الجماعة الكردية المسلحة ومصير القوات اللبنانية في الجبل
ناصر قنديل
– بعيداً عن التوجهات السياسية المواقف من المحاور الإقليمية والدولية، يفتتح النزاع المسلح بين الجماعات الكردية المسلحة التي تتخذ لنفسها اسم قوات سورية الديمقراطية من جهة، والعشائر العربية التي تمثل أغلبية 85% من سكان مناطق سيطرة الجماعات الكردية المسلحة، مشهداً تصعب السيطرة عليه، ويستعيد الكثير من وجوه الشبه مع النزاع الذي نشب بين مسلحي القوات اللبنانية وأبناء قرى وبلدات جبل لبنان من المسلمين، وخصوصاً من أبناء طائفة الموحدين الدروز، عام 1983.
– الجماعتان في خطة السيطرة على الجغرافيا والسكان، لم تستطيعا التحرّر من عنصرية طائفية أو عرقية، ولم تستطيعا التفلت من إغراءات مشروع للتقسيم. وقد تسلقت الجماعتان على كتف احتلال أجنبي للبلاد، تحت عنوان تقديم خدمات جيوسياسية واستراتيجية على حساب المصلحة الوطنية للبلد الذي تنسب كل منهما إليه، بما لا لبس فيه. وأوجه الشبه كثيرة بين الاحتلال الإسرائيلي للبنان والاحتلال الأميركي في سورية، كما هي أوجه الشبه في استغلال القوات اللبنانية لعلاقتها بالاحتلال الإسرائيلي لفرض هيمنتها على الطوائف الأخرى في الجبل، بخلفية دموية عنصرية، واستغلال الجماعات الكردية المسلحة لعلاقتها بالاحتلال الأميركي في سورية لفرض هيمنة مشابهة، حتى في بعض تفاصيل تقاسم الثروات المنهوبة، والخوّات المفروضة على الحواجز، وممارسة الإذلال والإخضاع بحق المكونات الأخرى.
– كما لم يكن على جدول أعمال القيادة السياسية في الجبل خوض معركة تحريره من الاحتلال الإسرائيلي، ولا يبدو أن على جدول أعمال قيادات العشائر العربية في شرق سورية خوض معركة تحرير مناطقهم من الاحتلال الأميركي. وكما حاولت القيادة السياسية في الجبل تفادي المواجهة مع القوات اللبنانية وقبول وساطة الاحتلال الإسرائيلي لفض الاشتباكات معها، تبدو قيادة العشائر العربية في موقف مشابه، لكن توحّش الجماعات العنصرية العاملة تحت قيادة جماعات قسد كما كان توحّش الجماعات العاملة تحت راية القوات اللبنانية، تكفّل في الجبل، ويتكفّل في شرق سورية بإنتاج غضب عارم يترجم مواجهة للهيمنة. وكما فرض هذا العامل إيقاعه على القيادة السياسية في الجبل وصولاً لتوليها قيادة الحرب بوجه القوات اللبنانية، والانخراط في تحالفات تضمن إنهاء هيمنتها، يبدو أنه يفرض على قيادات العشائر العربية إيقاعاً موازياً. وكما وجدت القيادة السياسية في الجبل أنها على خط تماس إقليمي دولي تشتبك فيه مع المشروع الأميركي الإسرائيلي، وتنضوي في محور إقليمي تقوده سورية ويضم كل حلفائها، يبدو أن مساراً موازياً سوف يظهر في شرق سورية.
– لا أهمية هنا لخطوط التماس، ولا لمساعي التهدئة والاتفاقات المؤقتة، ولا لتوزّع القدرات العسكرية والتسليحية، طالما أن لا رجعة في الشعور بحال العداء بين بيئتين اجتماعيتين تسببت سياسات الجماعات الكردية بإطلاقها في شرق سورية، كما تسببت بمثلها القوات اللبنانية قبل أربعين سنة في الجبل. وكلما بدا أن هيمنة الجماعات الكردية تستمد قوتها من دعم الاحتلال الأميركي، والتفوق التسليحي، سوف ينتج ذلك ظهور تشكيلات تتسلح وتستعدّ لجولات قتال جديدة، بعيداً عن العلاقة بالاحتلال الأميركي، ولا تمانع من تلقي السلاح والإسناد الناري من مواقع الجبهة المناوئة للاحتلال الأميركي. وهذا هو بالضبط الذي جرى في الجبل في الحالة المشابهة والموازية.
– في جبل لبنان وجد الإسرائيلي ومن بعده الأميركي الذي جلب المدمّرة نيوجيرسي ووحدات المارينز لمساعدة الحليف الإسرائيلي ومعه القوات اللبنانية، أن الخيارات تضيق، لأن الانحياز الكامل الى جانب القوات اللبنانية سوف يجعل كل الجبل بيئة للمقاومة، تجعله ينزف بغزارة، والانحياز الى جانب سكان الجبل سوف يعني خسارة ولاء القوة الصافية التي تقاتل معه بلا شروط وهي القوات اللبنانية، دون كسب سكان الجبل، والبقاء في خط الوسط والسعي للتهدئة يفقده السيطرة ويظهر العجز عن وقف القتال وصولاً لنشوء مناطق خارج سيطرته لا يضمن عدم تحولها إلى بؤر للمقاومة ضده. وهذا الوضع دفع الإسرائيلي ومن بعده الأميركي الى قرار الانسحاب بصفته أهون الشرور، قبل أن يبدأ نزيف الدم الذي لا طاقة على حمله.
– هذا المسار ليس متخيلاً. فكل شيء في شرق سورية يقول إنه يقترب كل يوم، وإن الأميركي سوف يدفع أثماناً أعلى كلما تباطأ في اتخاذ قرار الانسحاب.