انتخابات لمواجهة القيم الوطنية الموعد 31 تشرين الأول…
صادق القضماني
انّ الدور النقدي للسلوك الوطني تحت الاحتلال يظلّ مجرّداً من الواقعية السلبية، ويجب تناوله من الأساس القيمي الذي يعبّر عن الانتماء للأرض والهوية والحقيقة.
لا مكان للظرف الآني ومتطلبات الواقع في تقييم السلوك الوطني، بل الوطنية هي البحث بأقصى جهد للحفاظ على الحقيقة واستنباط حلول آنية لا تصطدم مع الأساس القيمي.
الجانب الايديولوجي الذي ينعكس سلوكاً في المواطن، هو الحقيقة العليا التي تعبّر عن ذهنيته في الجانب القيمي، الذي هو ثابت اجتماعياً، “القيم ليست احتكاراً للأكثرية”، بل أساس مستمدّ من العقيدة وطنياً ودينياً ومسنود على التاريخ، ومحصن من السلوك الاجتماعي المُعبّر عنه بالانتماء للهوية الوطنية.
طموحات البعض في المفهوم الوطني تجاوزت الزمان والمكان وقيم المجتمع، وتعاليم الدين، واحترام الحقيقة، بل تجاوزت الانتماء الذي هو ليس خياراً بل هوية نالها بالولادة وكبر معها حقيقة لا يمكن تغييرها.
الجولان العربي السوري المحتلّ ناضل أهله منذ عام 1967 رغم قلة عددهم على قاعدة التجرّد من الواقعية أيّ (قبول الأمر الواقع) التي فُرض قسراً من الاحتلال، ليتبنّوا الأساس القيمي في رفضه، واستطاعوا إفشال مشاريعه ومنها عام 1974 حين حاول الاحتلال تمرير ضرورة انتخاب رؤساء وأعضاء المجالس المحلية، وذلك من خلال الترويج لما تستطيع هذه المجالس فعله بتحسين شروط العيش والتطور من خلالها.
رُفض حينها المشروع بلا تردّد، لأنّ القيم الوطنية مجردة من حاجة الذات الفردية او الجمعية للقبول بإعطاء شرعية جمعية للاحتلال تحت مسمّيات خدمات، لتتعزز ايديولوجية الرفض على قاعدة الهوية والانتماء وبرؤية التحرير كمطلب أساسي في فلسفة الوجود والحقيقة.
استمرت المجالس المحلية ممارسة وظيفتها، بتعيين رؤسائها من سلطات الاحتلال مباشرة، وبقيت بلا صفة اعتبارية او سيادية على السكان، وهذه فلسفة الواقعية الحقة التي لا تتعارض مع القيم.
لم يتغيّر الواقع في الجولان، ولا أحد يستطيع الاجتهاد في القيّم الوطنية، ولا أحد يستطيع التنكر لهويته الوطنية، لكن ومنذ سنوات قليلة بدأت تظهر طموحات انتهازية تستثمر فكرة الخدمات والتطوّر وتستغلّ عدم رغبة الناس في صدامات مجتمعية، لتمرير مشروع انتخاب رؤساء مجالس محلية كبديل عن تعيين سلطات الاحتلال لشخصيات محليه منبوذة او من خارج الجولان، هذا كله يبثونه كخدمة الشأن العام ومن أجل المجتمع وقراهم.
ربما في المستقبل سيتبنون فلسفة التجنيد الإجباري لبسط الإمان كمصلحة للسكان!
استمرت المجالس المحلية منذ بدايات الاحتلال في ممارسة عملها، كجباية الضرائب بكافة أنواعها، وجباية ثمن الكهرباء والماء إلخ… وتقديم الخدمات مقابلها، وأيّ مشروع آخر هو من صميم عملها الذي لا يتعارض مع رفض أهالي الجولان الصفة الاعتبارية لأيّ مؤسسة احتلالية كأمر واقع مفروض، وعلى هذا يجب استمرارها لحين التحرير.
مهما رُفعت شعارات انتخابية تحاكي التطور والتطوير فهي تحصيل حاصل، فلماذا يجتهد هؤلاء لفرض مسرحية الانتخابات؟!
