تحية للرئيس إميل لحود والوزير بشارة مرهج
} معن بشوّر
كان كلّ شيء مثيراً للقلق في لبنان عشية التوقيع على «اتفاقية أوسلو» في واشنطن في أيلول 1993. رافضو الاتفاق كانوا مصرّين على التعبير عن رفضهم لهذا الاتفاق عبر مسيرة رمزية تنطلق من ساحة الغبيري في الضاحية الجنوبية باتجاه مدافن شهداء فلسطين في مستديرة شاتيلا، فيما الحكومة كانت مُصرّة على منع تلك المسيرة ولو أدّى ذلك إلى قمعها بالرصاص الحي.
بشارة مرهج أحد مؤسّسي تجمع اللجان والروابط الشعبية الذي كان وزيراً للداخلية يومها، كان حريصاً أن لا يجري صدام، وأن يتمّ الاتفاق على تنظيم مسيرة رمزية في المكان المحدّد، لكن جهات عليا في السلطة كان لها رأي آخر في الأمر…
العماد إميل لحود، قائد الجيش اللبناني آنذاك، كان أيضاً ضدّ الصدام مع مواطنين يرفضون اتفاقاً كانت الدولة نفسها قد أعلنت رفضها له، ففضّل أن يذهب إلى منزله في بعبدات على أن يشارك في قمع التظاهرة.
لكن ما كان يخشاه لحود ومرهج وقع وجرى إطلاق النار على المسيرة وارتقى يومها 13 شهيدة وشهيداً، و41 جريحاً، الذين أصرّوا على التعبير عن رفضهم تلك الاتفاقية المشؤومة.
يومها انتفض مرهج، منسجماً مع قناعاته الوطنية والقومية والديمقراطية، وأعلن بعد التشاور مع رفاقه، تعليق مهامه في الوزارة حتى يجري تحقيق مع المسؤولين، مما أحدث أزمة وزارية استمرّت تداعياتها لمدة عام تقريباً، حتى انتزع الرؤساء اللبنانيون من القيادة السورية قراراً بإقالة مرهج من وزارة الداخلية في مرسوم منتصف الليل، الذي اعتبره مرهج غير دستوري وغير قانوني، وطعن فيه أمام مجلس الشورى.
العماد لحود عبّر عن احتجاجه كعسكري بالاعتكاف في منزله في بعبدات وبدأت الضغوط لإقالته من قيادة الجيش، لكن هذه الضغوط لم تثمر، بل أصبح لحود رئيساً للجمهورية بعد 5 سنوات.
مرهج المُقال من الوزارة، ولحود الرافض لقمع رافضي الاتفاق المشؤوم، هما نموذجان للمسؤولين الذين يحترمون أنفسهم ويحرصون على احترام حقوق الإنسان وأحكام الدستور والثوابت الوطنية والقومية، وهما يستحقان كلّ التحية في يوم يبدو فيه تزايد عدد المسؤولين المتنصّلين من مسؤولياتهم، ويكتشف المتصدّون بالقمع لمناهضي «أوسلو» كم كانوا مخطئين، بل ومذنبين، بحقّ شعبهم وثوابت وطنهم، وكم كان معارضو ذلك الاتفاق بعيدي النظر أمام تصاعد الوحشية الصهيونية ضدّ شعب فلسطين والأمّة العربية.