رحيل الأخت والمربية الفاضلة محاسن صعب نصر و رحيل الأمين بشارة الباروكي

ولأن في التاريخ بدايات المستقبل…
تُخصّصُ «البناء« هذه الصفحة، لتحتضنَ محطات مشرقة من تاريخ الحزب السوري القومي الاجتماعي، صنعها قوميون اجتماعيون في مراحل صعبة، وقد سجلت في رصيد حزبهم وتاريخه، وقفات عز راسخات على طريق النصر العظيم.
وحتى يبقى المستقبل في دائرة رؤيتنا، يجب أن لا يسقط من تاريخنا أي تفصيل، ذلك أننا كأمّة، استمرار مادي روحي راح يتدفق منذ ما قبل التاريخ الجلي، وبالتالي فإن إبراز محطات الحزب النضالية، هو في الوقت عينه تأكيد وحدة الوجود القومي منذ انبثاقه وإلى أن تنطفئ الشمس.
أنّ نكتب تاريخنا،..فإننا نرسم مستقبل أمتنا.
إعداد: لبيب ناصيف

رحيل الأخت والصديقة والرفيقة
المربية الفاضلة محاسن صعب نصر

لي مع بتعبورة تاريخ قديم وحافل، وقد عرفت الكثيرين من أبنائها ومن أصهرتها بدءاً من الأمينين جبران جريج وعبدالله قبرصي، وقد كانت لي علاقة مميّزة بعقيلة الأمين جبران الرفيقة والأخت ماري بربر وبشقيقها الرفيق الدكتور حسيب وكلّ عائلته. وعرفت أيضاً الغالية جداً محاسن صعب ابنة أخت الرفيقة ماري، حتى إذا اقترنت الرفيقة من صديق العمر الرفيق نبوغ نصر توطدّت علاقتي بهما، وكما الرفيق نبوغ باتت الرفيقة محاسن بمثابة الأخت والصديقة المميّزة بأخلاقها ووعيها، لذلك انضمّ اليوم الى الرفيق الغالي نبوغ وأبكي مثله محاسن وأشعر معه بفداحة خسارتها على أكثر من صعيد.
أنت يا محاسن الأخت والصديقة والرفيقة ستبقين مغروسة في بتعبورة وفي كلّ مكان عُرِف بك. والى الرفيق نبوغ ألف عبطة شاعراً معك بالخسارة الأليمة للرفيقة المميّزة محاسن.
والبقاء للامة.
الكلمة المؤثرة التي نشرها الأمين الشاعر صباح عبدالله (ملبورن) على صفحته، تعبّر عن رأي الكثيرين من أبناء بتعبوره المنتشرين في الوطن وعبر الحدود.
بتعبوره حزينة
فُجعتْ بلدة بتعبورة قضاء الكورة برحيل السيدة الفاضلة ومربية الأجيال، التي حملت في تاريخ حياتها كلّ المحاسن والصفات الحميدة، هي الزوجة المخلصة الوفيّة لزوجها الأستاذ نبوغ نصر ولبناتها وإبنها ولكلّ أقاربها، بل الوفيّة لكلّ من عرفها وعرف هذا البيت العامر، بالعطاء والتضحية والحبّ والوفاء، رحلت الأستاذة محاسن صعب نصر، تاركة اللوعة والدموع في قلوب ذويها ومحبّيها، ولجميع أهالي بلدة بتعبوره الكرام،
تغادرين اليوم يا سيّدة اللطف والتهذيب، لكن طيفك سوف يبقى حائماً في سماء قريتنا الجميلة، تغادرين بالجسد ولكنّ نفسك تبقى خالدة فارضة حقيقتها على هذا الوجود، أليس هذا ما آمنتِ به، وعلى هذا الفهم نشأتِ أكان في بيت والديكِ ومع أخواتك وإخوانك؟ أو ليس بهذا الفهم وهذه الروحية استقبلك في داره، دارتك رجل العلم والثقافة والنضال زوجك الغالي الأستاذ نبوغ نصر الجزيل الإحترام،
إلى دار الخلود أيتها السيّدة الراقية ومع الأبرار والصالحات والصالحين في جنّة الربّ حيث القدّيسين يستريحون،
والبقاء للأمة.
رحيل الأمين بشارة الباروكي

