العراق وتركيا والنفط مقابل الماء…
} محمد حسن الساعدي
شهد العراق سنة جفاف قاسية، أضرّت كثيراً بالأراضي الزراعية والمواشي، ما أثر بالسلب على الإنتاج السنوي للمحاصيل الزراعية المهمة، الداخلة في سلة الغذاء اليومية للشعب العراقي.
على الرغم من كلّ المحاولات، التي قامت بها الحكومات العراقية المتعاقبة، إلا أنّ التزمّت التركي ما زال هو سيد الموقف، وهذا أثر بشكل كارثي في جفاف البحيرات الرئيسية في العراق، وتراجع حجم الاهوار، بالإضافة الى نقص في حجم المياه المتدفقة الى نهري دجلة والفرات، ما أجبر العراق على اتخاذ التدابير التي لا ترقى الى مستوى المعالجة، بل كانت ترقيعية كتركيب مضخات جديدة، لاستخراج المياه من المساحات القريبة من الخزائن وعلى طول النهرين!
يبدو أنّ الوضع بات بائساً ومأساوياً، بالنسبة لملف المياه الذي شكل عقبة أمام حفظ الأراضي الزراعية، وزيادة استصلاح غيرها، حيث ذكرت منظمة الأغذية والزراعة العالمية في العراق، أنّ منسوب نهر الفرات بلغ 56 سم (نصف متر) في مدينة الناصرية، مما تسبب في جفاف 90% من الاهوار القريبة، كما أنّ المنظمة الدولية للهجرة قدّرت انّ ثلث النازحين، البالغ عددهم 85 ألف نازح بسبب شحّ المياه، يعيشون في محافظة ذي قار على طول النهر، حيث جعل نزوح هؤلاء بعد انخفاض منسوب المياه، فتحركوا الى داخل المدن… كما اضطر المزارعون الى ترك أراضيهم وممتلكاتهم، مما أثر بالسلب على الأراضي المستغلة، وتحوّل كثير منها الى أراض ميتة، تحتاج الى جهد كبير لإعادة إحيائها من جديد.
تركيا من جهتها تحاول المماطلة في هذا الجانب، إذ اعتمدت حكومتهم على عامل الزمن، من أجل تقييم الأضرار الناجمة عن الزلزال الأخير، الذي ضرب تركيا وأثر على خط الأنبوب الناقل، والذي أخذ العمل به لمدة 46 يوم وتوقف في 25 آذار بعد صدور التحكيم الدولي لصالح العراق، فكما نعرف تستخدم أنقرة خط الأنابيب، كورقة مساومة تمتلكها لانتزاع تنازلات، بشأن التعاون الوطني والأمني في أربيل وبغداد…
يصف المراقبون أنّ الاتفاق القريب ليس سهلاً، وليس بالمهمة البسيطة ويحتاج الى الكثير من الوقت، لأنّ هناك العديد من القضايا الشائكة، كما أنّ تركيا تبحث عن قضايا أخرى مع العراق، فهي تريد تخفيض مبلغ التعويضات، التي يجب أن تدفعها، والبالغة 1,5 مليار دولار، الى جانب تقديمها لمطالب صعبة أخرى، بما فيها تخفيضات كبيرة في أسعار النفط، وإسقاط جميع المطالبات ضدّها، بالإضافة الى زيادة رسوم نقل النفط عبر أراضيها، الى 7 دولار لنقل البرميل الواحد، مقارنة بما حدّدته معاهدة خطوط الأنابيب عام 2010، والتي حدّدت رسول النقل 1,18 دولار، بالإضافة الى تعويض تكاليف خط النقل الناقل.
ملف إيقاف تصدير 450 ألف برميل يومياً، من صادرات النفط لمدة خمسة أشهر، والتي تقدّر مبالغها بحوالي 5 مليار دولار، من إجمالي الإيرادات غير المتحققة، والعراق بحاجة الى هذه الأموال، لتنفيذ الموازنة لعام 2023 التي تبلغ 150 مليار دولار، والسيطرة على العجز الهائل والبالغ 48 مليار دولار، ما يعني انّ الخسائر التركية المترتبة على وفق ضريبة النفط، أقلّ من خسائر العراق، حيث تقدّر خسائر تركيا بحوالي 2 الى 3 مليون دولار يومياً من رسوم عبور، مما يضع جانباً الفرص الضائعة، المتمثلة في تنشيط تجارة النفط والغاز مع العراق.
من المفارقات أنّ قرار تركيا بإطالة أمد وقف صادرات النفط من العراق، قد إعاد ترتيب مصالح بغداد وأربيل، بحيث لأول مرة يتفق الطرفان، على ضرورة وصول نفط العراق الى الأسواق الدولية، ويمكن أن يكون موقف العراق أقوى بكثير من موقف أنقرة، لذلك يمكن له أن يجعل هذا الملف ورقة ضغط ومساومة مع أنقرة، ومن المؤكد أنّ اتفاق الرؤية بين أربيل وبغداد، يمكن أن يساعد العراق على الاستثمار في زيادة الإنتاج من كركوك، للحصول على مزيد من تدفق النفط عبر تركيا، لجعل مشروع خط الأنابيب الناقل معها أكثر ربحاً وفائدة، وتحصل انفراجة في ملف المياه تبعاً لذلك…