خطاب الأبواق الخاوية: ماذا بعد…؟
} خضر رسلان
فكر التفوّق الطائفي ومفاهيم الكمّ والنوع التي أسّست للاختلال القيَمي بين أفراد المجتمع اللبناني شكّلت عقيدة وركيزة لممارسة الحكم الذي وسم النظام اللبناني منذ نشأته بحدوده الحالية، وبالرغم من الرغد والأمن الاقتصادي الذي كان سائداً إلا أنه كان عنواناً للقمع والتسلّط والقهر الطبقي والطائفي، وهذا الذي أنتج انفجاراً اجتماعياً وحرباً أهلية كانت عاملاً مساعداً للقوى الدولية التي أرادت إشعال أتون حرب تخدم مصالحها ومصالح الكيان الصهيوني القائم فوق أرض فلسطين المجاورة للبنان.
توهّم الكثيرون وراهن العديد منهم على انّ تجربة الحرب التي انتهت مع إعلان اتفاق الطائف عام 1989 والتي اكتوى بتداعياتها الأغلبية الساحقة من اللبنانيين ستغيّر من السلوك الذي كان سائداً لدى طبقة من القادة المسيحيين الذين اتخذوا خيارات ساهمت في إضعاف الدور المسيحي، ومنها على سبيل المثال الاصطفاف العلني الى جانب الغزاة الصهاينة في اجتياح 1982 والمشاركة في حصار بيروت والدور الواضح لهذه القوى في مجزرة صبرا وشاتيلا فضلاً عن الاستقبال العلني وبحفاوة لأرييل شارون وانتخاب رئيس للجمهورية اللبنانية تحت الرعاية الإسرائيلية!
في ظلّ إصرار أطراف مسيحية محدّدة ساهمت في شكل رئيسي في إضعاف التأثير السياسي للمكوّن المسيحي في لبنان على إعادة صياغة خطاب طائفي غير مبرّر وصنع معارك وهمية مع شركاء في الوطن تحت عناوين غير واقعية تتقاطع مع شعارات سبق ان تمّ طرحها كانت وبالاً على المكون المسيحي بشكل خاص، كيف يمكن لعاقل أن يركن لخطاب متنكر لأبسط قواعد الشراكة ان ينسى شعار «احمل صليبك واتبعني» نحو تهجير المسيحيين من شرق صيدا وجبل لبنان، وتحت عنوان «المجتمع المسيحي فوق كلّ اعتبار» لا مانع من سفك دماء مئات الشباب بالرمي بالرصاص او الرمي بالبحر، لإسقاط الاتفاق الثلاثي الذي فوائده ومكتسباته بالنسبة للمسيحيين تفوق بدرجات ما تحقق في اتفاق الطائف الذي وافق عليه المنقلبون على الاتفاق الثلاثي.
السؤال الذي يطرح نفسه استناداً الى الذاكرة التاريخية هل سيؤدّي تجديد الخطاب الطائفي الخاوي من كلّ عناصر الموضوعية والعقلانية الى توجيه ضربة قاضية الى كلّ أمل باعادة احياء الدور والفاعلية للمسيحيين في الشرق وما هي مصلحة المسيحيين في استعداء طرف أعلن جهاراً سواء عبر أمينه العام او من خلال رسائل موثقة على:
ـ نهائية الكيان اللبناني.
ـ التزام وثيقة الوفاق الوطني التي تنص على الشراكة والمناصفة.
ـ الحرص على قانون انتخاب يراعي هواجس المسيحيين ومن ضمنها عدم تصويت من بلغ الثامنة عشرة من العمر.
الموافقة على تصويت المغتربين رغم صعوبة تصويت مناصريه في الخارج.
وغير ذلك الكثير من القضايا التي راعى فيها المسيحيين من منطق الحرص والشراكة الوطنية.
هل انتقص حزب الله من حقوق المسيحيين عندما ساهم في تحرير الجنوب وحمى كلّ الأهالي من أيّ ردّ فعل؟ وهل أساء حزب الله عندما هزم التكفيريين؟ وهل جريمته انه فرض على الصهاينة والأميركيين استفادة لبنان من ثروته النفطية والغازية؟
لماذا هذا الخطاب التحريضي وعلى ماذا تراهنون، ألم تتعلموا من تجاربكم السابقة؟ وإلى أي درك تريدون إيصال من تنطقون باسمهم؟ من المؤكد انّ رهانكم على حكمة المقاومة، وانكم تدركون أنها لا تعير شأناً لكم، وانكم رغم خطابكم المتهوّر تعلمون جيداً انّ موازين القوى لا يوجد مكان للمقارنة فيه سواء في القدرات التي تمتلكها المقاومة او في انعدام الغطاء الدولي الذي لا يمانع من إخلاء الشرق كله من الوجود المسيحي، بل يبدي جهوزيته الدائمة في إعادة بواخر دين بروان وكيسنجر الى العمل والإبحار من جديد لإخلاء لبنان من مسيحييه خدمة للأهداف الاسرائيلية.
لا شك انّ عملية الاستمرار في الخطابات الرنانة الخاوية إنما هي استمرار للخيارات التاريخية الخاسرة التي ساهمت في إضعاف الدور والحضور المسيحي، وماذا بعد…؟
حمى الله لبنان من الرهانات الخاظئة المتكررة والخطابات الرنانة الخاوية التي مثلها كمثل الزبد لا يمكث في الأرض بل يذهب جفاء…