اقف الى جانب الغالية ثريا وكلّ عائلتها، منضمّاً الى عائلة الرفيقة العزيزة ميمنة دندشي في ذرف الدموع على الرفيق الصديق والقومي الاجتماعي المميّز الأمين بشارة باروكي، وفي نعيه رفيقاً وصديقاً وأميناً عرفته منذ ان انتقل من النبعة الى منطقة المصيطبة في تلك السنوات الصعبة، فكان الى جانب رفقائه مثالاً في التضحية والنشاط وفي جعل تلك المنطقة فواحة بكلّ ما يفيد نمو النهضة.
من اليمين: الرفيقان بشارة باروكي (الأمين لاحقاً)، احمد عثمان،
والأمناء لبيب ناصيف جبران جريج وعبدالله قبرصي
وعرفت جيداً الأمين بشارة مثالاً للعصامي ورافقته على مدى سنوات طويلة مقيماً مع رفقائه في منطقة مار الياس، ثم منضمّاً الى عائلة الرفيق أكرم دندشي فكان واحداً من أبناء تلك العائلة القومية الاجتماعية.
لم أعرفه إلا ناشطاً في كلّ مجالات العمل القومي الاجتماعي، ناجحاً في عمله، أصيلاً في انتمائه وفي كلّ أعماله، يمثل العضوية القومية الاجتماعية في كلّ نواحيها.
كان بالنسبة لي أخاً ورفيقاً وصديقاً.
كم أحببته ومثل الرفيق الغالي إيلي سعادة عنواناً رائعاً لكلّ ما يفيد الحضور القومي الاجتماعي.
ستبقى يا أمين بشارة مقيماً في ذاكرتي وفي ذاتي.
أحببتك دائماً وستبقى بالنسبة لي أحلى الرفقاء.
أبو حديد… فخامة الصلابة تكفي

غسان الشامي
هذا ليس اسماً حركياً فحسب، إنه صفة لصاحبِ إرادة قُدّت من فولاذ وتجاوزت الصعاب والمحن والتهجير ووصلت إلى ما أرادت.
بشارة باروكي، باسمه الحديدي، رفيقي وزميلي في «البناء وصباح الخير» يستقلُّ باكراً قطار الغياب ويلوِّح بيده المتعَبة ويوغل في الرحيل.
بشارة باروكي، ولمن لا يعرف، كان يكتب باسم بشارة حداد، طلَّق مهنة المتاعب بعد أن جَدَّ وأصبح مهندساً، وانطلق في مهنته الجديدة لينشئ عملاً وعائلة ويبقى في إطار حزب بات متعَباً وعليلاً.
كانت تلك السيارة الصغيرة (فيات 127) تئنُّ بنا صعوداً في آخر نيسان عام 1981 في الطرق الطائفية التي رسمَتها الحرب عنوة، وصولاً إلى المطرح العلماني «ضهور الشوير» بعد أن حرر أبطالٌ صارعوا الثلج والجليد الغرفة الفرنسية في أعالي صنين،
الغرفة التي قال عنها المقبور مناحيم بيغن «من يُسيطر على الغرفة الفرنسية يُسيطر على لبنان وساحل المتوسط»، وكنّا مفتونين كصحافيَّين ملتزمَين بهذا الإنجاز وبرجاله، وكانت ضهور الشوير تعجُّ بأعزاء رحل أغلبهم.
يومان حافلان وعُدنا معاً إلى بيروت وإلى هموم الصحافة.
بشارة.. أعرف أنّ مشاغل الحياة جعلتنا نلتقي في المناسبات وأنّ أحبّة لنا رحلوا، لكن ذكرك باقٍ ومديد، ويرتبط بالراحل أكرم دندشي وأسرته وبالأمين محمود غزالة وعائلته… وبالكثيرين ممن أمعنوا في السفر أو الضباب وببضعة لا تزال تتنفس في هذا الغريق العميم… وبحكايات وسهرات لا تنسى وبخيبات كثيرة.
أبو حديد… شاهدٌ طيبٌ على عصرٍ لعين .
لك الذكرى العطرة وغار الانتصارات الماضية… ضيعانك.
مجدل ترشيش 29/آب/2023
قصــة نشــيد الأشــبال

