مقالات وآراء

الرقص على الجراح…

‭}‬ د. علي أكرم زعيتر
في غمرة السؤال حول ما يجري في مخيم عين الحلوة، يحضرنا عدة فرضيات، منها:
أ ـ إنّ ما يجري في المخيم حالياً، يكاد لا يخرج عن دائرة الصراع الأيديولوجي ما بين التنظيمات الراديكالية المتشدّدة والتنظيمات ذات التوجه الوطني العلماني. فعصبة الأنصار، وجند الشام، والشباب المسلم وسواها، تنظيمات ذات توجه ديني راديكالي تطمح لفرض سيطرتها العسكرية وطروحاتها العَقَدية على المخيم، بينما تتسم حركة فتح بصبغة علمانية واضحة ما يضفي على القتال الدائر بين الطرفين طابعاً أيديولوجياً.
ب ـ يزعم بعض الكُتَّاب المناوئين لمحور الممانعة أنّ المعارك الدائرة في المخيم الآن، إنما تدور بإيعاز من حركتَي حماس والجهاد المحسوبتين على المحور، وذلك بغرض الإطاحة بحركة فتح المتهمة بممالأة الولايات المتحدة الأميركية.
ليس مؤكداً حتى الساعة، ما إذا كان أصحاب هذه الفرضية جادّين في ما يقولون أم لا، ولكن من الواضح بالنسبة لنا ولأيّ مبتدئ في عالم السياسة أنّ محور المقاومة ــ وعلى وجه الخصوص حماس والجهاد ــ أحرص ما يكون على استتباب الأمن والاستقرار والهدوء في مخيم عين الحلوة وسائر مخيمات الشتات، ذلك أنّ أيّ انفلات أمني أو عسكري داخل المخيم سيرتدّ سلباً على القضية الفلسطينية ككلّ.
إنّ فرضيات من هذا النوع، تكاد لا ترقى لمستوى الطرح النظري. إنها على الأغلب مجرد افتراءات وأكاذيب لا تبتعد في جوهرها عمّا يُعرف بالبلاغات الكاذبة والإشاعات المغرضة.
ج ـ جولة القتال الأولى التي اندلعت قبل حوالي شهر، والتي تمّ احتواؤها بفعل الجهود التي قامت بها بعض القوى اللبنانية وعلى رأسها حزب الله وحركة أمل بالتنسيق مع بعض الأطراف الفلسطينية الفاعلة والمؤثرة داخل المخيم، تزامنت مع زيارة مدير المخابرات الفلسطينية ماجد فرج إلى لبنان، فيما تزامنت جولة الاقتتال الحالية مع زيارة فرج، وأمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية حسين الشيخ من جهة، وزيارة مساعدة وزير الخارجية الأميركية لشؤون الشرق الأوسط بربارا ليف ومستشار الرئيس الأميركي لشؤون الشرق الأدنى بريت ماك غورك إلى المملكة السعودية، بحسب ما نقل موقع «واللا» العبري قبل أيام، فهل لجولتَي القتال علاقة بطبخة التطبيع التي يجري الإعداد لها في المطابخ السعودية والأميركية، أم أنّ الأمر لا يعدو أن يكون اصطراعاً بين الفلسطينيين أنفسهم على النفوذ؟
د ـ لطالما نجحت المخابرات الأميركية والإسرائيلية في اختراق التنظيمات التكفيرية والمتشدّدة، وما النموذجان العراقي والسوري عنا ببعيدين، فما المانع من أن تكون المخابرات الإسرائيلية قد اخترقت إحدى التنظيمات المتشددة داخل المخيم عبر أحد عملائها القياديين، بل ما المانع من أن تكون بعض أجهزة فتح الأمنية في المخيم مخترقة هي الأخرى؟
هل يختلف اثنان حول أنّ المستفيد الأكبر مما يجري داخل المخيم الآن هو العدو الصهيوني؟ لـ »إسرائيل« مصلحة كبرى في إشعال نار الفتنة بين الفلسطينيين، فلماذا نستبعد فرضية دخول الموساد على خط المعارك الدائرة حالياً؟
هـ ـ لا تزال السلطة الفلسطينية في رام الله حتى اللحظة تشترط على الولايات المتحدة الأميركية دعمها إقامة دولة فلسطينية مستقلة وكاملة السيادة ومعترف بها في الأمم المتحدة، كمدخل أساسي للانخراط في مفاوضات نهائية مع كيان الاحتلال، فهل تندرج الاشتباكات الأخيرة ضمن إطار هزّ العصا الأميركية لفتح؟
بمعنى آخر، هل حرّكت أميركا بيادقها داخل مخيم عين الحلوة بغرض إرباك حركة فتح، وجرها نحو تقديم مزيد من التنازلات على مذبح القضية الفلسطينية؟
