«الرهانات المشبوهة» ومسبّبات رفض الحوار …
} نمر أبي ديب
ما بين جدلية الرفض السياسي لمبادرة الرئيس نبيه بري الحوارية وجولة المبعوث الفرنسي جان إيف لودريان، يقف لبنان بـ جميع مكوناته الداخلية الرسمية والشعبية على منصات الانتظار السياسي والترقب لما بعد الجولة الفرنسية أولاً، وأيضاً إلى ما بعد الرفض المبدئي للحوار الرئاسي الذي عملت به أحزاب لبنانية عديدة، ومكونات أساسية وضعت نفسها ضمن مراحل سابقة وحالية، في خانة «حزب الرئيس»، كـ رديف استثنائي يعكس حرصاً تاريخياً على تقديم سياسات «الدعم والاحتواء» للموقع الماروني الأول، الذي يعيش اليوم فراغاً كيانياً/ وجودياً لفحته رياح المداورة الرئاسية من جهة ونسائم المؤتمر التأسيسي، الذي يريد البعض من خلاله تحقيق «انقلاب سياسي وآخر مؤسساتي» على توازنات داخلية كرّستها مراحل ما بعد الطائف، ضمن محاولات مُجَمَّلَة يُراد من خلالها تخطي حقيقي لـ زمن الانتصارات، وإدخال لبنان الأمني والسياسي زمن «التدويل المُمَنهج» المرتكز على رغبات داخلية، ومعادلات أسقطها الزمن بفعل التحوّلات الداخلية وموازين القوى الحالية التي أرست مع التحرير عام 2000 وحرب تموز 2006 إضافة للترسيم البحري، قواعد اشتباك جديدة مع الكيان الإسرائيلي، و»توازنات بحرية» استراتيجية وضعت لبنان على مسار «الدول النفطية»، وهنا تجدر الإشارة إلى أنّ ما يقوم به البعض ويعمل بما يضمن ترجمته على الساحة اللبنانية، يندرج ضمن إطار «المؤامرة الانقلابية بالمفهوم السياسي» كما العمل على توفير الظروف الداخلية المناسبة، لإحداث متغيّرات جوهرية تحاكي في أبعادها الظرفية وحتى الاستراتيجية مراحل جديدة من العمل السياسي الناظم للإدارات الرسمية كما المؤسّسات السياسية والأمنية، ما يطرح أكثر من علامة استفهام وتساؤل حول الخلفيات الحقيقية لقرار رفض الحوار، في مراحل وجودية دخل معها لبنان مرحلة الانهاك السياسي الأمني والاقتصادي.
السؤال يتمحور اليوم حول «ماهية المراحل السلبية» التي يمكن أن يدخلها لبنان بعد رفض المعارضة الحوار الرئاسي؟ وأيضاً حول «البدائل السياسية» التي يمكن أن توفرها قوى المعارضة من خارج طاولة الحوار لإخراج لبنان من عنق زجاجة الأزمة «المتعددة الأوجه والنتائج».
يدرك الجميع بمن فيهم المعارضة، النتائج السلبية التي يمكن أن يوفرها قرار رفض الحوار على مستوى تماسك المؤسسات، وحفظ الأمن السياسي وحتى العسكري في وطن كان ولا يزال على موعد دائم ومستمر مع مجمل الانقسامات العمودية التي شهدها صدام المحاور في مراحل سابقة كما اليوم ضمن الثلاثية القطبية المتمثلة بكلّ من الصين الشعبية، روسيا الاتحادية، والولايات المتحدة الأميركية، ما يؤكد نظرية المؤامرة السياسية، وفي حدّه الأدنى الرهان على تحوّل استراتيجي متنام قادر على إحداث متغيّرات جوهرية في ملفات أساسية تلامس في وجوديتها أمن لبنان القومي وتحديداً «هوية لبنان السياسية»، وهذا يتضمّن بالنسبة لمحور المقاومة «خط أحمر وطني» وللبعض من المكونات الأخرى غايات سياسية مرفقة برغبات دولية عجزت «الولايات المتحدة الأميركية» عن تمريرها في مراحل استثنائية من تاريخ لبنان الحديث ومحطاته المفصلية.
ما تشهده الساحة اللبنانية اليوم هو جزء لا يتجزأ من مشهد «تغيير الهوية»، تحت مسمّيات سيادية ومقبلات داخلية كشفت خلفيتها السياسية ودوافعها الفعلية، استراتيجية «رفض الحوار»، وهنا تجدر الإشارة إلى مركزية الحقيقة الشعبية في النظام الداخلي اللبناني ودورها المتقدّم في صياغة وصناعة المشهد البرلماني، ضمن أكثريات نيابية قادرة على فرض توازنات سياسية وأخرى رئاسية، وتلك حقيقة برلمانية، وأحد أبرز المسبّبات السياسية الداعية إلى رفض الحوار انطلاقاً من عجز سياسي واضح مروراً بعدم امتلاك البعض قدرات شعبية كافية لإنتاج تحوّلات سياسية تحت سقف المؤسسات، وهذا يتضمّن عوامل داعمة ومنطلقات تُعتَبر كافية للأخذ في نظرية المؤامرة السياسية كما الرهان على تدخلات خارجية تعيد صياغة المشهد اللبناني بما يتناسب اليوم مع مشروع المعارضة السياسي، وأيضاً مع أهدافها المُعلنة وغير المُعلنة في السياستين الداخلية والخارجية.
في سياق متصل شكل الغياب الكامل للموقف الخارجي الإقليمي وحتى الدولي الحاسم والحازم من الاستحقاق الرئاسي، وتحديداً «شخص الرئيس»، أحد أبرز المسببات السياسية الهادفة إلى رفض الحوار في هذه المرحلة مع ما يشكله هذا الرفض من تسليم سياسي لقوى المعارضة بأمر واقع رئاسي فرضت موازينه العملية القوى المؤيدة لـخيار سليمان فرنجية، في مراحل أكثر من استثنائية فقدت فيها المعارضة كامل أوراقها الداخلية مع استثناء وحيد يتمثل اليوم في ورقة التعطيل، السارية المفعول رغم المشهد اللبناني الأليم والتموضع السياسي وحتى الاقتصادي الذي يقف من خلاله لبنان على حافة الهاوية.
لا شك أنّ التعطيل الرئاسي الناجم عن رفض الحوار يعادل في أبعاده الوطنية ونتائجه السلبية افتعال أزمة حكم سياسية، بهدف فرملة الجهود الداخلية المبذولة على مسار إخراج لبنان من أزماته المستمرة السياسية والاقتصادية.
بغضّ النظر عن تلبية دعوة الحوار من عدمها، ما تشهده الساحة الداخلية من تطورات سياسية ومحاولات آخرها «الحوار الرئاسي» الذي دعا إليه رئيس المجلس النيابي نبيه بري يُعَبِّر عن احتراف سياسي في لحظات مصيرية سقطت فيها المعارضة في مصيدة التسلل بـ التزامن مع هجمات مرتدّة أسفرت عن تسجيل هدف سياسي نظيف في مرمى «الفريق المُعارض الرافض للحوار»، فهل دنت لحظة الحقيقة الرئاسية؟ أم ما تشهده الساحة اللبنانية لا يتعدّى في إطاره العام حدود المراوحة الرئاسية على مسار التعطيل السياسي المستمر، بحكم الدوافع العديدة وغياب «كلمة السر» الخارجية، الإقليمية منها والدولية.