خيمة وأزمة
} مأمون ملاعب
اليهود المقيمون عنوة على أرض فلسطين الذين أقاموا دولتهم يشكلون مستوطني الدولة حيث لا يمكن تسميتهم مواطنيها، لكونهم لا ينتمون للوطن بل للدولة فقط المغتصبة أرض الوطن. هؤلاء يتحوّلون تدريجياً من بناة دولة إلى أعدائها لكونهم يعملون دون دراية منهم على الفتك بها. هم يريدون الدولة التي تعكس الأيديولوجية اليهودية كما العنصرية والنفسية اليهوديتين المقيتتين. وفي سعيهم هذا تتساقط حكومات وبرلمانات وبالمحصلة يوجد خطان متعاكسان كلياً. خط تصاعدي يمثل توق ومطالب وحاجات غالبية المستوطنين، وخط تنازلي يعكس عجز الحكومات المتتالية وتنازلاتها، وعلى ما يبدو فإنّ التغيير في أيّ من هذين الخطين مستحيل.
في الخط الثاني شكّل الانسحاب من لبنان وتردّداته في فلسطين ضربة لـ باراك وحكومته ولحزب العمل الذي خرج من التأثير السياسي بعد ذلك، وهو كان قد بدأ بالتراجع منذ أواخر السبعينيات لمصلحة التطرف اليهودي اليميني. حرب تموز 2006 أطاحت بـ اولمرت وحزب كاديما. كلّ الحروب مع غزة انعكست سلباً على حكومات العدو. لم يكن أمام أيّ حكومة إلا التراجع والتنازل التدريجيّ قسراً.
في السابق كانت حكومات العدو تفرض شروطها بفعل الميدان مدعومة بمنظومة دولية خاضعة للصهيونية العالمية من أمم متحدة وعالم غربيّ وما يسمّى زوراً مجتمعاً دولياً ومنظمات حقوق الإنسان وغيرها! وحتى من اعتبر نفسه سلطة فلسطينية وكذلك من العرب الذي اتخذ دور الوسيط مثل مصر.
أما مع تراجع جيش العدو وعدم قدرته على الحسم في الميدان حتى في الداخل الفلسطيني المحتلّ (سيف القدس ومعركة جنين) لم تعُد للدعم الخارجي أو المحلي قيمة كبيرة، لذلك فقدت حكومات العدو القدرة على فرض شروطها، وبالتالي تراجعت وسارت بالتنازل بدءاً بالانسحاب من لبنان الى الخضوع لتبادل الأسرى مع المقاومة في لبنان، ثم مع المقاومة في غزة، وصولاً إلى الترسيم البحري مع لبنان والذي أطاح بالائتلاف الحاكم لمصلحة الأكثر تطرفاً، الليكود والأحزاب الدينية، وهم حالياً في الحكم ووضعهم مشابه لمن سبقهم بل ربما أصعب، لأنهم يمثلون الأيديولوجية اليهودية العنصرية والمستوطنين المتطرفين الذين يعتقدون أنها لا تتنازل.
حكومة العدو حالياً وبسبب وضع المقاومة خيمة على أرض تحتلها «إسرائيل» لكنها تعتبرها جزءاً منها بعد أن أعلنت ضمّ الجولان، هي أمام خيارين، الحرب التي يرفضها جيشهم خشية من الأسوأ أو التنازل.
حكومة العدو هذه اتخذت قرار إزالة الخيمة ولو بالقوة، ولم تبادر إلى ذلك، ثم أدخلت الوساطات واستعملت لغة التهديد ولم تفلح. الخيمة من الناحية العسكرية لا قيمة لها وباعتراف هوكشتاين المندوب المشترك لـ «إسرائيل» والولايات المتحدة. لكنها تشكل إحراجاً كبيراً لحكومة العدو التي اضطرت لبحث مقايضة ما، لكن تسريبها أوقع حكومة العدو بالإحراج الكبير. كيف ستترجم قرارها؟
على الخط الثاني تتجلى النفسية اليهودية القائمة على فكرة شعب الله المختار في العجرفة والعنصرية والحقد وتنعكس سلباً عليهم حين تمنعهم من تقبّل فكرة الضعف أو العجز فكيف بالهزيمة خصوصاً بعد أن سادت لهم لسنوات توافقاً بين الايدولوجية والأحداث. اليهود الذين يتحكّمون بالولايات المتحدة وأوروبا الأطلسية الذين فرضوا على ألمانيا دفع التعويضات لـ «إسرائيل» منذ الحرب العالمية الثانية جراء محرقة بحق اليهود مزيفة. الذين تتسابق لخدمتهم الوفود الغربية لتبني قرارات ومشاريع على حسابنا، وتزحف الجيوش الغربية إلى منطقتنا لدعمهم… هؤلاء لا يتقبّلون هزيمة أو تنازلاً لحفنة من أبناء كنعان، الملعونين حسب اعتقادهم. يهود دولة «إسرائيل» المتمسكين بها، لأنّ بعضهم يهاجر يأساً، يزدادون تطرفاً وتعصّباً وعجرفة.
انهارت أحزابهم الكبيرة وفقسوا أحزاباً دينية عديدة فإذا بالكنيست كثير الألوان عاجز عن اتخاذ القرار. هذه الأحزاب التي تستقطب المستوطنين بالتطرف تعيش على الدولة كالفطر. المتدينون لا يقاتلون في الجيش ولا يعملون ونرى «بطولاتهم» فقط حين يستفردون بفلسطيني أعزل أو حين يجتاحون بمؤازرة الجيش أحياء فقيرة مدنية ويعيثون خراباً.
هؤلاء لا يتورّعون حتى عن قتل اليهودي وهو ما فعلوه مع رابين. هؤلاء يؤمنون بأنّ ربهم سمّر «قرص» الشمس في وسط السماء ليومين ليتسنّى ليشوع تدمير أسوار أريحا بواسطة النفخ في البوق وهم يشعرون أن يوم الدينونة قد اقترب فيستعجلون تحضير البقرات الحمر. جيوش وجدت لخدمتهم ستقاتل أعداءهم عنهم. هم اليوم ينفخون بالبوق لكن مَن قد يسقط هو حكومتهم. في الأمس القريب عجزت دولة العدو عن تأليف حكومة وأجرت انتخابات عدة برقم قياسي، استقرّ الوضع للائتلاف اليميني الحاكم لفترة قصيرة على اعتقاد واهم.
الصفة العامة لكلّ الأحزاب اليهودية اليمينية هي الغباء الجمعيّ الذي يسير بهم إلى الطريق المسدود والنتيجة القاسية عليهم ولن تكون أرض كنعان إلا لأصحابها…