و ـ هناك من يتصوّر أنّ انقساماً ما بين أجنحة حركة فتح هو ما أدّى إلى اندلاع هذه الاشتباكات. نحن لا نعلم بالضبط طبيعة الصراعات بين أجنحة الحركة، ولكن من المؤكد بالنسبة لنا أن المسألة بعيدة كلّ البعد عن الحسابات الضيقة داخل فتح.
هذا ما وقفنا عليه من فرضيات محتملة حتى الساعة، فأيّ منها هو الصحيح؟
لا يبدو بحسب المعطيات المتوافرة أنّ هناك دفعاً إقليمياً باتجاه توتير الأجواء، وإنْ كنا لا ننكر دخول أفرقاء كثر على خط الأزمة في محاولة منهم لتحصيل بعض المكاسب.
لطالما اجتذبت القضية الفلسطينية ـ باعتبارها قضية قائمة على مظلومية شعب وسرقة أرض ومحو هوية ـ الوصوليين والاستغلاليين وصائدي الفرص. ولكن في ما يتعلق بالاشتباكات الحالية، لا شيء يشي بأنها وليدة صراع محاور، أو مؤامرة خارجية، أو أنّ هناك من يحرك الجمر تحت الرماد.
كلّ المؤشرات تدلّ على أنها ذات طابع ثأري، تداخلت فيها النوازع والعصبيات الحزبية والعائلية مع النوازع والعصبيات الأيديولوجية.
ولعلّ خير ما يؤكد وجهة نظرنا هذه:
1 ـ ما جاء على لسان الأمين العام لحزب الله سماحة السيد حسن نصر الله قبل شهر. تحديداً خلال جولة الاقتتال الأولى. وقتها أمل سماحته من جميع الأطراف الاحتكام إلى لغة العقل والمنطق بغية تفويت الفرصة على المصطادين في الماء العكر.
لو لم تكن الأزمة وليدة حسابات داخلية ضيقة، بين أمراء الأزقة والحارات، لما فوَّت سماحته فرصة التصويب على المسبّب الحقيقي، لا سيما إذا كان طرفاً خارجياً لا يضمر خيراً للقضية الفلسطينية.
2 ـ بعض من يحلو لهم التصويب على المقاومة وسلاحها حاولوا أن يوحوا أنّ الصراع ذات بعد أيديولوجي وأنّ حركتَي حماس والجهاد ومعهما حزب الله يدفعون باتجاه توتير الأجواء من بوابة دعم المجموعات الراديكالية، فيما أثبتت الوقائع الميدانية أنّ أياً من هؤلاء الفرقاء الثلاثة لا علاقة له بالأمر لا من قريب ولا من بعيد، فلو كان لأيٍّ من هؤلاء يد في ما يجري لما اقتصرت المعارك على عين الحلوة ولامتدّت إلى كلّ مخيمات اللجوء الفلسطيني في لبنان، نظراً لحضور حركتي حماس والجهاد الوازن في كلّ تلك المخيمات، ونظراً لقدرتهما الفائقة على تحريك الشارع الفلسطيني في الداخل والخارج.
إنّ الأمر برمّته، بحسب ما هو بادٍ لنا، ناشئ على خلفية مقتل القيادي في حركة فتح أبي أشرف العرموشي ومرافقيه. لقد أعلنت حركة فتح مراراً عن استعدادها لوقف القتال شريطة تسليم قتلة العرموشي، ما يعني أنّ العوامل المؤجّجة للصراع محلية وظرفية بامتياز.
أعرب بعض المراقبين عن تريُّبِهم من إقدام الصليب الأحمر على نصب خيم جاهزة خارج المخيم، بغية استقبال النازحين من داخل المخيم، حيث عدّها هؤلاء بمثابة خطوة مدروسة، الغرض منها تأجيج الصراع وإطالة أمد الأزمة والتلويح بفزاعة اللجوء من جديد.
ولكن بعد التدقيق ملياً في تفاصيل ما جرى تبيّن أن الخطوة لم تكن مدروسة بقدر ما كانت متسرّعة.
نحن، وإنْ كنا لا ننفي مسارعة بعض أصحاب المآرب للرقص على جراح الأشقاء الفلسطينيين والاستثمار في دمائهم، إلا أننا ننفي نفياً قاطعاً أن تكون الأحداث التي تعصف بالمخيم، والتي كان من المفترض أن تضع أوزارها قبل يومين، بعد الاتفاق الذي أبرم برعاية المدير العام للأمن العام اللبناني بالإنابة اللواء إلياس البيسري، وليدة قرار دولي أو تدخلات إقليمية، كما يحلو لبعض أصحاب المخيلات الواسعة التصوّر…

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى