مخابرات الجيش تنجح بفرض وقف إطلاق النار في عين الحلوة… لكن النار تحت الرماد باسيل ينسحب من دعم مبادرة بري… وخليل يردّ: كاد المريب في التعطيل يقول خذوني محاولة تنسيق فرنسي سعودي… وجنبلاط يربط الرئاسة والحوار بتفاهم أميركي إيراني
} كتب المحرّر السياسيّ
نجحت مخابرات الجيش اللبناني في الجنوب بالتوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار في مخيم عين الحلوة بعد ظهر أمس بقي صامداً حتى ما بعد منتصف الليل، مع بعض الانتهاكات المحدودة، وذلك عبر تحميل الفصيلين الرئيسيين حركة فتح وحركة حماس مسؤولية تثبيت وقف النار، وبقيت قضية إجرائية عالقة تتصل بقدرة الفصيلين على ضمان إخلاء المدارس، التي يشكل الخروج منها نوعاً من التسليم بعدم العودة للقتال، نظراً لمواقعها المؤثرة قتالياً، أما الأمر السياسي الذي بقي عالقاً، وبقي معه الجمر تحت الرماد فهو عدم التوصل إلى حل في قضية تسليم المطلوبين. ومن المتوقع أن يشهد اليوم استمرار الاتصالات والمساعي أملاً بحلحلة القضايا العالقة، فيما قالت مصادر فلسطينية إن جدية تعاون فتح وحماس تستطيع ضمان التهدئة في المخيم.
رئاسياً وسياسياً، كان لافتاً في كلمة رئيس التيار الوطني الحر النائب جبران باسيل في البترون عشية أول أمس انسحابه من الموقف الداعم لمبادرة رئيس مجلس النواب نبيه بري لجلسات حوار محدّدة بسبعة أيام في مجلس النواب تحت عنوان الرئاسة فقط، تليها جلسات انتخاب متتابعة، حيث علّق فور صدور المبادرة مؤيداً بقوله، هذا ما كنا ندعو إليه، وتبعه عدد من نواب التيار بمواقف التأييد. بينما جاء كلام البترون تصعيدياً دون تفسير حيث وجه باسيل سهام التشكيك لمبادرة بري، واضعاً الدعوة في كفة موازية لرفضها، وفق توصيف يقول إن الفريقين يقفان عند محاولة تمرير مقاربة فئوية للاستحقاق الرئاسي. وردّ المعاون السياسي لرئيس مجلس النواب النائب علي حسن خليل على كلام باسيل، بهجوم عنيف، تناول باسيل والرئيس السابق ميشال عون، وصولاً للقول إن ما ينطبق على قول باسيل هو كاد المريب في التعطيل أن يقول خذوني.
رئاسياً أيضاً كان كلام النائب السابق وليد جنبلاط في استقبال البطريرك الماروني بشارة الراعي، في ذكرى مصالحة الجبل، اعتبر فيه أن الرئاسة رهينة اتفاق أميركي إيراني، من خلال توجيه أسئلة للوسيط الأميركي في ملف النفط والغاز عن ترسيم حقل بعبدا الرئاسي، ومثلها لوزير خارجية إيران حسين أمير عبد اللهيان عن تسهيل انتخاب الرئيس.
ولليوم الثاني على التوالي تواصلت الاشتباكات المسلحة والكرّ والفرّ بين حركة «فتح» والمجموعات المتطرّفة في مخيم عين الحلوة على محور البركسات والتعمير والطوارئ، أدّت الى عدد من الإصابات، وذلك بعد انهيار الهدنة واتفاق وقف إطلاق النار الذي حصل الشهر الماضي.
وأدّى الرصاص الطائش الذي طاول بعض أحياء مدينة صيدا، الى إصابة عنصر في الأمن العام برصاصة في رأسه، حيث تمّ نقله الى مستشفى حمود في صيدا، وخضع لعملية جراحية في الرأس.
وكانت إحدى قذائف الاشتباكات سقطت على سطح مبنى سرايا صيدا الحكومي، ومكتب تابع للأمن العام فيها ما تسبب بأضرار جسيمة في سطح المبنى وتحطم زجاج أحد مكاتب الأمن العام في السرايا. وقد وجّه المنسق المقيم للأمم المتحدة ومنسق الشؤون الإنسانية في لبنان عمران ريزا نداء عاجلاً لوقف القتال في مخيم عين الحلوة وإخلاء المدارس التابعة للأونروا.
ويشير مصدر رسمي فلسطيني مطلع يشارك في المفاوضات لوقف إطلاق النار، لـ»البناء» إلى أن عودة الاشتباكات، سببها رفض المسلحين تسليم قتلة «العرموشي». ويلفت إلى أن «المجموعات المتطرفة تلقت دعماً خارجياً للسيطرة على المخيم بعد عودة داعش إلى الواجهة في أكثر من ساحة في المنطقة، وكان الاعتقاد أن اغتيال العرموشي يضرب معنويات حركة فتح ويلغي دورها في المخيم، لكنها تفاجأت بأن الحركة استوعبت الضربة وخاضت مواجهة وصدّت المسلحين».
