سورية وحربها على الفساد الداخلي
} د. حسن مرهج*
بصرف النظر عن العقوبات الأميركية الجائرة على سورية، والتي أرهقت الشعب السوري، عبر حرب اقتصادية غايتها الأولى والأخيرة، تأليب السوريين على دولتهم، إلا أنّ تلك العقوبات كانت ذات تأثير مضاعف، نتيجة لارتباطها بالفساد الداخلي، والذي أيضاً بدوره أرهق مؤسسات الدولة السورية والسوريين على السواء، ولا يمكن لأيّ متابع للشأن السوري، إلا أن يُقرّ بوجود الفساد بمستوياته كافة في سورية، ولكن لا يعني تغلغل الفساد في سورية، بأنّ هذه الظاهرة فقط في سورية، بل ظاهرة الفساد تُرهق كبرى الدول، فما بالكم في سورية، والتي خاضت حروب كثيرة وعلى جبهات متعدّدة، ومن ضمن تلك الحروب، هي الحرب على الفساد داخل سورية.
حقيقة الأمر، فقد أرهقت ظاهرة الفساد المجتمع السوري، وقد كانت تلك الظاهرة أحد أسباب تعميق أزمات السوريين، فـ بعد تمكن الدولة السورية من تأطير عناوين الحرب السياسية والعسكرية، بات من الضروري تأطير الفساد في سورية بشتى الوسائل، لتعزيز الانتصار الذي حققته سورية، وحصد نتائجه.
في هذا الإطار، فإنّ جُملة المراسيم التي أصدرها الرئيس الأسد مؤخراً، جاءت في صلب الحرب على الفساد، وقد أكد الأسد مراراً وتكراراً، بأنّ الفساد في مؤسسات الدولة السورية، من شأنه أن يُعيق أيّ نهوض اقتصادي، والمواطن السوري هو المُتضرر الوحيد جراء هذا الفساد، وبالتالي لا بدّ من محاربته، وسيكون المواطن السوري هو شريك الدولة في الحرب على الفساد.
إجراءات الدولة السورية في محاربة الفساد، بدأت فعلياً قبل سنوات، بعد أن تمكنت الدولة من تخطي الحرب العسكرية، في هذا الإطار أقرّ مجلس الوزراء السوري، في الثاني من حزيران/ يونيو 2019، «وثيقة الاستراتيجية الوطنية لمكافحة الفساد»، وأقرّ المجلس الوثيقة وفق مستويات تشخيص الحالة الراهنة للفساد، ووضع التدخلات المناسبة لمكافحة مظاهره، وفق برمجة مادية وزمنية محدّدة تتضمّن الاستفادة من البنيان القائم لمؤسسات الدولة المعنية بشكل مباشر بهذا الملف، كما تضمّنت الوثيقة دور الشركاء المعنيين من المجتمع الأهلي والقطاع الخاص لضمان مشاركة كافة أطياف المجتمع في محاصرة ظاهرة الفساد، وتعزيز سيادة دولة القانون والاستفادة من تجارب الدول في مكافحة الفساد.
وثيقة مكافحة الفساد تضمّنت عدة غايات تشمل:
ـ تعزيز ثقة الفعاليات الاجتماعية في توفر الإرادة لدى المؤسسات الحكومية لمكافحة الفساد.
ـ استكمال المنظومة المؤسّساتية المسؤولة عن مكافحة الفساد.
ـ تحقيق النزاهة والشفافية في المؤسسة القضائية وفي الجهات العامة.
ـ تطوير وتعزيز قدرات وأدوات عمل الجهات الفاعلة في مكافحة الفساد.
ـ مشاركة الفئات الاجتماعية في جهود مكافحة الفساد.
ـ بناء منظومة أخلاقية مناهضة للفساد.
ـ توضيح الأدوار بين مختلف الفاعلين في مكافحة الفساد.
وبعد عام من إقرار الوثيقة الاستراتيجية الوطنية لمكافحة الفساد وفي 19 أيار/ مايو 2020 اعتمد مجلس الوزراء السوري البرنامج الوطني التنموي لسورية ما بعد الحرب (سورية 2030)، وتضمّن البرنامج محوراً كاملاً بعنوان «محور البناء المؤسسي وتعزيز النزاهة»، وتناول المحور القضايا المتعلقة بحماية عملية الانتقال إلى سورية في ما بعد الأزمة من ظاهرة الفساد. كما تناول المحور قضايا مثل تعزيز النزاهة والشفافية، وإصلاح النظام القضائي والأجهزة الرقابية، وبناء المؤسسات القوية والفعّالة، والتنمية الإدارية، وإصلاح القطاع العام الاقتصادي.
واعتقد البرنامج الوطني التنموي لسورية ما بعد الحرب أنّ تعزيز النزاهة والشفافية، ومكافحة الفساد، على جميع المستويات يتطلّب تطوير منظومة متكاملة، بأبعادها السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، إضافة إلى الأبعاد الأخلاقية. ومن وجهة نظر البرنامج فإنّ هذه العملية تحتاج إلى مقوّمات خاصة تتعلّق بتصميم الآلية المناسبة لإدارة هذا الملف، والتي تقوم أساساً على تحديد الخصائص الرئيسية المميّزة لظاهرة الفساد في البلاد، إلى جانب أسباب عدم نجاعة سياسات مكافحة الفساد المتبعة سابقاً، ومقومات نجاح هذه السياسات.
اقع الحال يؤكد، بأنّ الرئيس الأسد هو القائد الحقيقي والفعلي للحرب على الفساد، لكن الرئيس الأسد شخصية عقلانية ومنطقية، وعليه فإنّ جملة القوانين والتشريعات التي أصدرتها، تساعد على الحدّ من انتشار الفساد، ومن ثم الإجهاز عليه قانونياً، ومن المهمّ التذكير، بأنّ أجهزة الدولة السورية قد ألقت القبض قبل أيام، على عدد من مسؤولي مدينة اللاذقية، بتهم تتعلق بإهدار المال العام، وهذه الخطوة ستتبعها خطوات كثيرة في هذا الإطار، الأمر الذي يؤكد جدية الرئيس الأسد والدولة السورية، بمحاربة الفساد والقضاء عليه.
ما يهمّ في هذا التوقيت الذي تمرّ به سورية، أن تتمّ محاصرة الفساد، وتعزيز مقومات صمود السوريين المعيشية والاقتصادية، وكلّ الإجراءات التي يتخذها الرئيس الأسد، تصبّ مباشرة في مصلحة المواطن السوري. والآتي على سورية والسوريين بقيادة الأسد أبهى وأجمل…
*خبير الشؤون السورية والشرق أوسطية ومدير شبكة فينيقيا للأبحاث والدراسات الإستراتيجية.