هكذا تكلم بوتين…
} سعادة مصطفى أرشيد*
ما يجري في أفريقيا من تغييرات هو تحصيل، وحاصل لاسترداد روسيا لدورها القوي من أيام الاتحاد السوفياتي، وقد يكون من الواضح أنّ الأميركي يحاول إدارة الأزمة على أنها مشكلة فرنسية أوروبية لا غربية بالمنطق العام، إلا أنّ النتيجة هي أنّ الدور الروسي آخذٌ بالتطور والنمو وبما يشكل تحدياً حقيقياً للدول الناهبة للثروات الأفريقية بما فيها الولايات المتحدة الأميركية، حيث بدا ذلك بوضوح أكثر الإثنين الماضي في لقاء القمة بين الرئيس الروسي ونظيره التركي، وعند الحديث عن إحياء أو إعادة العمل بمبادرة البحر الأسود لتصدير الحبوب، قال الرئيس الروسي إنّ الاتفاق الذي توقف كان يذهب بِـ 70% من القمح الى أوروبا الغربية ولا يذهب للفقراء حيث يجب أن يذهب أولاً، أما في الاتفاق الجديد والذي ترعاه تركيا وقطر فإنّ روسيا على استعدادٍ لتوريد مليون طن من القمح لست من الدول الأفريقية مجاناً، إضافة لاستعداد روسيا لتقديم كلّ إمكانياتها اللوجستية مجاناً أيضاً لإيصال القمح لأصحابه بما يحلّ مشكلة الغذاء في أفريقيا.
كانت تركيا قد أرسلت إشارات تعبّر عن رغبتها بتقديم مبادرات تهدف الى وضع حدٍّ للصراع الروسي الأوكراني، وكانت ترى أنّ المدخل قد يكون بتطوير مبادرة البحر الأسود لتصدير القمح، ولكن الأسلوب الحاسم والحادّ للرئيس الروسي وتصريحات وزير خارجيته سيرغي لافروف جعل من المبادرة التركية تنتهي في مهدها وذلك بالتزام الأتراك بالشروط الروسية.
يأتي ذلك في وقت تحقق فيه روسيا نتائج على الأرض في أكثر من ساحة، أفريقية كما ورد آنفاً وبالشراكة مع سورية في ضرب الأميركان ومشروعهم الكردي «قسد» في شرق الفرات، كما في ساحة الحرب الرئيسية (أوكرانيا)، حيث فشل الهجوم الأوكراني المضاد برغم كلّ ما زوّد الغرب أوكرانيا من إمكانيات لوجستية وعسكرية واستخبارية ومن منظومات الحرب الإلكترونية، حيث لم تجد القيادة الأوكرانية إلا أن تجعل من وزير دفاعها ضحية لفشل المنظومة بأسرها واستبداله بوزير جديد.
هذا في حين يتنامى شعور الأوروبيين ضجراً ويأساً من عبثية الحرب التي اشتعلت بإرادة أميركية خالصة، لكن على حساب مصالح الأوروبيين، حيث يرون عبثية دعم المشروع الأميركي الذي استثمر في زلينسكي العاجز لا على الانتصار على روسيا فحسب وإنما حتى عن مشاغلتها. فهذه الحرب أصبحت ثقيلة عليهم وبما يفوق ثقلها على روسيا، يُضاف الى ذلك فضائح الفساد المتداولة بشراء بضائع للجيش بثلاثة أضعاف ثمنها الحقيقي من جيوب الأوروبيين. ومؤخراً استطاعت روسيا بسهولة إغراق أربع زوارق أوكرانية متطورة ذات منشأ أميركي، ولاحقاً قصف الجيش الروسي ميناء إسماعيل على البحر الأسود، وهو الميناء الرئيس لتصدير القمح الأوكراني.
بدا الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الاثنين الماضي في المؤتمر الصحافي مع الرئيس الروسي مرهقاً فاقداً للمهارة الأكروباتية السياسيّة، فكان على غير عادته عاجزاً عن التمظهر بمظهر القوي الذي اعتدنا أن نراه عليه، خاصة في مؤتمراته الصحافية المشتركة مع قادة الدول، ولم يعطه الرئيس بوتين الفرصة لدرجة أنه قاطعه عندما تحدّث عن مساهمة بلاده ببضع طائرات دفاع مدني لإطفاء حرائق الغابات في روسيا وذكّره من فوره بأنّ فرق الإنقاذ الروسية كانت أول من وصل الى تركيا عقب الزلزال الأخير الذي ضربها.
أثار ما تقدّم حفيظة الأوكرانيين خاصة أنّ أردوغان قد تحدث في المؤتمر الصحافي بغير اللغة التي كان يحدثهم بها فقد كان مجاملاً لمضيفه القوي قائلاً بأنّ على الأوكران أن يكونوا أكثر مرونة وإيجابية مما دعا هؤلاء لانتقاده واعتبار تصريحاته غير مقبولة وان سلوكه وأداءه قد أظهره بمظهر دوني أمام نظيره الروسي.
لم يكن الرئيس بوتين ليفوّت الفرصة بأن يتناول الموضوع السوريّ مع إشاراتٍ لاحتلال تركيا لأراضٍ سورية، وإسماعه ما عليه أن يسمع. فالسوريون هم مَن يقرّرون مصيرهم دون تدخل من أحد، وان إنهاء الأزمة لا يكون إلا بحوار سوري سوري أيضاً دون تدخل من أحد وانّ وحدة وسلامة الأراضي السورية هي مسألة لا تحتاج إلى نقاش.
هكذا تكلم بوتين.
*سياسي فلسطيني مقيم في الكفير – جنين – فلسطين المحتلة.