كوريا الشمالية والسودان… أيها المتنمرون
ناصر قنديل
– غالباً ما يرمي المتأمركون في وجهنا عندما ندعو لخيار المقاومة، معادلة تقول إن مشروع المقاومة يريد تحويل لبنان إلى كوريا شمالية ثانية، ويتحدثون عن كوريا الشمالية بلغة متعجرفة متعالية، كأنهم يتحدّثون عن شيء بغيض ويثير الاشمئزاز. وطبعاً عندما يريدون الحديث عن نموذج السير في ركاب الغرب وخيار التطبيع مع كيان الاحتلال يأتون بمثل الإمارات ليقولوا لنا انظروا أين هي الإمارات بفضل التطبيع والخيار الأميركي، وأين هو لبنان بسبب المقاومة، ونحن لا نريد أن نناقش في أسباب انهيار لبنان، التي تعود في أغلبها الى النموذج الليبرالي الفاشل مالياً واقتصادياً، قبل أي شيء آخر، وهو نموذج الغرب وليس نموذج الشرق. وفي كل حال إذا وضعنا جانباً هذا النقاش، نقول تعالوا لنقارن نموذجين متقاربين بين المنهجين الغربي والشرقي، لتكون المقارنة منصفة، فلا أحد يقارن البطاطا والتفاح.
– الحال هو كمثل القول بأن لبنان خسر مكانه في الفيلم الهندي الذي أعلن عنه كمشروع ممرات تجارية عبر الخليج نحو أوروبا وقيل إنه سيعبر من حيفا. وتجاهل القائلون إن الخاسر الأكبر هو مصر ثم تركيا، وكل منهما حليف ثابت للأميركي، وشريك كامل في مشاريع التطبيع، وليس في أيّ منهما مقاومة تتسبب بالغضب الأميركي أو السعودي لتستحق العقاب بضرب دور مصر وقناة السويس كمعبر مائي دولي للتجارة بين الهند وأوروبا، ومثلها تركيا التي تشكل الممر الإلزامي البري لأي مشروع بين الشرق وأوروبا. والتجاهل والتزوير في الوقائع سمة من سمات الإفلاس والاعتراف الضمني بالوقوف في خيار خاطئ، لأن الخيارات الصحيحة لا تحتاج لإثباتها إلى التزوير.
– زعيم كوريا الشمالية يصل إلى موسكو، والأميركيّون يتحدّثون بلغة المهابة عن كوريا ويعربون عن خشيتهم من نتائج الزيارة، فمرّة يقولون إن روسيا سوف تشتري من كوريا الشمالية الذخائر والمدفعية والصواريخ، ومرة يقولون إن كوريا سوف تحصل من روسيا على تقنيات نووية أكثر خطورة، وكوريا هذه فقيرة لا تخجل بفقرها، لكنها لا تبيع كرامتها، وشعبها يعيش في ظل دولة تؤمن الطبابة والتعليم والسكن والكهرباء والطرق والخدمات الأساسية، وليست لديها موارد نفطية، كما هو السودان، ولا هي تملك أرضاً بخصوبة أرض السودان، ولا مياه كمياه السودان، ولا إطلالة على البحر الأحمر، لكن تعالوا نقارن كوريا الشمالية والسودان، الذي اختار قادته المتقاتلون على كل شيء إلا على الشراكة بالتطبيع واسترضاء أميركا، ووقف ثواره في الخيار التطبيعي ذاته، وتبعيتهم للمشروع الأميركي، ونالوا بركة رضاه، فما هو حال السودان يا سادة؟
– السودان بلا كهرباء وبلا جامعات وبلا مستشفيات أيّها الوقحون الفاجرون، والسودان لا أمن ولا أمان، والناس تموت في الشوارع، والسياسة تفاهة وسخافة بلا مضمون. ونتحداكم أن تقولوا لنا القضية التي ينقسم حولها المتقاتلون في السودان، أو أن تجيبونا على عظمة نموذج الثورة التي طبّلتم وزمّرتم لها في السودان، وقادتها يخشون القبول بالانتخابات، يريدون حكم الناس دون انتخابات، وأنتم تشيحون ببصركم عن مثال السودان الذي يشكل النموذج الحقيقي للأفكار والخيارات التي تعرضونها على اللبنانيين، ومثلكم يعرضها أمثالكم على السوريين وسائر المنتمين الى خيارات الكرامة والاستقلال ورفض مشروع التبعية والتطبيع. وبين السودان وكوريا الشمالية تجوز المقارنة. أما إن أردتم مقارنة بالإمارات فتعالوا نقارن هونغ كونغ وهي تحت الحكم الصيني. وبين السودان وكوريا الشمالية، معايير للمقارنة، هي درجة الأمن ودرجة المهابة ودرجة تأمين الكهرباء والخدمات الأساسية، وتوافر الاستشفاء والتعليم. أليس هذا ما تقولون إن لبنان خسره بسبب المقاومة، حسناً فعن أي مقاومة ستقولون إنها تسببت بخسارة السودان وهو تحت إجماع قادته على خياري التبعية والتطبيع يحتضر، بينما كوريا الشمالية تتبختر وتتحدّى أميركا، وهي تؤمن لشعبها ما يعترف العالم إن السودان يعجز عن تأمين مثله، وأقل الخجل هو أن تصمتوا.