مشاريع يمتنع عنها لبنان كرمى لعيون واشنطن
ناصر قنديل
في بلد يعاني أسوأ أزماته الاقتصادية والمالية، وتشكو دولته من نقص الموارد، وتعجز الدولة عن تأمين الكهرباء لمواطنيها، بصورة منتظمة وبسعر مقبول وتتركهم فريسة لقراصنة المولدات يفرضون شروطهم بلا رحمة، كيف يمكن للمسؤول والحاكم أن يتجرأ على تجاهل مشاريع أو رفض مشاريع، تصبّ في خانة تخفيف الأعباء عن المواطنين وزيادة مداخيل الخزينة، والمساهمة باستقرار سوق العملات، وتؤثر حكماً على سعر صرف الليرة إيجاباً، لكن هذا يحدث واقعياً، وسط غياب شعبي وسياسي عن الملاحقة وتحميل المسؤوليات.
خلال سنوات التأزم الممتدّة علناً منذ العام 2019، طُرح في التداول العديد من المشاريع القابلة للتمويل والتشغيل دون تكليف الدولة أعباء مالية، ويترتب على الموافقة على السير بها انتعاش في قطاعات حيوية وتسهيل حياة الناس، وتخفيف الأعباء عن الخزينة وعن سوق الصرف، وأغلب هذه المشاريع يتصل بقطاع الطاقة والكهرباء. وإذا دققنا فيها سنجد أننا أمام سلة تتكامل عناصرها، لتؤمن الكهرباء والمشتقات النفطية بأسعار مناسبة، وتطلق الحركة الاقتصادية بفعل ذلك. ومن هذه المشاريع ما يزال مطروحاً على الطاولة من جانب الجمهورية الاسلامية الايرانية، ويتضمن العرض الإيراني تأمين معامل إنتاج بقوة 2000 ميغاواط تكفي بإضافتها الى المعامل القائمة لتأمين الكهرباء 24 ساعة يومياً، وتتضمن تجديد محطات التحويل وشبكات النقل لضمان هذا الانتظام في الطاقة طيلة الـ 24 ساعة يومياً لكل المناطق اللبنانية، وتأمين الوقود اللازم لتشغيل المعامل، وتأمين التغطية المؤقتة للكهرباء ريثما يكتمل هذا المشروع إما عبر محطات صغيرة أو عبر شبكات ربط عبر سورية والعراق، وتتقاضى ايران ثمن بيع الكهرباء من هذه المعامل لكهرباء لبنان بالليرات اللبنانية، ضمن حساب يبقى في مصرف لبنان لمدة كافية لضمان توازن أسواق الصرف يتفق عليها، وتصبح كل هذه البنية ملكاً خالصاً للدولة اللبنانية خلال مدة يتفق عليها.
من هذه المشاريع أيضاً عروض صينيّة وروسية لتأمين مصافي نفط حديثة كافية لتكرير ملايين البراميل يومياً، وضمان تأمين النفط الخام لهذه المصافي, وتقوم المصافي ببيع المشتقات النفطية التي تلبي حاجات السوق اللبنانية، بما فيها حاجات تشغيل الكهرباء، بالليرات اللبنانية، وضمان حصة لبنان بالعملات الصعبة من البيع الذي يتحقق للمشتقات عبر لبنان نحو الخارج. ومن هذه المشاريع ما تداوله العراق مع مسؤولين لبنانيين عن تشغيل خط سكة حديد بيروت بغداد، بما يجعل لبنان ومرافئه على المتوسط نقطة الوصل بين العراق والأسواق الأوروبية. وهذا يوفر على العراق وقتاً ومالاً لاستقبال مستورداته، ويسدّد العراق مقابل حصة لبنان من هذا المشروع كميات من النفط التي يحتاجها لتوليد الكهرباء، بل إن العراق طرح في التداول البحث المشترك مع سورية لإعادة تشغيل خط كركوك بانياس وطرابلس، وهو خط لا يحتاج أكلافاً كبرى لتشغيله، ويضمن تشغيل مصفاة طرابلس بعد تطويرها، ويغطي كميات تفيض عن حاجات لبنان وتؤمن تصدير النفط العراقي الخام عبر المتوسط ويشكل نافذة لتصدير النفط العراقي في ظل مشاكل كبرى يعانيها العراق في التصدير عبر تركيا، إضافة لبيع المشتقات النفطية المكررة.
آخر هذه المشاريع ما تلقاه وزير الاتصالات من عرض سوري عراقي باستثمار الطاقة غير المستخدمة من الكابل البحريّ الذي يربط لبنان بالعالم، سواء في مجال الإنترنت والاتصالات الهاتفية أو نقل الداتا، وهذا المشروع في حال الموافقة اللبنانية عليه يضمن للخزينة اللبنانية عائداً صافياً يقدر سنوياً بمليار ونصف المليار دولار.
مشاريع الطاقة إذا تمّ السير بها تتكفل وحدها بتخفيض فاتورة لبنان من العملات الصعبة بما يزيد عن أربعة مليارات دولار سنوياً. وهذا وحده يضمن استقراراً في سعر صرف الليرة إن لم يفرض تحسن سعر الليرة، وتضمن المشاريع تشغيل الكهرباء وما يتركه ذلك على الاقتصاد ومستوى معيشة اللبنانيين. هذا إضافة للعائدات الضخمة التي تجنيها الخزينة اللبنانية، وتضمن الدولة واردات هي بأمس الحاجة إليها.
لم يفعل لبنان شيئاً، ولم يحرّك ساكناً، واكتفى بالقول إنه لا يستطيع البحث بهذه المشاريع، لأنها تقع تحت فيتو أميركي، ويأتيك مَن يحدّثك عن السيادة؟