ترشيح فرنجية لم يسقط
ناصر قنديل
كامل الاحترام لأصحاب الآراء المستعجلة بالحديث عن تطورات في المسار الرئاسي، يختصرها كلام المبعوث الفرنسي المنقول عنه في لقاء نواب الطائفة السنية في السفارة السعودية بحضور كل من مفتي الجمهورية الشيخ عبد اللطيف لودريان، والسفير السعودي وليد البخاري، بقوله إن العناوين السابقة لمقاربة الاستحقاق لم تعد تجدي وإن الرئيس الذي ينتخب بـ 65 صوتاً لا يستطيع أن يحكم داعياً الى البحث عن مرشح توافقي يجمع، لكن هذا الكلام التشجيعي للانخراط بدعوة الحوار والقائم على التزام معلوم من فرنسا والسعودية بعدم ترجيح أو تبني كفة ترشيح معين، لا يلزم الحلف الداعم لترشيح الوزير السابق سليمان فرنجية بالتخلّي عن دعمه، لأن المعلوم أيضاً أن الحديث عن أن مرحلة ترشيح سليمان فرنجية وجهاد أزعور قد انتهت، لا تعني شيئاً طالما أن لا اسم بديلاً وتوافقياً ومؤهلاً مطروحاً في التداول، وسقوط اسم ازعور بقوة انفراط عقد التقاطع الذي تبناه بهدف إسقاط ترشيح فرنجية لا يسقط ترشيح فرنجية، ولا يسقط ترشيح فرنجية إلا توافق يشترك فيه الذين يدعمون ترشيحه، بل يشترك فيه هو يصل الى الاتفاق على مرشح آخر، فهل حصل ذلك؟
الحوار الذي دعا إليه الرئيس نبيه بري لا ينطلق من اقتناع حلف ترشيح فرنجية بأن هناك ما يدعوهم للتخلي عن ترشيحه، وفي مقدمة هؤلاء الرئيس بري نفسه، حيث لا يزال فرنجية هو المرشح الذي يقتنع داعموه بأنه يلبي رؤيتهم لمواصفات الرئيس العتيد، ورئيس الجمهورية ليس موظفاً إدارياً يمكن البحث عنه عبر مناقشة واستعراض السيرة الذاتية لعدد من المرشحين. فهذا رئيس الجمهورية، الشخصية القيادية الأولى في الدولة، لا يمكن التفتيش عنه ولا اختراعه من تقليب الدفاتر العتيقة، فهو حكماً اسم لامع متداول ومطروح بقوة، يتفق معه البعض ويختلف معه وعليه بعض آخر. والمثال على مرشح يتم اكتشافه بعد التفتيش عنه والتوافق حوله، هو الوزير السابق جهاد أزعور، الذي كان داعموه يخشون أن تؤدي صدفة الحسابات الى وصوله الى رئاسة الجمهورية، ولا أحد يملك جواباً على أسئلة الرئاسة الأساسية معه، وكان جلّ ما يريدونه من ترشيحه هو إسقاط ترشيح جدّي يعلمون أنه يمثل نموذجاً لمفهوم اختيار رئيس للجمهورية، ووفقاً لهذا المعيار ثمة اسم آخر غير سليمان فرنجية يتّسم تداوله لمنصب الرئاسة بالجدّية، هو قائد الجيش العماد جوزف عون، فهل يمكن القول إن حلف فرنجية أو أن فرنجية نفسه مع حلفائه قد توصلوا الى نقطة التقاطع على اسم العماد جوزف عون؟
ارتبط الحديث عن ارتفاع أسهم العماد جوزف عون، بتصوير اللقاءات التي جمعت مسؤولين من حزب الله بقائد الجيش تحوّلاً في الخيارات الرئاسية للحزب، والقول إنها تعبير عن تموضع رئاسي جديد. وهذه مبالغة يعلم أصحابها أنها أبعد بكثير مما تحمله مثل هذه اللقاءات، لأن تبني ترشيح قائد الجيش من قبل حزب الله يعني التخلي عن ترشيح فرنجية الذي يصعب تخيّله في حالة حزب الله سياسياً وأخلاقياً، إلا بمشاركة فرنجية نفسه ضمن حسابات كبرى، يفترض توافرها، وهي ليست متوافرة، لأن هذا التموضع قبول بمرشح على درجة من القرب من الأميركيين وثقتهم، رغم الثقة بوطنية قائد الجيش وخياراته الواضحة تجاه المقاومة، فالكل يعلم أن وصوله الى رئاسة الجمهورية يفترض أن يعني ترجمة تفاهم ضمني بين الحزب والأميركيين، ولو بصورة غير مباشرة، كما حدث في ترسيم الحدود البحريّة