ويحذّر المصدر من مشروع للسيطرة على المخيم، ما يؤدي الى زعزعة الاستقرار في المنطقة وينعكس على بقية المخيمات وبؤر التوتر الأمني في لبنان، لكن فتح لن تسمح بذلك وستعمل للقضاء على الحالة المتطرفة ولن تنتهي المعركة قبل تسليم المسؤولين الثلاثة المعروفين عن مقتل العرموشي». ويكشف عن دخول مسلحين وسلاح وأموال للمجموعات المتطرفة في المخيم.
وأعلنت هيئة العمل الفلسطيني المشترك للقوى الوطنية والإسلامية في منطقة صيدا الالتزام في تثبيت وقف إطلاق النار. مشيرة الى أن «قرار هيئة العمل المركزية بتعزيز القوة المشتركة من الأطر السياسية الوطنية والإسلامية للقيام بالمهام الموكلة إليها».
وحتى ساعة متأخرة من ليل أمس ساد الهدوء الحذر في المخيم خرقه بعض الطلقات النارية. لكن مصادر ميدانية لفتت لـ»البناء» الى أن المعركة لم تنتهِ، وهناك جولات قتال جديدة خلال أيام قليلة. وكشفت مصادر «البناء» أن قيادة فتح أبلغت هيئة القوة المشتركة إصرارها على تسليم قتلة العرموشي حفاظاً على أمن المخيم.
وأكد قائد الجيش العماد جوزاف عون، خلال رعايته حفل إعلان جرود عرسال ورأس بعلبك خالية من مخلّفات الحرب أنّ «انتشارنا هنا على طول الحدود، تتخلّله صعوبات كثيرة، سواء طبيعة المنطقة الجغرافيّة أو نقص العديد، لكنّ عسكريّينا يبذلون قصارى جهودهم لحمايتها ومنع عمليّات التّهريب والنزوح غير الشرعي»، مبيّنًا أنّهم «يتعرّضون لشتّى أنواع الشّائعات والاتهامات بالتّقصير، فيما الحقيقة تثبتها الوقائع اليوميّة بالجهود الجبّارة الّتي تقوم بها الوحدات المنتشرة على الأرض». ودعا كلّ مشكّك إلى «زيارة الحدود والاطّلاع ميدانيًّا على الوضع الّذي ينذر بالأسوأ قريبًا. فكفى تنظيرًا واتّهامات باطلة، وليقفوا خلف الجيش، لأنّه كان صمّام الأمان للبنان وسيبقى كذلك، ولن يحيد عن قسمه وواجباته».
في غضون ذلك، تترقب الأوساط السياسية عودة مبعوث الرئاسة الفرنسية جان ايف لودريان الى لبنان، على مسافة حوالي أسبوع من اجتماع اللجنة الخماسية لأجل لبنان في العشرين من الشهرِ الحالي على مستوى وزراء الخارجية في نيويورك. ومن المقرّر أن يعقد لقاءاته يومي الثلاثاء والأربعاء ثم يغادر لبنان الخميس المقبل.
وينتظر رئيس مجلس النواب نبيه بري ما سيحمله لودريان من اقتراحات للبناء على الشيء مقتضاه، ورجحت أوساط نيابية لـ»البناء» أن يوجه الرئيس بري دعوة للكتل النيابية للحوار في مجلس النواب بعد زيارة لودريان، وبالتالي سيتأخر الحوار الى ما بعد منتصف الشهر الحالي.
وفيما علمت «البناء» أن أغلب الكتل النيابية أبلغت الرئيس بري استعدادها للمشاركة في الحوار، يصرّ حزبا القوات والكتائب اللبنانية على مقاطعة الحوار، فيما ينقسم تكتل التغيير بين المشاركة من عدمها، ولفتت أجواء حزب «القوات اللبنانية» لـ»البناء» الى أنه «لن يشارك في الحوار الذي دعا اليه الرئيس بري لعدم اقتناعه بجدوى هذه الحوارات» ومشيراً الى «أن انعقاد الحوار من دون القوات والكتائب لا يشكل إحراجاً للقوات، فلكل طرف حق المشاركة لكن لن نغطي حواراً لانتخاب مرشح الممانعة».
وعن موقف «القوات» من جلسات الانتخاب ولمن ستصوّت بعد انفراط عقد فريق التقاطع على جهاد أزعور، أوضحت أن «القوات ستحدّد موقفها من أي جلسة يدعو اليها رئس المجلس لانتخاب رئيس في الوقت المحدد وقبل موعد الجلسة، لكن حتى الساعة الحزب الاشتراكي والتيار يعلنان دعم أزعور رغم الحوار مع الحزب، وأي تغيير على موقف الاشتراكي لا يلزمنا ولكن لن يؤثر على العلاقة مع القوات».
وعما اذا أدى الحوار الى التوافق على رئيس تيار المردة سليمان فرنجية، لفتت المصادر الى أننا «سنعمل أي شيء لمنع وصوله الى بعبدا بكافة الطرق الدستورية والسياسية، لكن لا يمكن أن يعطل الرئيس بري وفريق الممانعة النصاب لسنة وعندما يؤمن الأكثرية لمرشحه يدعونا الى جلسة».
