتها، آثرت أن تترك صوت العقل والحكمة يعمل في مسار الاحتجاجات، الأمر الذي تلقفه شيوخ العقل الأكارم والأفاضل في السويداء، ودعوا المتظاهرين إلى الهدوء، وترجيح لغة العقل، وعدم السماح لأحد بامتطاء موجة الاحتجاجات، وأخذها إلى ما لا يُحمد عُقباه.
دليل ما سبق، فإنّ مطالب المتظاهرين في السويداء، بدأت بضرورة تعزيز الواقع الاقتصادي والمعيشي، لكن سرعان ما تحوّلت تلك المطالب إلى دعوات مستمرّة لإسقاط النظام، مع تحميله مسؤولية الفساد وغلاء الأسعار. عملياً، أخذت الاحتجاجات في السويداء طابعاً متدرّجاً، بمعنى، عندما قرّرت الدولة السورية عدم التدخل بشكل مباشر في مسار الاحتجاجات، وترك المتظاهرين يعبّرون عن مطالبهم، لم يرق للكثيرين صمت الدولة، وفُسّر هذا الصمت على أنه عجز من قبل القيادة، الأمر الذي دفع بالبعض لرفع سقف المطالب، على شاكلة المطالبة باسقاط النظام، واللامركزية الإدارية، وتطبيق القرار الاممي2254.
تدرك الدولة السورية بأنّ الاحتجاجات في السويداء، وإنْ خرجت في بعض تفاصليها عن السياق المُحق، لكنها تدرك أيضاً بأنّ صوت العقل والحكمة هو السائد عند غالبية أهالي السويداء، ترجمة ذلك جاء عبر الكثير من أهالي المدينة، وكذلك عبر الرئاسة الروحية للمسلمين الموحدين في السويداء، والذين دعوا جميعهم إلى تغليب صوت العقل، ومساعدة الدولة السورية على تخطي هذه المرحلة، والبقاء صفاً واحداً خلف قيادة الرئيس بشار الأسد، والذي يمثل الضامن الوحيد للسوريين، مع التأكيد على كشف المخطط الأميركي والغايات منه سواء لمحافظة السويداء، أو باقي المدن السورية.
وبالتأكيد فإنّ مظاهرات السويداء وعلى أحقيتها، لكن يبقى أهالي السويداء عنواناً للشهامة والرجولة، وسيكون لهم دور بارز في الأيام المقبلة، لتجاوز ما تمرّ به محافظة السويداء.
*خبير الشؤون السورية والشرق أوسطية ومدير شبكة فينيقيا للأبحاث والدراسات الإستراتيجية.