عام 1972 كنت أتولى مسؤولية وكيل عميد الداخلية، فيما كان الأمين مسعد حجل يتولى مسؤولية العميد، الى رئاسة مجلس العمد، بصلاحيات رئيس حزب.
في تلك الفترة أنشئت في عمدة الداخلية شعب للمدرّسين، للطلبة، للعمل النسائي وللأشبال. وفي شعبة الأشبال كانت الرفيقة صفية ناصيف الأكثر اهتماماً، ومعها مجموعة من الرفقاء والرفيقات أذكر منهم نبيل كيروز، جوزف مشهور، شارل عيسى، سعاد حجار.
كنت كوكيل لعميد الداخلية أشرف على الشعبة، التي كان من أعمالها وضع برنامج إذاعي – تربوي، وآخر للمخيمات، كما قرّرت وضع نشيد للأشبال وكنا بصدد درس وضع قَسَم خاص بالشبل قبل انتمائه.
الخطوة الأولى كانت بوضع الأمين غسان مطر نشيد الأشبال، الذي بعد ان اطلع عليه الرفيق الموسيقار زكي ناصيف، بمتابعة من ابنة أخيه الأمين شفيق، الرفيقة صفية، وضع اللحن، وهو الثالث له بعد نشيد الحزب الرسمي، ونشيد «موطني يا توأم التاريخ».
كان بيت الطلبة في ساحة الدباس في الطابق الثاني من بناية مشرفة على الساحة التي كانت تغصّ بآلاف المواطنين باعتبارها مجاورة لساحة الشهداء، ومثلها مصباً لكلّ الوافدين الى بيروت من مناطق لبنان، او من أحياء بيروت الى وسطها، وبالعكس.
وجميعهم كانوا يشاهدون علم الزوبعة، الشاهق، مرفرفاً فوق الشرفة المطلّة على الساحة، وقد بقيَ كذلك الى أن اندلعت الحرب اللبنانية، وبدأ الجنون.
في هذا البيت كان الرفيق زكي ناصيف يلتقي مجموعة من رفقاء ورفيقات يدرّبهم على نشيديّ «سورية لك السلام» و «موطني يا توأم التاريخ»، ومن الحضور على ما أذكر: الرفقاء والرفيقات غسان مطر، ماغي عازوري مطر، نجوى نصر، حياة الحاج، جورج عبيد، سامي ابو انطون، وليد أيوب، وسجل الرفيق زكي نشيد الأشبال بصوته
الرخيم، وراحت الشعبة تدرّب الأشبال والزهرات عليه. الرفيقة ابتسام نويهض تولّت ذلك مع أشبال وزهرات منفذية بيروت، الرفيق سامي أبو انطون والرفيقة هدى أبو انطون مع أشبال وزهرات منفذية المتن الشمالي.
حتى اذا نظم الحزب مهرجانه الحاشد في 9 تموز 1972 في ضهور الشوير، ظهرت مجموعة أشبال وزهرات من منفذيتي بيروت والمتن الشمالي تؤدّي لأول مرة نشيد الأشبال وسط فرح وهتاف وتصفيق آلاف القوميين الاجتماعيين الذين غطوا المكان المحيط بدار الزعامة.
وعن شعبة الأشبال أفادت الرفيقة صفية ناصيف انها أشرفت على دورتين في مخيم أقيم في باحة العرزال في ضهور الشوير، ونظمت دورة ثالثة، كانت فيها آمرة المخيم فيما تولت الرفيقة إكرام المنذر إدارة المطبخ، والتدريب للرفيق خليل أدهم.
كلمات النشيد:
حدثـــــي عنــــا الزمانـــــا
يــا أغــاريـــد الـخــلــــود
كـبــريــاه مـــن دمــانـــــا
مــن دم الــجــيـــل الـجـديــد
يــا بــــــلادي
نـحـن أزهـار الحـيـاة الثـائـرة
فـي الـتـنــــادي
تـنتـشـي فـينـا الدمـاء الطاهرة
وتـــثـــور الـكـبـــريـــــاء
تـنـسـج الـعـــــز لــــــواء
وتـغـنـــي مـجــد أرض ظـافــرة
نـحـن لا نـرضـى الـهـوان
نـحـن لا نرضـى الـقـيـود
قـد مـلـئـنـا عـنـفوانـا
مـن حـكايـات الـجــدود
مــــا نــســــيـنـا
يـا فلســطـيـن منارات الهدى
فــاســـمـعـيـنــــا
صرخـة تـهـزم أسـوار الردى
فـعـلــى صــوت الـجــراح
وعـلــى حـــد الرمــــاح
يتـعـالى صوتـنـا نـحـن الـفدى
ونـروي مــن دمــانــا
عـلــم الـنـصــر الأكـيــد
وســتـزهـو يـا لـوانـا
فـــوق هـاتـيـك الـحــدود