وفي سياق ذلك، لفت رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع الى أن «الرئيس نبيه بري شاطر في البهلوانيات، والسؤال الأساسي هو: الحوار حول ماذا؟ لبنان يعيش فراغاً في سدة الرئاسة يقترب من إنهاء عامه الأول، وهذا يعالج بالانتخاب وفق ما ينص عليه الدستور».
في المقابل اعتبر رئيس الهيئة الشرعية في «حزب الله» الشيخ محمد يزبك أن «الشراكة بذاتها تقتضي الحوار والانفتاح والتفاهم وقبول الآخر، من منطلق الحفاظ على الشراكة والمصلحة الوطنية، بعيداً عن إملاءات وتدخلات الخارج، التي لا تتحقق معها المصلحة الوطنية والسيادة والاستقلال». وسأل «ما الذي يمنع من الاستجابة لدعوة الحوار التي أطلقها رئيس المجلس النيابي، ويدلي كل فريق معنيّ بدلوه. اتقوا الله أيها المسؤولون بحفظ الوطن وسيادته».
في غضون ذلك، وفيما كان الرهان على نجاح الحوار بين حزب الله والتيار الوطني الحر حول مطالب رئيس التيار الوطني الحر النائب جبران باسيل، وتسويق نتائجه عند حركة أمل لجهة اللامركزية المالية الموسعة والصندوق الائتماني، انفجرت على خط أمل والتيار، الأمر الذي قد يهدّد مشاركة التيار بالحوار وبالتالي يقلص فرص انتخاب رئيس للجمهورية.
وردّ المعاون السياسي للرئيس نبيه بري النائب علي حسن خليل على كلام باسيل خلال حفل عشاء التيار الوطني الحر، مساء أمس الأول، وأشار خليل في بيان الى أنه «بين زجل العم والصهر… وجولات الأُنْس، تتبدل المواقف بين عشاء وآخر. ليس غريباً على من يتقن فن تعطيل مصالح البلاد والعباد أن يبدل ترحيبه بمبادرة الرئيس نبيه بري الحوارية وينتقل الى نغمة الشروط والأولويات، وإثقال المهمة بنقاش عبثي ليس الا لتطيير الحوار وحرفه عن وجهته. وبعد أن شعر بحجم التجاوب الكبير مع المبادرة والتي خلقت دينامية مؤيدة للنهج الحواري ولدور الرئيس بري فيه، انتقل بالأمس الى تحليل خلط فيه عن سابق تهور الامور ببعضها، وافترض التضارب بين الدور الفرنسي والمبادرة، لينتقم من الإيجابيات التي تولدت في البلد. وكاد يقول كما المريب خذوني لتعطيل الحوار».
وأضاف: «ليغطي انقلابه على ما كان يفترض انها قناعاته الوطنية والسياسية وتحالفاته، الى تقاطع المصالح الضيقة التي أخّرت وعقّدت وما زالت الوصول الى انتخاب الرئيس العتيد. وعلى مقلب نشيد البطولات الوهمية الذي يكرّره بوقاحة في التدقيق الجنائي وهو الذي فضح اولاً ممارساته ومسؤوليته، وأدانه ببحر من مليارات الفساد والإدارة السيئة له ولمستشاريه من الوزراء التابعين، والعقود المشبوهة من البواخر الى الفيول وصولاً الى الهندسات التي تبنّاها زلينسكي العم واقتراحه والصهر معه خلافاً لكل الادعاءات التجديد بدلاً من التمديد لحاكم البنك المركزي والمحاضر تشهد… وللحديث تتمة».
الى ذلك، جال البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي وشيخ العقل لطائفة الموحدين الدروز الشيخ سامي أبي المنى أمس في الجبل، وتوج الراعي جولته هذه في قصر المختارة، حيث كان في استقباله وأبي المنى، رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي السابق وليد جنبلاط.
وأكد الراعي ان «هذا اليوم تاريخيّ وأتينا لكي نُحيي مرة أخرى المصالحة التي قمتم بها مع البطريرك صفير وأردتما أن تشمل جميع اللبنانيين، ولا مصالحة من دون مصارحة». وأشار إلى أن «لا يمكن أن يستمر لبنان في هذه الحالة وقد أصبح غريبًا عن ذاته».
من جانبه، قال جنبلاط إن «المصالحة في الجبل تكرّست على الرغم من بعض أصوات النشاز التي تعمل على نبش القبور وفي أدبياتنا الشهداء كلهم شهداء الوطن دون تمييز». وتوجّه للراعي بالقول «نقدر عالياً كل الجهود المحلية والعربية التي تقومون بها لحل معضلة الرئاسة ونحيي عالياً تأييدكم لدعوة الحوار». وسأل «هل يمكن ترسيم حقل بعبدا يا سيد هوكستين وهل يمكن تسهيل انتخاب الرئيس يا سيّد عبد اللهيان»؟.