للبنان، والتفاهم بالنسبة للطرفين لا تشكل فيه رئاسة الجمهورية إلا ترجمة لبنود تعلو الرئاسة مقاماً، وتتصل بالأمن الاستراتيجي الذي يشكل الصراع بين المقاومة وكيان الاحتلال محوره الرئيسي، وتمثل قضايا الحدود الجنوبية للبنان وسورية محاور الخلاف بين المقاومة والأميركي بشأنه، ومن ضمن الأمن الاستراتيجي مصير الوضع في المنطقة، أو على الأقل الوضع في سورية، حيث المواجهة بين الطرفين، المقاومة والأميركي على أشدّها، وجوهرها السعي الأميركي للضغط طلباً لترتيبات تحول دون ترجمة انتصارات سورية والمقاومة بما يرتب المزيد من التحولات في موازين القوى بوجه كيان الاحتلال. والأميركي عندما يتوصل الى مثل هذه التفاهمات، يرجح انه يفضل السير برئيس ترتاح إليه المقاومة، اذ لا يعقل تخيل معادلة تقوم على قواعد اشتباك لضمان الهدوء على الحدود يسعى إليها الأميركي ولو بتنازلات تشبه ترسيم الحدود البحرية، ولا تكون ترجمتها تسهيل أميركي لفوز رئيس ترتاح له المقاومة، وليس لرئيس يجري تصويره خسارة للمقاومة بالتخلّي عن مرشحها لصالح مرشح جرى تسويق ترشيحه كمطلب أميركي.
السير بقائد الجيش من جانب حزب الله يعني أيضاً توجيه ضربة قاسية للحليف والصديق اللدود التيار الوطني الحر، الذي لا يُخفى على أحد أن وصول قائد الجيش إلى الرئاسة يعني ما يعنيه للتيار ورئيسه، من خسارة أكيدة ومصدر قلق لا يخفيه، وليس لدى الحزب سبب لإلحاق خسارة بهذا الحجم بهذا الحليف، في بيئة مسيحيّة يقف فيها خصوم التيار على ضفة ترشيح قائد الجيش، وإسهام الحزب بمنح خصوم التيار فرصة تسجيل نصر عليه لمدة ست سنوات، وهم خصوم استراتيجيّون للمقاومة، لا يعبر عن منهجية الحزب ومقاربته للقضايا، وسقف ما يمكن فعله من جانب الحزب هو مصارحة التيار بأن الخيارات الرئاسية محصورة بين فرنجية وقائد الجيش وأن هامش الوقت يضيق والخيارات ليست ترفاً يحتمل البحث عن مرشح ثالث، وأن انضمام التيار إلى دعم ترشيح فرنجية يمكن أن يشكل نقطة التحوّل المنشودة لإنهاء الفراغ الرئاسي بصورة إيجابيّة مقابل الضمانات السياسية والحزبية، والمطالب الموضوعية والذاتية التي يطالب بها التيار.
ارتبط الحديث عن تحسن فرص قائد الجيش رئاسياً بالترويج لمقولة، إن الدور الفرنسي انتهى، وإن قطر ترث فرنسا، وإن السعودية لا تريد الظهور في الصورة، وإن قطر تتحدث باسمها واسم السعودية، وهذا معنى السعي القطري لتسويق اسم قائد الجيش، لكن كما هي حال الإيحاء المشوّش والمموّه المرتبط بالحديث عن لقاءات قيادات في حزب الله بقائد الجيش، هي حال الإيحاء بمقولة الدور القطري بديلاً عن الدور الفرنسي وبالتشارك مع السعودية. فقد ظهر بما لا يقبل الشك أن التنسيق فرنسي سعودي، وان مستوى التنسيق والشراكة بين فرنسا والسعودية، كما أظهر لقاء السفارة السعودية الذي نظّمه السفير السعودي على شرف المبعوث الفرنسي، بحضور معنوي لافت لمفتي الجمهورية، وضم نواب الطائفة السنية، رسالة واضحة بأن كل الحديث المسرّب عن الفرضية القطرية البديلة في غير مكانه.
ما يمكن قوله بثقة هو أن الدور السعودي يتقدّم بالتوازي مع انتهاء مهمة المبعوث الفرنسي، وينتقل من الكواليس إلى الواجهة، وليس الدور القطري، وأن ترشيح جهاد أزعور قد سقط وليس ترشيح فرنجية، وأن على طاولة الحوار وبعده جلسات الانتخاب المتتابعة، عندما يحدّد الرئيس بري المواعيد، اسمان هما سليمان فرنجية وجوزف عون.