إذا كان من يحقّ لهم الترشح لا يتجاوزون ال 10% من السكان وقسم كبير منهم، أتوا من أراض فلسطين عام 1948، وسكنوا قرى الجولان بحكم القرابة او الأصول التاريخية، وكتحصيل حاصل 90% من السكان لا يحق لهم ممارسة الترشح لخوض الانتخابات بكونهم رفضوا حمل الجنسية الإسرائيلية، فلمن الانتخابات ومن يرشح نفسه، ومن سينتخبهم؟!
الأقلية المجنسة تريد تشويه قيم مجتمع بالديمقراطية!؟ انها ديمقراطية الاستعمار، وأدواته، أقلية مجنسة، محمية بسلطة الاحتلال وقوانينه، تهاجم مبادئ مجتمع، وترفض بنود الوثيقة الوطنية التي اعتُمدت كدستور وطني للأهل في الجولان منذ عام 1981، مستمدة روحيتها من الانتماء للهوية، منسجمة مع العقيدة الدينية، وجامعة للقيم الاجتماعية الموروثة من خلال حفظ الاخوان وحب الأوطان والنضال ضدّ ايّ احتلال.
أقلية مجنسة تخالف قيم مجتمعهم الوطنية والدينية، ومع هذا يتحدثون عن الديمقراطية والحرية وهموم الناس!
هؤلاء المرشحون، من خلال بنود وثيقتنا الوطنية، وقرارات هيئتنا الدينية رجالات مجتمعنا الزمنية الوطنية، تحت الحرم الديني والاجتماعي، ويتكلمون بأنّ جلّ همّهم خدمة مجتمعهم؟!
هل يصل مقدار العقم الأخلاقي الذهني عند أيّ إنسان إلى هذا القدر، إلا إذا كان في عمق أهدافه، تمرير مشروع احتلالي استراتيجي؟
الجولان عربي سوري وهذه حقيقة ليست بحاجة لإسناد، أو إثبات، أهالي الجولان يرفضون التعدي على قيمهم ويمارسون أعلى درجات الصبر، على قاعدة أنّ الحلّ بعلاج الخلل، وليس بتأجيج أسباب الفتن، بوضوح الرؤية بأنّ الاحتلال يريد تمرير المشروع أو اقتتال يشرذم المجتمع ويضعفه، فمشاريعه الكبرى، تعتمد إنهاك الصوت السوري الأصلاني في الأرض المحتلة، للرضوخ والقبول او الهجرة والفراغ.
بسياق كلّ المعطيات الحالية واستناداً على قيمنا الوطنية الدينية والاجتماعية والسياسية، فإنّ شرعنة الانتخابات لن تمرّ، وانّ الحلّ الأمثل ان يتراجع كلّ مرشح عن تحدّي إرادة المجتمع، أو التعالي على القيم الوطنية، وليتنافسوا في ما بينهم أمام أسيادهم المحتلين، ويتمّ تعيين أحدهم بقوة سلطة الاحتلال كما جرت العادة بعد رفض السكان منذ سنوات السبعينات.
انّ العودة لأصل الأشياء والمبادئ في ايّ واقع مأزوم، هو فعل عقلاني يضع الأمور في طريقها الصحيح، ويزيل الشوائب عن لعبة تخدير المجتمع التي تعتمد على تمرير فكرة انّ المشاريع الخدماتية تبيح الانزياح عن الثوابت الوطنية، بكون هدفها المواطن.
أصل الحقيقة تؤكد بعد مرور أكثر من خمسين عام على أنّ التمسك بالثوابت الوطنية سلوكياً، هو غاية كلّ غيور على مجتمعه ومستقبله، والخدمات والتطور هي سيرورة تفرض نفسها وحاصلة كوسيلة متاحة لا يستطيع منعها او حجبها لا احتلال ولا استعمار وهنا الامتحان الحقيقي لنوايا من يتحدث بهموم الناس.
في الجولان العربي السوري المحتلّ، ايّ طموحات فردية او مجموعات لا تعتمد الأساس القيمي الوطني المسنود لأصل الأشياء هو في الحقيقة كامتلاك حرية، بلا ضوابط أخلاقية، تؤدّي لانحلال مهما بدا المشهد متطوراً. وهذا ما تسعى اليه قوى الشر والاستعمار في كلّ مكان…